ضباط الشرطة القضائية يهابون القانون.. ولا يخافون من التدوينات

الكاتب : الجريدة24

31 مايو 2020 - 05:53
الخط :

كتب أحد الأشخاص مساهمة فايسبوكية وجدت طريقها -عرضيا- للنشر في منبر إعلامي وطني، رغم ما لها وما عليها من أخطاء مفاهيمية ولغوية تجعلها تتطبع بطابع "التدوينة"، لافتقادها للحد الأدنى من مقومات المقال الصحفي الصالح للنشر.

والبداية ستكون من حيث انتهى صاحب التدوينة في الجزء الذي اختار له كعنوان "مساءلة الضباط"، حيث كتب هذا المدون "نسائل السادة ضباط الشرطة القضائية المنتمون منهم إلى السلطة القضائية أو غير المنتمون إليها، المكلفون بهذه القضية، إن كانوا يقرأون معنا هذه المقالة، الأسئلة التالية...".

وقبل الجواب على استفسارات صاحب التدوينة، وجب تنبيهه أولا إلى أن "المساءلة" لا تعني السؤال والاستفسار وفق ما جنح إليه تعبيره ومقصده بشكل معيب لغويا في هذه التدوينة، ذلك أن "المساءلة" وفعلها المشتق "نسائل" ينصرفان معا إلى المحاسبة من طرف سلطة رئاسية أو جهة ذات رقابة معنوية أو قانونية أو غيرها، وأنها لا تعني بأي شكل من الأشكال الاستفسار أو السؤال الموجب للرد.

وضباط الشرطة القضائية الذين "يسائلهم صاحب التدوينة" لا ينتمون إلى السلطة القضائية، كما ورد في تدوينته بشكل مشوب بعدم الدقة، إلا إذا كانوا ضباطا سامون بمدلول المادة 19 من قانون المسطرة الجنائية، وهم وقتها الوكيل العام للملك ووكيل الملك ونوابهما وقاضي التحقيق، أما ما عدا ذلك من ضباط الشرطة القضائية فهم ينتمون لأجهزة تنفيذية ومؤسسات أمنية أخرى، ولكنهم يعملون تحت سلطة القضاء في جميع صلاحياتهم ومهامهم المرتبـطة بالأبحاث التمهيدية، أو عند تنفيذ الإنابات والأوامر القضائية.
وتأسيسا على ذلك، فتعبيرات صاحب التدوينة لا تخونها فقط الملكة اللغوية وإنما تعوزها حتى الدقة والتملك القانونيين للمقتضيات التشريعية المنظمة لعمل ضباط الشرطة القضائية. ورغم انتفاء موجبات وعلّة السؤال، فإن إشاعة المعرفة القانونية وتبديد الجهل التشريعي يقتضيان الإجابة عن أسئلة المدون المذكور، الذي كان قد سأل ضباط الشرطة القضائية عن "السبب في عدم البحث مع المشتبه فيه سليمان الريسوني في حالة سراح؟ ولماذا الاستمرار في التحقيق معه في حالة اعتقال؟ ولماذا عدم تركه يمارس مهامه رغم أنه "بارئ" إلى حد الآن"؟

فالجواب على هذه الأسئلة يقتضي الإحالة أولا على قانون المسطرة الجنائية، ذلك أن ضباط الشرطة القضائية يباشرون الأبحاث التمهيدية ولا يتخذون قرار الوضع تحت الحراسة النظرية إلا بعد إشعار النيابة العامة في حالة التلبس، وبناءً على إذن صريح منها في البحث التمهيدي. ومن هنا، يظهر أن سؤال الشرطة القضائية عن تقييد الحرية في مرحلة ما قبل المحاكمة هو سؤال مدفوع بجهل قانوني، يقتضي مراجعة المادتين 66 و80 من قانون المسطرة الجنائية، لكي يعرف بأن النيابة العامة هي الجهة التي أصدرت الأمر بالوضع تحت الحراسة النظرية وليس ضباط الشرطة القضائية.

كما أن مساءلة أو سؤال ضباط الشرطة القضائية عن أمر من أوامر التحقيق الإعدادي، وتحديدا قرار الاعتقال الاحتياطي، هي مسألة فيها خلط واضح بين مختلف مراحل الدعوى العمومية، وجهل صريح بالصلاحيات المخولة لمختلف المتدخلين في الخصومة الجنائية. فالتحقيق الإعدادي يباشره قاضي التحقيق وليس ضباط الشرطة القضائية، وبالتالي فإن الجواب على هذا السؤال لا يحتاج لتوضيح بقدر ما يتطلب مراجعة المقتضيات القانونية ذات الصلة.

والمثير أيضا في أسئلة صاحب التدوينة أعلاه، أن عدم تملّكه لناصية اللغة العربية جعله يرتقي بالمتهم سليمان الريسوني إلى مصاف "الخالق والواهب للحياة". فكلمة "بارئ" التي استعملها المدوّن هي اسم من أسماء الله الحسنى متى كانت مُعرّفة، وتعني (واهب الحياة)، أما البراءة كأصل افتراضي في المتهم، والتي يعنيها صاحب التدوينة، فتقتضي استعمال لفظة "بريء" وليس بارئ التي يختص بها الخالق جلت قدرته.

ولعلّ المفارقة الغريبة في كل ما كتبه صاحب التدوينة هي عندما ربط توقيف المشتبه فيه بالمخاوف من افتتاحياته! مع أن العميد الممتاز الذي حرّر المحضر كان يتوفر على ماستر في العلوم القانونية، وجميع مساعديه من ضباط الشرطة القضائية يتوفرون على شواهد جامعية عليا في القانون والعلوم الاقتصادية، وهي شواهد يتطلبها القانون لولوج هذه الوظائف، بيد أن المشتبه فيه صرح في محضر أقواله بأنه يتوفر فقط على مستوى الباكالوريا، أي أنه تابع دراسته حتى السنة الثالثة من العليم الثانوي! فكيف يخاف من هو أعلى أكاديميا ممن هو أدنى؟ وكيف يخاف من قضى سنوات من التعليم الجامعي والتكوين المهني والأكاديمي من شخص لم يلتحق بأية مؤسسة للصحافة، وإنما صرح رسميا بأنه تابع دروسا عن بعد في الإعلام مع مؤسسة هولندية رغم أنه لا يجيد أصلا اللغة الهولندية (مع ملاحظة أن هولندا استبدلت اسمها مؤخرا وصارت تفضل لقب "الأراضي المنخفضة").
ولئن كانت التدوينة الأصلية مفعمة بالأخطاء اللغوية والقانونية، وتفتقد لمناط السؤال والاستفسار، إلا أن مهمة الإعلام والصحافة تقتضي إشاعة المعرفة وتبديد مكامن اللبس، لئلا يبقى صاحب التدوينة في دار غفلون، وليعلم جيدا بأن ضباط الشرطة القضائية لا يخافون من التدوينات وإنما يهابون سلطة القانون فقط.

آخر الأخبار