مخاوف برلمانية من تعثر ورش الجهوية المتقدمة وسط دعوات للمحاسبة والتقييم

تواصل القيادات السياسية في حزب الأصالة والمعاصرة الدعوة إلى تفعيل جاد ومتكامل لورش الجهوية المتقدمة، باعتباره ركيزة مركزية في بناء نموذج تنموي جديد ومتوازن، يضمن توزيعاً عادلاً للثروة والسلطة على المستوى الترابي.
في هذا السياق، وجه مولاي هشام المهاجري، القيادي في الحزب، رسائل قوية تدعو إلى القطع مع الممارسات التجميلية والارتجالية، مطالبًا بمحاسبة المسؤولين عن تعثر تطبيق الجهوية.
ومشدداً على أن الحزب لا يطمح إلى مراكز القرار من أجل التلميع، بل من أجل العمل الواقعي والملموس لصالح المواطنات والمواطنين.
وأكد المهاجري، خلال ندوة نظمها الحزب ببني ملال حول موضوع "الجهوية المتقدمة: التحديات والآفاق"، أن التجربة الحزبية والسياسية لا تُقاس بعدد المناصب، بل بمدى القدرة على خوض الصراعات الضرورية لتحصين الديمقراطية وتوسيع قاعدة المشاركة.
وسجل المتحدث أن مشروع الجهوية في المغرب ليس وليد اللحظة، بل يمتد إلى عقود خلت، منذ عهد الملك الراحل الحسن الثاني، حيث كانت هناك إشارات أولى لهذا الورش، لا سيما في الأقاليم الجنوبية التي شكلت مختبراً مبكراً لهذا التصور المتقدم.
وانتقد المهاجري ضعف تنزيل المقتضيات الدستورية الخاصة بالجهوية، رغم ما وفره دستور 2011 من مكاسب واضحة.
كما نبه إلى وجود تناقضات قانونية صارخة في النصوص التنظيمية، تتجلى في تضارب الاختصاصات بين الجماعات المحلية وعدد من الوزارات، مما يعمّق حالة الالتباس المؤسساتي، ويحول دون تنزيل فعّال لورش اللامركزية.
وفي معرض تحليله لتحديات تمويل التنمية المحلية، اعتبر أن الجماعات الترابية ما تزال تعاني هشاشة مالية كبيرة، تجعلها غير قادرة على مواكبة الطموحات التنموية المنشودة، مشيرًا إلى أن اختيارات التمويل الحالية غير منصفة وتفتقد للعدالة المجالية.
كما أبدى استغرابه من اعتماد بعض البرامج التنموية التي تمتد لأكثر من عقدين، دون وجود رؤية وطنية واضحة أو لجنة مركزية لتأطير هذه الاستراتيجيات، ما يؤدي إلى تشتت الجهود وضياع الفعالية.
وحذر القيادي البرلماني من أن استمرار الوضع على ما هو عليه سيؤدي إلى تآكل الثقة في المؤسسات، مشددًا على أن الحكومة مطالَبة بإحداث قطيعة حقيقية مع المقاربة المركزية، وبالعمل على خلق نخب محلية مؤهلة وقادرة على تفعيل الجهوية المتقدمة بمفهومها الحقيقي، عبر التمكين السياسي والمالي والتقني.
من جهتها، أكدت نجوى كوكوس، رئيسة المجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة، أن ورش الجهوية يندرج ضمن أولويات الحزب، ويشكل محورا أساسيا في رؤيته السياسية والتنظيمية.
وأشارت في مداخلتها إلى أن مرور أكثر من عشر سنوات على دخول القوانين المؤطرة للجهوية حيز التنفيذ يفرض اليوم وقفة تقييم شاملة، ليس فقط من زاوية النصوص، ولكن من خلال النتائج الميدانية، ومدى تحقيق العدالة الترابية والاجتماعية التي بشّر بها الدستور.
وتساءلت المتحدثة ذاتها، عن مدى تفعيل الاختصاصات الذاتية للجهات، وما إذا كانت هذه الأخيرة قادرة اليوم على لعب دورها الحقيقي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وأشارت إلى أن الوضعية الاقتصادية الراهنة تفرض إعادة النظر في آليات تمويل الجهات، داعية إلى توزيع عادل للموارد، وتمكين الجماعات من استقلالية مالية كفيلة بجعلها فاعلاً رئيسيًا في التنمية المحلية، بدل بقائها رهينة التحويلات المركزية.
كما شددت على ضرورة تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وإشراك الشباب والنساء في تدبير الشأن العام المحلي، بما يعيد الثقة في العمل السياسي ويقوي الانخراط الشعبي في الإصلاح.
وختمت كوكوس بالإشارة إلى أن الجهوية ليست إصلاحاً ظرفياً أو مسألة تقنية، بل هي إصلاح بنيوي يرمي إلى إعادة بناء الدولة على أسس حديثة، قائمة على توزيع السلط والموارد، ومرتكزة على إشراك الجهات في القرار الوطني، من خلال رؤية استراتيجية مندمجة تستحضر مبدأ الإنصاف والتوازن بين مختلف المجالات الترابية.