يعتقد هراري أن البشر سيعيشون في إمبراطورية عالمية تكون الرؤية الإمبريالية للهيمنة على العالم بأكمله وشيكة. فبحلول القرن 21 تراجعت النزعة القومية، فتزايد المؤمنون بأن البشرية هي المصدر الشرعي للسلطة السياسية، وليس أعضاء قوميات معينة، وأن حماية مصالح النوع البشري يجب أن يكون الموجه السياسي، لذلك فوجود حوالي 200 دولة مستقلة يستحق سكانها نفس حقوق الإنسان، يقول يوفال نوح هراري، أليس من السهل أن تحميهم حكومة عالمية واحدة؟؟
يضيف هراري أن المشاكل العالمية الأساسية تضعف شرعية الدول القومية المستقلة (مسألة الاحتباس الحراري، ثقب الأوزون...) فقد تمنح البشرية ولاية السماء الحديثة وقد يكون لون الإمبراطورية العالمية أخضر.
يؤكد هراري على أن الدول تفقد استقلالها بسرعة، فلا دولة منها قادرة على تنفيذ سياسات اقتصادية مستقلة أو إعلان الحروب كما تشاء أو أدارة شؤونها الداخلية كما تراه مناسبا، فالدول أصبحت مفتوحة أمام مكائد الأسواق العالمية، وتدخل الشركات العالمية والمنظمات غير الحكومية لتلزم الدول بالامتثال للمعايير العالمية للسلوك المالي، والسياسية البيئية... فالتدفقات البالغة لنفوذ رؤوس الأموال والمعلومات العالم باستهانة بالحدود وآراء الدول.
لا تخضع الإمبراطورية العالمية لأي دولة محددة أو مجموعة عرقية ، تحكمها نخبة متعددة الأعراق تربطها مصالح مشتركة، ويستدعى المزيد من رجال الأعمال والمهندسين والخبراء...للانخراط إلى الإمبراطورية.
كان توحد البشرية حدثا يوميا عاديا، ويصف يوفال نوح هراري مشهد الحج بمكة حول الكعبة في سنة 1300 م، والتنوع البشري لحجاج من كل مكان.
يقول هراري أن الدين كان في الواقع الموحد العظيم الثالث للبشرية إلى جانب المال والإمبراطوريات. والدين يضفي شرعية فوق بشرية للأنظمة الاجتماعية والتراتبيات المتخيلة، وأن الأديان تؤكد على أن القوانين هي قضاء من سلطة عليا مطلقة، وهذا يضفي استقرارا اجتماعيا.
فالدين نظام من المعايير والقيم الإنسانية التي تقوم على الإيمان بنظام فوق بشري، بناء على معيارين أحدهما أن الأديان ترى أن هناك نظاما خارقا وليس نتاجا لنزوات البشر أو اتفاقاتهم. ويضع القواعد والقيم الملزمة ( الاعتقاد بالأشباح والتناسخ معتقدات وليس مصدرا للمعايير الأخلاقية والسلوكية فهي إذن ليست دينا...)
يضيف الكاتب أن الديانات لم تحقق كلها إمكانية التوحيد، رغم إضفائها الشرعية على الأنظمة الاجتماعية والسياسية، فيجب توفر صفات أخرى أولها تبني نظام فوق بشري صحيح ودائم وفي كل مكان، ثم أن يكون عالميا وتبشيريا، ويورد مثلا على الإسلام والبوذية، في حين اعتبر باقي الأديان محلية وحصرية ولم تهتم باعتناق البشرية جمعاء لها، واعتبر ظهور الديانتين من أهم الثورات في التاريخ وساهمت في توحيد الجنس البشري.
وتميل الأديان إلى أن تكون محلية جدا في نظرتها وتؤكد الميزات الفريدة لمواقع ومناخات وظواهر محددة، وقد رافقت الثورة الزراعية ثورة دينية، وتواصلت الكائنات مع بعضها البعض مباشرة وتفاوضت على القواعد التي تحكم مكان عيشها المشترك، فيما لم يفاوض المزارعون نباتات وحيوانات هي ممتلكاتهم فكان إذن التأثير الديني الأول للثورة الزراعية تحويلها من أعضاء متساوين على طاولة روحية مستديرة إلى ممتلكات وهو ما خلق مشكلة وعرف المزارعون أن سيطرتهم محدودة، فلم يكن بإمكانهم أن يمنعوا تفشي الأمراض ولم يضمنوا أن تحمل النعاج وتلد حملان خالية من الأمراض.
يشير هراري إلى نظرية رائدة عن أصل الآلهة والتي اكتسبت أهمية لأنها قدمت الحل للمشكل، فكانت وإلهة الخصوبة وإله السماء وإله الطب...دورها التوسط بين البشر والنباتات والحيوانات البكماء مقابل الإخلاص الدائم لها (سفر التكوين) وتألفت الطقوس الدينية من قربان ...
عاش الناس داخل مناطق محدودة ولبيت احتياجاتهم بواسطة أرواح محلية، لكن مع توسع الممالك وشبكات التجارة احتاج الناس الاتصال بكيانات لها قوة وسلطة تشمل إقليما تجاريا بأكمله.
واحتاج لظهور ديانات متعددة الآلهة، لكن رغم ذلك لم تختف الأرواحية فظلت الجنيات والصخور والأشجار المقدسة جزءا لا يتجزأ من تلك الديانات، لكنها كانت أقل أهمية من الآلهة العظيمة، لكنها كانت جيدة لتلبية الاحتياجات الدنيوية للناس العاديين.
لقد اعتقد الأرواحيون أن البشر كانوا مجرد مخلوق واحد ضمن العديد من المخلوقات التي تقطن العالم، ورأى متعددوا الآلهة أن العالم بمثابة انعكاس للعلاقة بين الآلهة والبشر.
فوائد الوثنية
يرى معظم الغربيين أن تعدد الآلهة يعد نوعا من الجهل والوثنية الطفولية، ما اعتبرها الكاتب صورة نمطية ظالمة، يجب معها فهم الفكرة المركزية التي تدعم الإيمان بآلهة متعددة.
لا ينكر تعدد الآلهة وجود قوة واحدة أو قانون واحد يحكم الكون كله ، وكل الديانات المتعددة الآلهة أو الأرواحية تعترف بهذه القوة العظمى التي تقف وراء الآلهة والصخور والشياطين...كالديانة اليونانية الكلاسيكية الخاضعة، الآلهة الاسكندنافية...
والفكرة الأساس لتعدد الآلهة أن السلطة العليا التي تحكم العالم خالية من المصالح وغير متحيزة، وكان السبب للتقرب من القوة العليا التخلي عن الرغبات وتقبل الأمور خريها وشرها، (بعض الهندوس "سادو" يكرسون حياتهم للتوحد بالرب آتمان ويحققون التنور، فيما البعض الآخر غارقون في الخوف الدنيوي ويتقربون من الآلهة وقواها الجزئية مثل جانيشا ولاكشمي...التي لديها تحيزات ويمكن عقد صفقات معها للحصول على مساعدتها في الفوز بالحروب أو التعافي...).
يعتبر هراري أن فكرة تعددية الآلهة تلائم التسامح الديني البعيد المدى، فهي أديان منفتحة بطبيعتها. فرغم سيطرة متعددي الآلهة على إمبراطوريات لم يحاولوا تغيير ديانة رعاياهم، فقط كان عليهم احترام آلهة الإمبراطورية وطقوسها، ومنها من تبنت وضمت آلهة وطقوس الشعوب الخاضعة لها.
لم تطلب الإمبراطورية الرومانية من المسيحيين التخلي عن ديانتهم، لكنها كانت تنتظر منهم احترام الآلهة حامية الإمبراطور واعتبار ذلك ولاء سياسيا، وعند رفض المسيحيين اعتبروا فئة مضطهدة وفئة سياسية مخربة، وذلك قبل دخول الإمبراطور قسطنطين المسيحية، ولم يقتلوا أكثر من بضعة آلاف من المسيحيين وعكس ذلك وعلى مدار 1500 سنة التالية لدخول قسطنطين المسيحية ذبح المسيحيون المسيحين بالملايين للدفاع عن تأويلات لدين الحب والشفقة (الكاثوليك الذين أكدوا على أهمية الأعمال الصالحة، والبروتستانت الذين عظموا حب الرب للبشرية في القرنين 16و17 ووقوع مذبحة القديس بارثولوميو).