بعد سنوات من التهميش.. كاريان سنطرال على موعد مع التغيير

بعد عقود من التهميش والإهمال، تستعد الدار البيضاء لفتح صفحة جديدة في سجل التنمية الحضرية، عبر مشروع طموح يهم تحويل منطقة "كاريان سنطرال" التاريخية إلى واحد من أكبر المنتزهات في العاصمة الاقتصادية.
هذا الفضاء، الذي طالما ارتبط في الذاكرة الجماعية بالتهميش والسكن الصفيحي، بات اليوم على موعد مع إعادة الاعتبار، من خلال مشروع يمتد على مساحة تقدر بـ33 هكتاراً، وسيحمل في طياته فضاءات خضراء، ومرافق ترفيهية وثقافية، تجعل منه متنفساً حقيقياً لسكان عدد من المقاطعات المجاورة.
المشروع الذي يُرتقب أن تنطلق أشغاله في القريب العاجل، يأتي في سياق رؤية جديدة تروم إعادة تهيئة المجال الحضري، وإعادة توزيع الفضاءات العامة بما يخدم حاجيات السكان في الترفيه والاستجمام.
ووفقاً لمصادر الجريدة 24، فقد أشرفت شركة الدار البيضاء للبيئة على إنجاز الدراسات والتصاميم الهندسية للمشروع منذ السنة الماضية، وهي الدراسات التي تُوّجت بإعداد تصميم نهائي تمت المصادقة عليه، مؤخرا، على أن تتولى شركة "الدار البيضاء للتهيئة" تنفيذ المشروع، بميزانية تقدر بـ150 مليون درهم.
المشروع ليس فقط استجابة لحاجة بيئية وترفيهية، بل هو أيضاً خطوة ذات رمزية اجتماعية قوية، تعيد الاعتبار لموقع ظل لعقود طويلة شاهداً على الهشاشة، ومعاناة سكان الصفيح، الذين تم نقلهم إلى ضواحي العاصمة الاقتصادية.
ولعب والي جهة الدار البيضاء-سطات، محمد امهيدية، دوراً حاسماً في توجيه دفّة المشروع، حيث أوعز إلى المصالح المعنية بضرورة تحويل هذا الوعاء العقاري إلى منتزه كبير، وأغلق بذلك الباب أمام أطماع بعض المنعشين العقاريين الذين كانوا يرون في الموقع فرصة استثمارية أكثر مما هو فضاء عمومي ينبغي الحفاظ عليه.
السكان المحليون استقبلوا هذا التوجه الجديد بارتياح كبير، خاصة أن المشروع من المنتظر أن لا يخدم فقط مقاطعة عين السبع، التي يوجد بها الكاريان، بل أيضاً مقاطعات الحي المحمدي وسيدي مومن والبرنوصي، التي تعاني بدورها من قلة الفضاءات الخضراء.
هذه الخطوة جاءت لتلبي مطالب طال انتظارها، وتكرس نوعاً من العدالة المجالية في توزيع البنيات التحتية والمرافق العمومية بين مختلف أحياء المدينة.
"كاريان سنطرال"، الذي كان إلى عهد قريب رمزاً للتهميش، سيصبح بذلك رمزاً للتحول، ونموذجاً لإرادة جماعية في إعادة الحياة إلى فضاءات طالها الإهمال.
فالمكان الذي كان يوماً معقلاً للمقاومة ضد الاستعمار، ولمواطنين كافحوا من أجل البقاء وسط ظروف قاسية، سيُعاد تأهيله اليوم بما يحفظ ذاكرته، ويمنحه حياة جديدة تليق بموقعه وتاريخه.
في خضم هذا التحول، تُطرح آمال عريضة بأن يشكل هذا المنتزه رافعة حضرية وسياحية، تسهم في تحسين جودة الحياة البيئية والاجتماعية للمواطنين، وترسخ نموذجاً في إعادة تأهيل المجالات المهمشة دون التفريط في هويتها وذاكرتها التاريخية.