الدار البيضاء ترسم ملامح جديدة للتنمية بنزع ملكيات تشمل أربع مقاطعات

في خطوة مفصلية تنذر بإعادة تشكيل واسعة لنسيج المدينة، تستعد جماعة الدار البيضاء لإطلاق واحدة من أكبر موجات نزع الملكيات العقارية في تاريخها الحديث، مستهدفةً عدداً من المقاطعات الحيوية من بينها مولاي رشيد، سباتة، سيدي عثمان، وعين الشق.

هذه الخطوة التي تشكل محط نقاش محتدم ستُعرض للدراسة والتصويت خلال دورة ماي لمجلس الجماعة، المرتقب انعقادها يوم غد الأربعاء، وسط ترقب كبير من المواطنين والفاعلين المحليين على حد سواء.

وتندرج هذه التحركات ضمن استراتيجية شاملة تهدف إلى تحديث المدينة وتوسيع بنيتها التحتية، من خلال إحداث مشاريع تنموية تشمل ملاعب القرب، مساحات خضراء، ساحات عامة، مرائب تحت أرضية، ومرافق رياضية وتجارية، ما يقتضي نزع ملكية عدد معتبر من الأراضي والعقارات الخاصة.

ووفق جدول الأعمال الرسمي، سيتم التصويت على نزع ملكية أجزاء من رسوم عقارية متعددة بمقاطعة مولاي رشيد، من بينها الرسوم العقارية أرقام 2374/49، 2375/49، 2376/49، 2377/49، 2378/49، 19103/س، و2379/49 إلى غاية 2383/49، إضافة إلى 546/49، 579/49، و544/49، إلى جانب مطالب تحفيظ عدد 6095/د و27687/س.

وتبلغ المساحات المستهدفة في هذه المنطقة آلاف الأمتار المربعة، ستُخصص لإنجاز ملاعب ومساحات خضراء، في مسعى لتحسين جودة الحياة وتقوية العرض الترفيهي والرياضي بالمنطقة.

ولا تتوقف العملية عند مولاي رشيد، بل تمتد لتشمل سيدي عثمان، حيث يتضمن المخطط نزع ملكية جزء من مطلب التحفيظ رقم 25545/س بمساحة 9217 متراً مربعاً، وآخر من مطلب 27687/س بمساحة 15968 متراً مربعاً، لهدف مماثل يتمثل في إنشاء مرافق خضراء ورياضية.

كما ستُطرح للمصادقة نزع ملكية أجزاء من قطعتي الأرض ذات الرسمين العقاريين 40316/س (مساحة 18157 م²) و14774/س (مساحة 3189 م²)، وذلك لإحداث فضاء أخضر يحمل الرمز V02 في مقاطعة مولاي رشيد. وترافق هذه الإجراءات مراجعة وتحديد القيم العقارية من طرف اللجنة الإدارية للتقييم، تمهيداً لتحديد التعويضات المستحقة للمالكين.

وتشهد مقاطعة عين الشق بدورها إعادة ترتيب عميقة، حيث ستُلغى مقررات سابقة، منها القرار رقم 178/2024 المتعلق بطريقي AC15 وAC108، كما سيتم إلغاء مقرر الاقتناء بالتراضي رقم 427/2024، الذي كان يشمل ثلاثة أجزاء من الرسم العقاري 61953/47 بمساحة 2228 متراً مربعاً.

ويُعاد تقديم نفس العقار تحت اسم "أرض الوادي 2"، بمساحة 2557 م²، لأجل اقتنائه بالتراضي لصالح تهيئة طرق محلية، مع التصويت على التعويضات التجارية المترتبة عن الأضرار السطحية الناتجة عن محرمات هذه الطرق.

وفي خطوة نوعية أخرى، ستتم دراسة اقتناء جزء من القطعة الأرضية ذات الرسم العقاري 52004/س (مساحة 7526 م²) التي تعود ملكيتها للدولة، بهدف تأهيل "سوق الخيام" بعين الشق، ما يُعد استجابة لحاجة ماسة لتحديث البنية التحتية للأسواق الشعبية.

من جانبها، مقاطعة سباتة ستعرف بدورها عملية نزع ملكية جزئية لقطعة الأرض ذات الرسم العقاري 31444/C بمساحة 1879 متراً مربعاً، لتهيئة طريق SB35، المصنفة ضمن تصميم التهيئة، مع حسم في القيمة العقارية من طرف اللجنة التقييمية.

ولعل إحدى أبرز النقاط المثيرة للجدل تتعلق بإلغاء مقرر سابق يعود لسنة 2021، كان يقضي بمبادلة عقارية بين جماعة الدار البيضاء وشركة "بوعبديل"، لتُطرح الآن دراسة مبادلة جديدة بين الجماعة والمديرية الجهوية لأملاك الدولة.

وتتضمن المبادلة تبادل قطع أرضية جماعية مساحتها الإجمالية تفوق 17 ألف متر مربع، بأخرى تابعة لأملاك الدولة تصل مساحتها مجتمعة إلى ما يقارب 64 ألف متر مربع. وتشمل هذه الأراضي مشاريع متنوعة من بينها مركز تجاري للحرفيين، سوق للصناعة التقليدية، منتزه القدس، وسوق القدس في تراب سيدي البرنوصي.

وفي ذات المقاطعة، سيتم التصويت على نزع ملكية قطعة أرضية كبيرة تبلغ مساحتها 6129 متراً مربعاً، موضوع الرسم العقاري 18109/س، من أجل إدماجها بالفضاء السوسيو-رياضي "المصلى"، في إطار تعزيز البنيات الرياضية والاجتماعية.

هذا الزخم في قرارات نزع الملكية والاقتناءات العقارية يعكس طموحاً واضحاً لدى جماعة الدار البيضاء لتسريع وتيرة التحديث وتحقيق التوازن المجالي بين مختلف مناطق المدينة.

غير أن هذا التوجه لا يخلو من تحديات، أبرزها ضمان العدالة في التعويض، وشفافية الإجراءات، وتفادي المساس بحقوق المواطنين في التملك، خصوصاً في ظل ضعف الثقة في الأداء الإداري وغياب معايير موحدة لتقييم الأضرار وقيم العقار السوقية.

وبينما يُنتظر أن تمر العديد من هذه القرارات دون معارضة الأغلبية داخل المجلس نظراً لطابعها التنموي، فإن الأصوات المنتقدة من أعضاء المعارضة بدأت تعلو، مطالبة بضمانات قانونية أقوى وتعويضات منصفة تحترم حقوق الملاك، خاصة في الأحياء الهشة حيث يُخشى أن تتحول مشاريع التحديث إلى موجة تهجير غير معلنة.