"فياغرا الترفاس" تدفع السماسرة لاقتحام وإتلاف مراعي أخنوش بسيارات " كاط كاط"

الكاتب : الجريدة24

28 فبراير 2021 - 11:00
الخط :

أمينة المستاري

 

الترفاس...ثمرة شبه صحراوية ونوع من الفطر الذي شغل الناس من شرق المملكة إلى جنوبها، ولمعرفة ما يجري كان لابد من زيارة ميدانية لمراعي أخنوش بمنطقة المعدر الكبير بتيزنيت، حيث تتواجد بكثرة.

كانت الساعة تشير إلى حوالي الثالثة بعد الزوال، عندما انطلقت السيارة من تيزنيت باتجاه المزارع الرملية، حيث ظهر الترفاس، قطعنا حوالي 25 كلم من تيزنيت باتجاه أكادير، قبل أن تأخذ السيارة ناحية اليسار عبر طريق ملتوي غير معبد، وسط هكتارات من مراعي المعدر التي خصص غطاؤها النباتي كعلف لمواشي الرحل، وجلعت منه وزارة الفلاحة مشروعا نموذجيا للقضاء على ظاهرة الرعي الجائر.

عيون تبحث عن "الكنز"

من وراء سياج محمية أخنوش، يظهر مجموعة من الأشخاص يسيرون بين الأعشاب رؤوسهم محنية نحو الأرض، كمن يبحث عن شيء نفيس ضاع منه، يبحثون عن فطر الترفاس، وقد لفحت الشمس وجوههم، لكنهم لا يأبهون، ولا يلوون على شيء. كانوا يتحركون ببطء بين الشجيرات الصغيرة والأعشاب المغروسة في المراعي، يبحثون عن نوع من هذا المنتوج الشبيه بالبطاطس، يحاولون قدر الإمكان الابتعاد عن السياج الممتد عبر الطريق مقسما المحمية إلى جزئين، لكي يسهل عليهم الفرار في حالة وقوع مداهمة للمكان من طرف عناصر الدرك الملكي "خلعتوني اعتقدت أن الجدارمية جاو لينا، إيلا شدوني سيصادرون ما حصلت عليه منذ الصباح"...هكذا تحدث أحد الباحثين عن الترفاس وهو يحاول استرجاع أنفاسه، اعتقد في البداية أن السيارة التي اقتربت منه لتستفسره تابعة للدرك الملكي. الرجل كما يحكي قدم من بنجرير يقيم بالمعدر، خلال الأيام الأولى لبدء عملية البحث كان يحصل على قرابة 15 كلغ في اليوم يحصل يربح منها حوالي 1300 درهم في اليوم، يبعيه لسماسرة يجوبون المكان لاقتنائه بثمن يتراوح بين 90 و 100 درهم للكيلوغرام، لكن يضيف المتحدث:" مابقاش بزاف الترفاس ولينا كنجنيو في الغالب أربع كيلوغرامات في اليوم".

"رفس" أعلاف أخنوش بحثا عن الترفاس

رحلة البحث عن الترفاس من طرف من حلوا بالمكان، وسيارات السماسرة الرباعية الدفع التي تدوس المراعي لشراء ما تحصل عليه البسطاء أصبحت واقعا تعاني منه مديرية الفلاحة يوميا، ولم تنفع كل محاولات المسؤولين لردع الباحثين عن الترفاس عن تخريب مشروع المراعي النموذجي بتيزنت الذي ترعاه الوزارة الوصية منذ ثلاث سنوات، فعناصر الدرك الملكي تقوم بشكل يومي بحملة اعتقالات شملت الباحثين عنه وسط المراعي، والوسطاء الذين دهسوا النباتات بعجلات سياراتهم الأعشاب المزروعة، ورغم استنزاف الترفاس، ما زال يتوافد على المنطقة العشرات كل يوم، تزداد الرغبة في الحصول على كيلوغرامات منه لجني مبلغ مالي يصل خلال الأيام الأولى 3 آلاف إلى أربعة آلاف درهم في اليوم، بحثا عما يمكن تسميته "الذهب الصحراوي"، لشكله البيضاوي اللين الشبيه بالبطاطس والدي ينبث في مناطق شبه صحراوية.

تنقل محمد ذو العقد الخامس، بين الأعشاب يحمل بيده كيسا بلاستيكي وباليد الأخرى "قادوم"أو"عتلة"، لا يكاد يرفع عيناه عن الأرض بحثا عن نوع من النباتات "أورود"، و شقوق في الأرض يختبئ تحتها "الترفاس" أو "الفياغرا الصحراوية" الطبيعية التي أسالت لعاب العشرات من الباحثين عنها، القادمين من مدن كبوجدور، القنيطرة...وحطوا الرحال بتيزنيت منهم من يتسلق السياج ومنهم من يدخله من منافذ يحدثها به.

"أنا ملي جيت في الصباح، كاين بلايص فيها الترفاس، ولكن خص يكون عندك خبرة في البحث، وملي كنسالي كنخرج للطريق نبيع الكمية اللي جمعت بثمن ما بين 90 و 100 درهم للكيلو درهم، وكاين الناس اللي كيدوزو من هنا كيشريو مني" ويعني السماسرة المتنقلين على متن سيارات.

على امتداد البصر، ظهرت مجموعات مكونة من أربع إلى خمسة أشخاص موزعة في مناطق متعددة داخل المراعي، يحفرون من حين لآخر في الأرض، رغم أن كمية من الترفاس صغيرة الحجم كما رأيناها بسبب عدم سقوط أمطار كافية، حسب ما أكده أحد السكان المرافقين لنا: "الثمرة تأخذ حجمها العادي في شهر مارس وبعد تساقط الأمطار، لكن "اللهطة" دفعت الباحثين للتسابق نحو جنيها جنيها".

تكاد الأعشاب والشجيرات تخفي حجم الباحثين، بسبب طولها أحيانا وبعدها عن البصر، مما استغله الباحثون عن الترفاس من مختلف الأعمار، لقضاء الساعات الطوال في جني الترفاس، بعد اقتحامهم المراعي من بابه، أو من فوق السياج بل منهم من تسلل من تحته بعد قطع جزء منه وإحداث فتحة، فالحافز بالنسبة لهم كبير، وحصولهم على كيلوغرام أو أكثر كاف للحصول على دخل يومي يصل في أسوء الأحوال إلى 300 درهم.

انحنى أحد "صيادي الترفاس" على الأرض يحمل كيسا بلاستيكيا بيده، كان في حوالي عقده السادس، يضع غطاء على رأسه يقيه الشمس الحارة، أخذ فأسا صغيرا ينبش به التراب ليشرح طريقة العارفين بأماكن "الترفاس" المطمور أسفل القشرة الرميلة: "خصك تقلب على هاد النبتة اسمها "أورود"، وغالبا تكون بجوارها تشققات في القشرة الأرضية وتدل على وجود الترفاس، ومن تما تبقى تحفر بشوية باش ما تهرسوش، تجبدو غير بطرف العتلة"... يبدو أن الشخص بعد حلوله بالمكان أصبح على دراية بكيفية استخراج الترفاس في مساحة كبيرة تعد بالهكتارات.

سماسرة ووسطاء الترفاس

لم تردع الإجراءات المتخذة والاعتقالات الشبه يومية الباحثين عن الترفاس ولا السماسرة، فقد تصادف وجودنا بالمكان وصول إحدى سيارات الدفع الرباعي التي نزل منها شخص بسرعة، وفتح أحد أبواب المحمية الممتدة فوق كيلومترات، لتدخل السيارات بسرعة كبيرة مثل متسابق في الرالي حتى اختفت عن الأنظار، متسببة في دهس النباتات والأعشاب التي صرفت مئات ملايين الدراهم من أجل زرعها...غابت الكاط كاط لمدة، قبل أن تعود بنفس السرعة وتتوقف خارج السياج، ليتبين أن من عليها لا يمتون لمديرية الفلاحة بصلة ولاهم بعناصر درك، بل سماسرة يقومون باقتناء المحصول من الباحثين عنه، واعتراض بعضهم قبل خروجهم من المراعي لشراء حصيلة يومهم بعيدا ن المضاربين و"العشاقة" المستعدين للدفع أكثر.

مع غروب الشمس، بدأ بعض الباحثين عن الترفاس يخرجون تباعا، ليمتطوا دراجاتهم النارية أو الهوائية وعليها صناديق  للخضر يضعون بها الثمرة حتى لا تتكسر وتفقد قيمتها، فهي لن تباع في تلك الحالة لا للأشخاص ولا للأجانب: " كيشريوها الأجانب وكاين اللي كيبيعها للمطاعم هنا بالمغرب وفي الخارج، فمثلا في فرنسا يصل ثمنها 10 آلاف درهم للكيلوغرام الواحد لفائدتها الصحية، أما المغاربة فالأغلبية لا يعرفون فوائده الصحية سواء بالنسبة لأمراض العين أو المشاكل الجنسية...". يؤكد مرافقنا مضيفا: "ومن أجل ذلك قدم مقتنوه من كل المدن المغربية لشرائه سواء بالتقسيط100 درهم( وبيعه ب500 درهم للأسواق والمطاعم الكبرى ولمن يصدرونه لخارج المغرب.

آخر الأخبار