الصحراء المغربية تفرض نفسها في لندن.. هل آن أوان الاعتراف البريطاني؟

تواصل المملكة المغربية، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، تحقيق نجاحات دبلوماسية لافتة، تعكس دعمًا دوليًا متزايدًا لمخطط الحكم الذاتي باعتباره الحل الواقعي والنهائي لقضية الصحراء المغربية.
ومع تزايد الاعترافات الدولية بهذا الطرح، تتجه الأنظار نحو بريطانيا، التي أصبحت مؤخرًا محور نقاشات مكثفة حول موقفها من القضية، في ظل التحولات المتسارعة في السياسة الدولية.
وشهد البرلمان البريطاني خلال الأسبوعين الماضيين نقاشات متواصلة حول مستقبل العلاقات بين المملكة المتحدة والمغرب، مع تركيز خاص على ملف الصحراء المغربية.
في جلستين منفصلتين، طُرحت أسئلة برلمانية تشير إلى تزايد اهتمام السياسيين البريطانيين بموقف بلادهم من هذه القضية.
النقاش الأول، وفقا لما تناقلته الصحافة البريطانية، تناول الاستثمارات البريطانية في الأقاليم الجنوبية للمغرب، حيث برزت تساؤلات حول مدى تأثير الوضع القانوني لهذه المنطقة على نشاط الشركات البريطانية هناك، بينما ركز النقاش الثاني على ما إذا كانت بريطانيا ستحذو حذو الولايات المتحدة وفرنسا في دعم مخطط الحكم الذاتي المغربي بشكل رسمي.
الحكومة البريطانية، وعلى لسان وزير الشؤون الخارجية والكومنولث والتنمية، ديفيد لامي، كشفت لأول مرة عن أنها تجري مشاورات مع الرباط بشأن موقفها من الصحراء المغربية.
هذه التصريحات جاءت ردًا على استفسار النائب المحافظ أندرو ميتشل، الذي تساءل عن إمكانية تغيير بريطانيا لنهجها التقليدي، والانضمام إلى الدول الكبرى التي باتت تؤيد سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.
وأكد لامي أن موقف بريطانيا من القضية "لا يزال قيد المراجعة"، مشيرًا إلى أن بلاده تتابع عن كثب التحولات الجيوسياسية في المنطقة، وتعمل على تقييم أبعاد النزاع من زوايا مختلفة.
هذه التطورات لم تأتِ بمعزل عن المتغيرات الدولية المتسارعة، حيث اكتسب الملف زخمًا إضافيًا بعد الاعتراف الرسمي لفرنسا بسيادة المغرب على الصحراء، ودعمها الكامل لمقترح الحكم الذاتي كحل وحيد للنزاع.
ومع وجود دعم مماثل من قبل الولايات المتحدة وألمانيا وإسبانيا ودول أخرى، تزداد الضغوط على بريطانيا لاتخاذ موقف واضح ينسجم مع توجهات حلفائها التقليديين.
الموقف البريطاني، الذي ظل تقليديًا محايدًا في العلن، بدأ يتغير تدريجيًا مع تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الرباط ولندن.
فمنذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كثّفت المملكة المتحدة علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع المغرب، حيث أصبحت الاستثمارات البريطانية في الأقاليم الجنوبية تنمو بوتيرة متسارعة، ما يجعل أي اعتراف مستقبلي بمغربية الصحراء خطوة منطقية تضمن استقرار هذه المصالح.
التحولات البريطانية لم تقتصر على المجال الاقتصادي فقط، بل برزت أيضًا في المواقف السياسية، حيث لوحظ أن حكومة كير ستارمر اليسارية تتبنى نهجًا أكثر انفتاحًا تجاه المغرب مقارنة بالحكومات السابقة.
وعلى الرغم من عدم صدور إعلان رسمي حتى الآن، فإن الإشارات القادمة من البرلمان والحكومة توحي بأن لندن باتت تمهد لموقف أكثر وضوحًا في المستقبل القريب.
في هذا السياق، تطرح العديد من التساؤلات حول ما إذا كانت بريطانيا على وشك الانضمام إلى الدول الكبرى التي تدعم المغرب في قضيته الوطنية، وما إذا كان اعترافها بمغربية الصحراء سيشكل تحولًا استراتيجيًا في موازين القوى داخل مجلس الأمن الدولي.
فمع وجود ثلاث من الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن مؤيدة لمقترح الحكم الذاتي المغربي، يمكن أن يؤدي أي موقف مماثل من بريطانيا إلى تغيير جذري في طريقة تعاطي الأمم المتحدة مع هذا الملف.
ويظل موقف بريطانيا في طور التشكل، لكن المؤشرات المتاحة تشير إلى أن الاعتراف بمخطط الحكم الذاتي كحل وحيد وواقعي قد يكون مسألة وقت لا أكثر.
وفي المقابل، يعتبر عدد من المهتمين بالشأن السياسي مرارا، إن قضية الصحراء المغربية لا تحتاج إلا لبضع نقاط بسيطة لكي يتم حسمها بشكل نهائي.
مؤكدين أن عدد من الدول العظمى أيدت المخطط المغربي للحكم الذاتي، بالإضافة إلى توج المملكة تحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نحو اللعب بالأوراق الثقيلة، بعد فتح الباب لدول الساحل وجنوب الصحراء بإفريقيا، وإطلاق مبادرة المحيط الأطلسي.