تعثر مشاريع بملايين الدراهم في الدار البيضاء ينعش دعوات تشكيل لجنة لتقصي الحقائق

أعاد تعثر عدد من المشاريع التنموية الكبرى بالعاصمة الاقتصادية للمملكة المطالب بضرورة تشكيل لجنة تقصي الحقائق، للوقوف على مدى مطابقة الأشغال المنجزة للمعايير المعتمدة، وتحديد الجهات المسؤولة عن الخروقات والاختلالات التي شابت تنفيذ مشاريع حيوية، في مقدمتها كورنيش عين السبع وحديقة الحيوانات بعين السبع ومسرح الدار البيضاء الكبير.
وارتفعت الأصوات المنتقدة من قبل فاعلين مدنيين وناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، مطالبة بتفعيل مقتضيات القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات، لتشكيل لجنة تقص محلية، محايدة التكوين، ممثلة لجميع الفرق السياسية بمجلس المدينة، تُمنح لها صلاحيات الاطلاع على الوثائق المرجعية، وإجراء معاينات ميدانية، ورفع تقرير رسمي يعرض للنقاش خلال دورة خاصة، في أفق تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
جاء ذلك بعد الزيارة الرسمية التي قام بها والي جهة الدار البيضاء – سطات، محمد امهيدية، رفقة عامل عمالة عين السبع – الحي المحمدي محمد الطاوس، لموقع كورنيش عين السبع، المشروع الذي يترقبه سكان المدينة منذ سنوات، بهدف تحسين جاذبية الشريط الساحلي وتعزيز بنيات الترفيه العمومي.
وبحسب ما علمته "الجريدة 24" من مصادرها الخاصة، فإن الجولة التفقدية التي شاركت فيها رئيسة المجلس الجماعي للدار البيضاء نبيلة الرميلي، كشفت عن عدد من النواقص والاختلالات التقنية التي رافقت تنفيذ المشروع، ما دفع المسؤولين المحليين إلى إعلان رفضهم الرسمي لاستلامه في صيغته الحالية، رغم بلوغ نسبة الأشغال 95%.
وتمحورت أبرز الملاحظات التقنية حول ضعف جودة التشطيبات، وغياب تام للمرافق الأمنية وخدمات الحراسة، إضافة إلى خلل واضح في تصميم ملعب كرة القدم داخل الفضاء، ما اعتُبر مؤشرا على سوء تدبير المشروع من قبل المقاولة المكلفة، وهو ما جرّ انتقادات حادة لشركة "الدار البيضاء للتهيئة"، الجهة المشرفة على الورش.
وتشير التقديرات الرسمية إلى أن الميزانية المرصودة للمشروع بلغت حوالي 70 مليون درهم، إلا أن النتيجة النهائية، بحسب متابعين، لا تعكس لا حجم الغلاف المالي ولا الأهداف المُعلنة سلفًا، ما أثار موجة استياء على منصات التواصل الاجتماعي، وصف خلالها المواطنون المشروع بـ"الكورنيش المغشوش".
وفي سياق متصل، يواصل مشروع حديقة الحيوانات بعين السبع، هو الآخر، إثارة الجدل، بعد أكثر من عقد على انطلاقه دون استكماله.
وكان من المرتقب أن يتحول هذا الفضاء إلى نقطة جذب بيئية وسياحية للعاصمة الاقتصادية، غير أن تأخر الإنجاز وتوالي الملاحظات التقنية حالا دون إخراجه لحيز الوجود إلى غاية اليوم.
ووقفت اللجنة التقنية التابعة لمجلس المدينة، التي زارت المشروع مؤخرًا برئاسة العمدة، على عدد من الاختلالات، شملت غياب مساحات مخصصة للعائلات، وضعف التجهيزات الخاصة بالجلوس والاستراحة، وملاحظات متعلقة بالرعاية البيطرية للحيوانات، ما أثار قلق المسؤولين بشأن مطابقة المعايير الدولية المعتمدة في هذا النوع من المرافق.
وبينما تم توجيه إنذار إلى شركة "دريم فيلاج" المفوض لها تنفيذ المشروع، تشير المعطيات التي توصلت بها "الجريدة 24" إلى أن عملية استقدام الحيوانات بلغت نسبة 80%، على أن تستكمل خلال شهر يونيو الجاري، استعدادًا لمرحلة الحجر البيطري الإجباري، التي تسبق افتتاح الحديقة.
من جهتها، صادقت جماعة الدار البيضاء مؤخرًا على اتفاقية جديدة لإعادة تهيئة السور الخارجي للحديقة وتحويل شبكة السقي، في خطوة وُصفت بالإيجابية، لكنها لم تنجح في طمأنة الشارع البيضاوي الذي يرى في المشروع تجسيدًا لفشل متراكم في تنزيل الرؤية الحضرية على أرض الواقع.
وفي موازاة ذلك، لا يزال الغموض يلف مستقبل مسرح الدار البيضاء الكبير، الذي انتهت أشغال بنائه منذ سنوات، بتكلفة ناهزت 1.4 مليار درهم، دون أن يفتح أبوابه أمام الجمهور. ويُرجع متتبعون هذا التعثر إلى عجز جماعة الدار البيضاء عن بلورة صيغة تدبيرية واضحة تضمن استدامة تشغيله كمرفق ثقافي مرجعي.
وتعتبر المعارضة داخل مجلس المدينة أن المسرح تحوّل إلى "مشروع معلق"، رغم ما راكمه من وعود رسمية بتدشينه، محذّرة من أن استمرار غيابه عن المشهد الثقافي يُفقد المدينة فرصة ثمينة لتجديد هويتها الفنية وتعزيز عرضها الترفيهي.
وفي ظل تزايد هذه الانتكاسات التنموية، يطالب عدد من الفاعلين المدنيين بفتح ملف تعثر المشاريع الكبرى على طاولة المساءلة، وتحديد المسؤوليات المؤسساتية والتقنية، واعتماد آليات التتبع والرقابة الميدانية، حماية للمال العام، وتعزيزًا للشفافية، وصونًا للحق الدستوري في العيش الكريم داخل بيئة عمرانية سليمة ومتوازنة.