بين وعود الحكومة وتجميد المعاشات.. ملف التقاعد يضع الحوار الاجتماعي على المحك

الكاتب : انس شريد

19 أبريل 2025 - 10:30
الخط :

لم تجد فئة المتقاعدين في المغرب من وسيلة لإسماع صوتها سوى العودة مجددًا إلى الشارع، للتنديد بما وصفته بـ"الإقصاء والتجاهل الحكومي"، في ظل تجميد طال معاشاتهم لأزيد من عقدين، مقابل ارتفاع مهول في كلفة المعيشة وتفاقم متطلبات الشيخوخة، ما ألقى بظلال ثقيلة على حياتهم اليومية، وحوّل سنوات التقاعد إلى معركة للبقاء بدل أن تكون فترة راحة واستقرار.

في هذا السياق، دعت الشبكة المغربية لهيئات المتقاعدين إلى وقفة احتجاجية ممركزة أمام البرلمان يوم الجمعة 26 أبريل الجاري، رافعة شعار "الكرامة لا تُؤجل"، ومطالبة الحكومة بإقرار زيادة ملموسة في المعاشات، تكون متناسبة مع غلاء الأسعار وتدهور القدرة الشرائية.

ووصفت الشبكة في بلاغها، الوضع الاجتماعي للمتقاعدين بـ"المأساوي"، محمّلة الحكومة مسؤولية التدهور الحاصل نتيجة تعنتها ورفضها فتح حوار جاد ومسؤول حول الملف المطلبي المشترك.

ويعكس الشبكة في بلاغها استياءً عارمًا من السياسات الحكومية الحالية، التي اعتُبرت "لاجتماعية" بحسب تعبيرها، حيث تفتقد للعدالة والإنصاف تجاه من أفنوا أعمارهم في خدمة الإدارة والمؤسسات العمومية، ليجدوا أنفسهم في نهاية المشوار تحت خط الفقر، يواجهون تحديات المرض والعجز، دون دعم حقيقي أو التزام فعلي من الدولة.

واعتبرت الشبكة أن تجاهل الحكومة لمراسلاتها الموجهة إلى رئيس الحكومة، ومؤسسة الوسيط، ومجلس المستشارين، وكذا المركزيات النقابية، دليل على غياب الإرادة السياسية لمعالجة الملف بجدية ومسؤولية، وهو ما دفعها إلى دعوة كافة المتقاعدين، والأرامل، وذوي الحقوق، إلى رص الصفوف وتعزيز التضامن لمواجهة ما أسمته بـ"تهميش ممنهج" يطال هذه الفئة، سواء في النقاش العمومي أو في مفاوضات الحوار الاجتماعي.

بالتوازي مع التصعيد الميداني، تصاعدت أيضًا التحركات السياسية، حيث دخل فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب على خط أزمة التقاعد، وراسل رئيسة لجنة المالية والتنمية الاقتصادية، للمطالبة بعقد اجتماع طارئ بحضور وزيرة الاقتصاد والمالية والوزير المنتدب المكلف بالميزانية. الفريق أشار في مراسلته إلى ما سماه "غياب رؤية واضحة" لدى الحكومة بخصوص إصلاح أنظمة التقاعد، محذرًا من تداعيات التأخر في هذا الورش، سواء على الاستقرار الاجتماعي أو على مصداقية مؤسسات الحماية الاجتماعية.

وفي الوقت الذي يرتقب فيه انعقاد جولة جديدة من الحوار الاجتماعي، تسود حالة من الترقب أوساط النقابات والمتقاعدين على حد سواء، خاصة أن جولة أبريل تحظى بأهمية استثنائية، بالنظر إلى السياق الاقتصادي الصعب وتزايد المطالب الاجتماعية.

وتعتبر النقابات هذه الجولة اختبارًا حقيقيًا لنوايا الحكومة، وليس مجرد محطة تفاوضية روتينية، مشددة على أن قضية التقاعد ينبغي أن تحظى بالأولوية المطلقة، باعتبارها تمس فئات هشّة تحتاج إلى إنصاف فوري لا إلى وعود مؤجلة.

ووسط هذه الأجواء، تتحدث مصادر نقابية عن نية الحكومة طرح مقترحات وُصفت بـ"غير الشعبية"، من قبيل رفع سن التقاعد إلى 65 سنة، وتوسيع قاعدة الاقتطاعات، وتقليص قيمة المعاشات، وهو ما اعتبرته النقابات نسخة مكررة من إصلاحات حكومية سابقة، لم تلامس جوهر الاختلالات، بل زادت من معاناة المنخرطين وأثقلت كاهلهم بقرارات تقنية تُغفل البعد الإنساني والاجتماعي.

الخشية الكبرى، بحسب النقابات، تكمن في استمرار تغليب المقاربة المحاسباتية على حساب العدالة الاجتماعية، ورضوخ الحكومة لضغوط غير معلنة من أطراف اقتصادية نافذة تستفيد من استمرار الوضع الراهن، حتى وإن كان على حساب مستقبل مئات الآلاف من المتقاعدين الذين ينتظرون إصلاحًا حقيقيًا يعيد التوازن لأنظمة التقاعد ويحصّن كرامتهم.

من جهتها، تسعى الحكومة إلى طمأنة الرأي العام من خلال التأكيد على التزامها بالحوار والتوافق في معالجة ملف التقاعد.

وسبق لوزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح العلوي أن صرحت بأن أي إصلاح سيتم بالشراكة مع الفرقاء الاجتماعيين، وبما يضمن استدامة الصناديق دون المساس بحقوق المنخرطين والمتقاعدين، غير أن هذه الرسائل لم تعد كافية لطمأنة الشارع، الذي يتوق إلى قرارات فعلية تنهي معاناة طال أمدها.

وبين شدّ النقابات وجذب الحكومة، يجد المتقاعد المغربي نفسه في قلب معركة مفتوحة، يخوضها دفاعًا عن الحد الأدنى من الكرامة والعيش الكريم، في مرحلة من العمر لم يعد فيها مجال للمساومة أو الانتظار.

آخر الأخبار