أسر سوسية: آل بنصالح... القوة البعمرانية الاقتصادية التي كتبت قصتها بأرجل النمل

الكاتب : الجريدة24

04 مارس 2024 - 05:00
الخط :

أسر سوسية: آل بنصالح... القوة البعمرانية الاقتصادية التي كتبت قصتها بأرجل النمل

أمينة المستاري

إذا كان لبهجة الجنوب رجالاتها السبعة الذين شيدوا صرحها الروحي، والحضاري، فإن لسوس رجالاتها الستة الذي زرعوا فيها روح الاقتصاد الحديث، فسموا بها إلى القمة، وساهموا في إعمارها قبل وبعد الزلزال المدمر، ولم تقف همة الرجال الستة حدود سوس، فهبوا لقيادة الحركة التجارية بالعاصمة الاقتصادية، كما بغيرها واصبحوا من الأوائل الذين عصرنوا الحركة التجارية بالمغرب، ونافسوا الأجانب في ذلك. ومن بين هؤلاء الرجال بنصالح القوة الهادئة في مجموعة القاصدي، خرج بنصالح من القاع" وتعثر لمرات قبل أن يصل القمة.

لم تمنع الكبوات التي تعرض لها مؤسسو بعض الأسر السوسية، من النهوض مرة أخرى واستجماع القوى للبدء من جديد، خاصة في المجال المالي والاقتصادي.

فروح المقاومة كانت سمة للسوسي المتشبث بمبدأ الكد، من بينها أحد أبرز الأسماء التي تعرضت لانتكاسات، ثم سقطت، فعادت لتستجمع قواها وتواصل مسيرتها، هو الحاج ابراهيم بنصالح، الذي بصم مساره العصامي بأيت باعمران.

تحدى سليل قبيلة آيت عبلا بآيت باعمران، واقعا استعماريا، فكان ينهض ليعيد الكرة كلما سقط كنملة تسقط منها حبة قمح فتقاتل وتقاوم حتى تعود لتحملها من جديد، هو حال بنصالح، الذي استولى المستعمر على أملاكه وأمواله، لكنه نهض من جديد وعاد ليبني نفسه، ويكون بمعية رفاقه في "مجموعة 6"، التي برزت اقتصاديا، وتحدت بدورها واقعا مرتبطا بقيود إدارية، وتمكنت من أن تضع اقتصاد سوس على سكة عصرية عالمية.

بنصالح ولد سنة 1919 بدوار سراح، وطبعا تلقى مثل سائر أقرانه تعليمه بالمسيد، فتمكن من حفظ وختم القرآن، فهو سليل أسرة علمية عرفت بالعلم ، وحب كتاب الله وسنة نبيه، فقد سار الحفيد على نهج جده الفقيه محمد بنصالح، ووالده الفقيه سيدي أحمد بن محمد بنصالح.

تمدرس سي ابراهيم بنصالح على يد والده الفقيه وتشبع بتعاليم الدين الاسلامي والتربية الصالحة والمحافظة على عادات السلف، وتمكن من الارتقاء في تعليمه بعد تردده على مجموعة من مدارس قبيلته.

شكلت مرافقته لوالدته إلى مدينة سيدي يحيى الغرب نقطة تحول في حياته، مارس هناك مجموعة من المهن والحرف، قبل أن يعود إلى منطقته، ويمارس التجارة الصغيرة، فشرع في التجول بين الأسواق ليبيع سلعته، واتخذ له دكانا بسوق أربعاء أيت عبد الله، و آخر بسوق الخميس تيوغزة، وثالث بسوق ثلاثاء لخصاص .

بالتدريج طور سي ابراهيم وهو في ريعان الشباب من نشاطه المعاشي، ليلج عالم التجارة من بابه الواسع، في وقت كانت منطقة آيت باعمران مستعمرة من طرف الإسبان، فاتخذ سيدي افني مستقرا له ولأسرته، وتوجه للاستيراد والتصدير في المواد الأساسية كالأثواب والزيوت والشاي…ما مكنه من اقتناء محل وسط مدينة سيدي إفني بشارع 6 أبريل، إلى جانب مستودع بـ"لاس بالماس" بجزر الكناري.

طور بنصالح عمله، بالتدريج، ليتحول إلى توزيع السلع المستوردة من مدريد و برشلونة والصين إلى العديد من المناطق بآيت بعمران، لخصاص، كلميم، إضافة إلى بعض مدن الصحراء المغربية كالعيون خصوصًا، وبعض المدن بموريتانيا، فنافس بذلك مجموعة من كبار تجار سيدي افني الإسبان منهم والمغاربة من قبيل أسرة بوعيدة و الفناوي وغيرهم .

وإلى جانب تكوينه الدينين ونبوغه التجاري، كان الرجل يخفي جانبا وطنيا، كانت هموم الوطن تسكنه، وقد تمكن من ربط علاقات جيدة مع التجار المغاربة والإسبان، وفي الخفاء ربط علاقات مع رجال المقاومة وجيش التحرير بالجنوب المغربي من بين هؤلاء الزعيم محمد بن سعيد ايت إيدر، العياشي، بلقاسم ميوحل... فكانوا يقصدونه لمساعدتهم في نقل الأسلحة الصغيرة الحجم بين البضائع المستوردة، كما يقوم بتوزيع المناشير وإيصال الرسائل… وقد فطن إل هذا الجانب الإسبان فحاولوا اعتقاله.

أصبح ابراهيم بنصالح في فوهة المدفع، ولم يكن أمامه سوى الاختفاء، وترك كل ممتلكاته بمدينة سيدي إفني في عهدة أحد أفراد أسرته، بلخير المعتصم العبدلاوي، وغادر المدينة رفقة أهله قاصدا أول الأمر منزل المقاوم الحاج بلقاسم المتواجد بالحدود الفاصلة بين آيت عبلا التابع للنفود الاسباني وبين لخصاص التابع للنفود الفرنسي، ثم عاد بعدها إلى مسقط رأسه بدوار اد سراح بقبيلة آيت عبلا، وقد ورد إلى علمه أن الإسبان قاموا بمصادرة أملاكه وأمواله وبضائعه.

اضطر السي ابراهيم إلى بدء مرحلة جديدة من حياته العملية، بعد أن فقد أمواله وأملاكه، توجه للإتجار في البيض والفحم وغيرها بمدينة تزنيت، لم يتقبل أن يمد يده لطلب المساعدة من الدولة، أو طلب بطاقة مقاوم، فضل العمل والكد، فضل أن يبدأ من الصفر لأنه كان على قناعة، بأن " الرجال هم من يصنعون لفلوس وليس العكس" فهو العصامي الذي لا يستكين ولا يقف عاجزا أو يصاب بالإحباط والانكسار يؤمن بأن إرادة الرجال مثل إرادة الشعوب لا تنكسر.

بعد نقطة تيزنيت سيستقر سي إبراهيم رفقة أسرته بمدينة انزكان، كان يتاجر في المواد الغذائية بمتجر بشارع محمد الخامس، ثم توجه للتجارة في الطماطم، يقوم بشرائها من الفلاحين قصد تصديرها إلى الخارج، بشراكة مع الحاج عبد الله الدهبي البعمراني.

بعد استقلال مدينة سيدي افني سنة 1969، توجه إليها الحاج ابراهيم رفقة شريكه الحاج عبد الله الذهبي، واتصل بأحد تجارها المعروفين الحاج الحسين تدرارين، وتم الاتفاق بينهم على شراء معمل السردين "أمادير" بالحي الصناعي بمدينة اكادير.

طور الحاج بنصالح تجارته، بشكل سريع ثم انتقل إلى مدينة الدار البيضاء كمحطة رابعة، تاركًا شركاءه الذهبي وتدرارين يسيرون معمل مشتركا، فيما تفرغ هو لتجارة الشاي والسردين بدرب عمر، وأصبح من أكبر تجار هذه المواد هناك.

تمكن السي ابراهيم وشركاؤه (تدرارين و بلحبيب) من اقتناء مزرعتين كبيرتين مغروستين بالليمون بمنطقة الكردان، ثم محطة تلفيف الليمون بالمنطقة الصناعية بأكادير "محطة كاندية GANDIA التي تحولت الآن إلى قاعة الحفلات ألف ليلة وليلة.

يحكي صهره - زوج ابنته الحاجة صفية- البشير أحشموض الذي عايش الحاج إبراهيم بنصالح ، أن هذا الأخير تمكن من الانخراط في "مجموعة القاصدي"، التي وضعت اللبنة الأولى للاقتصاد بسوس، وضمت " الحسين أشنكلي، الحاج ابراهيم بنصالح، الحاج عبد الله الذهبي، الحاج علي بونيت، والحاج الحسين تدرارين "، وأصبح أعضاؤها من قياديي المشاريع الاقتصادية بسوس، ولا يمكن تفتيت هذه البنية الاقتصادية الحديثة بالحديث عن واحد منهم بمعزل عن الآخر.

يضيف أحشموض، أن أعضاء المجموعة أصبحوا مؤسسين لنظام بنكي جديد، تمدد إلى حدود الرباط والدار البيضاء، فأصبحت مجموعة الستة مساهمة في مغربة البنك الهولندي و بنك BMAO . وقد تتبعنا خلال السلسلات السابقة كيف أن الأسر السوسية بدأت بمشاريع بسيطة تخص بيع البيض والصوف ودكاكين الغاز باعتماد على الاسر والمقربين من القبيلة غير أن مجموعة الستة ظهرت أكثر عصرنة وحداثة.

استثمرت "مجموعة 6" او مجموعة القاصدي ، كما يروي البشير احشموض ، في المجالات الاقتصادية الكبرى كالمطاحن الكبرى لأنزى شمال اكادير، معمل افيرو مروك، معمل امادير، معمل سوكوبروم للمنتوجات البحرية...، وقاموا بتأسيس أول شركة صيد في اعالي البحار سنة 1973 مع اليابانيين والدولة المغربية (الشركة العامة المغربية للصيد SOGEP ).

يؤكد البشير أحشموض، قيدوم أعضاء غرفة التجارة والصناعة، النائب الأول حاليا لرئيس غرفة التجارة والصناعة والخدمات لجهة سوس ماسة، وأحد أطر مجموعة القاصدي، أن زعيم مجموعة الستة قام مباشرة بعد زلزال مدينة اكادير سنة 1960بتسيير مجموعة من الأنشطة الاقتصادية كالمحروقات وغيرها، وأن الحاج القاصدي يعتبر أحد مؤسسي غرفة التجارة والصناعة لاكادير وطرفاية سنة 1963 واسندت له رئاسة الغرفة من 1963 إلى 1972.

في سنة 1974 التحق بمجموعة الستة مولاي العربي الشتوكي والحاج محمد بلحبيب البعمراني، واشتروا مجموعة مطاحن باروك.

توفي الحاج ابراهيم بنصالح سنة 1998 بعد عقود من العمل والكد وبناء الذات والمقاومة في صفوف جيش التحرير، مخلفا جيلا آخر من المثقفين وحاملي شواهد في العلوم الاقتصادية، سار بعضهم على درب والده في عالم المال والأعمال، كمبارك، وهو مفتش سابق بالجمارك، حاليا رجل أعمال بمدينة اكادير، ورجل الأعمال بهوارة وأكادير البشير بنصالح، فيما اختار محمد بنصالح، التعليم فهو خريج معهد محمد الخامس بتارودانت وأستاذ سابق التاريخ والجغرافية بإعدادية والي العهد باكادير ومدير سابق للمطاحن الكبرى بانزى، والحاج الحسن بنصالح، خريج الجامعة الامريكية ببيروت، مسيير سابق لعدد من الشركات وعضو سابق بتعاونية كوباك.

أما أحمد بنصالح،، حاصل على الإجازة في العلوم الاقتصادية بجامعة محمد الخامس بالرباط مدير سابق لمطاحن بروك بسلا، وصاحب مدرسة التعليم الحر "التحدي le défi" باكدير. والمرحوم عبد الله بنصالح حاصل على الماجستير باحدى الكليات بالدار البيضاء، مدير تجاري بمطاحن باروك سلا سابقا و مسيير مجموعة من الشركات بالرباط.

"والمرحوم الحسين بنصالح مؤسس شركة" تأمينات بنصالح" التي تديرها حاليًا إبنته الأستاذة رقية الحسين"

آخر الأخبار