الطابور الخامس...ينظّر للاستبداد الفكري الجديد

الكاتب : الجريدة24

15 أغسطس 2020 - 11:17
الخط :

لم يجد أحد دهاقنة الطابور الخامس الجديد ما ينافح به عن رديفه وقرينه عمر الراضي سوى مشجب وشمّاعة "الإعلام والأمن"، لكي ينفث على أعتابهما انكسارات الأحلام اليسارية المجهضة، ونزق الشباب الموغل في "الردكلة الثقافية والصحفية"، ويحيي في خيّاله، من خلالهما، أوهام الاستبداد القادر على تطويع الإعلام لاستهداف "النكرات"، التي لا يجمع بينها وبين الواقع سوى "حسابات افتراضية لا تصدح إلا بالتدوين اللاواقعي".

فالذين يعاتبون الصحفيين المغاربة اليوم على مجرد الاختلاف في الرأي والمواقف مع عمر الراضي أو مع المعطي منجب ومن يسير في ركبهما وركابهما، ويصفونهم بكونهم ألوية من لواءات الأمن، عليهم أن يدركوا بأنهم لا يحملون من الحداثة واليسار إلا الوهم، لأنهم في حقيقتهم "شموليون وراديكاليون" لا يقبلون بمن يختلف معهم في الرأي، و لا يتحمّلون من يصطف في جوانب أخرى بعيدة عن خندقهم المفعم بالتطرف الفكري في أقصى حمولاته.

فأن تنتصر لعمر الراضي، لا يعني أنك تمتلك الحقيقة المطلقة، وأن تناوئ الدولة وأجهزتها ومؤسساتها لا يكفي ليجعل منك مناضلا يساريا، وأن تٌدمج "كرموصتك في شريط المعطي منجب" لا يسبغ عليك نهائيا وصف المنافح ضد الفساد والاستبداد.

بل على العكس من ذلك، فأنت تمعن في ممارسة الاستبداد في أبشع تجلياته. فالذي ينتصر لعمر الراضي حدّ التطرف إنما يبخس حق الضحية حفصة بوطاهر في الشكوى والتظلم، والذي يخوّن الضحية ويستهجن من يصطف إلى جانبها إنما يمارس الاستبداد بالرأي وفي الموقف، ويحفز على الإفلات من العقاب، ويزدري الحقوق الفئوية للنساء.

ولئن كان الطابور الخامس قد أثنى وأطرى على "لا" عمر الراضي، محاولا الارتقاء بها إلى مصاف الرأسمال النضالي. وهذا حقه المشروع في الاصطفاف مع من شاء ولصالح من يشاء، لكن ما ليس من حقه هو أن يجعل من تلك "لا" العادمة صك براءة أو سببا من أسباب التبرير والإباحة التي تعفي من المسؤولية الجنائية، وتسوغ لعمر الراضي أو غيره ارتكاب جناية وطء الضحية كَرْها بدعوى أنه مناضل يدافع ضد الاستبداد؟ وما ليس من حقه أيضا هو أن يتراشق بالكلمات والمفردات و"يشيّط" لمعشر الصحفيين المخالفين في الرأي والتوجه.

وإذا كان "مستبدو عمر الراضي" و" متطرفو المعطي منجب"، ممن يعتقدون أن الحقيقة تنطلق من عندهم، وأنهم يملكون وحدهم ناصية النضال، فرجاءً تحلّوا ببديهيات العمل النضالي، وهي أن لا " تكفروا من يختلف معكم في الرأي والتعبير"، لأنكم إن فعلتم فأنتم المستبدون لا سواكم.

وختاما، استفزتني مفردة " القدرة" التي قال أحد سدنة الطابور الخامس أن عمر الراضي كان نجيبا فيها، إذ ادعى فيما ادعاه بأن صديقه اليافع كان قادرا على زرع الفرح والابتسامة والعمل الجماعي!!

وهنا نتساءل معه بصوت مرتفع، هل من يتورط في اغتصاب زميلته في منزل رئيسهما في العمل يؤمن بالعمل الجماعي؟ وهل من يستحلل دموع الضحية المغتصبة قادر على زرع الفرع وحصد الابتسامة؟

خلاصة القول: إنها ضروب الاستبداد الفكري الجديد، التي تجعل من المغتصب والخائن ضحية بينما تسدل على ضحاياه وصف الجناة، أما الصحفيين المختلفين فيتم وصفهم كالعادة ب"الألوية المناوئة للنضال المفترى عليه".

آخر الأخبار