عاشوراء على التيك التوك في زمن كورونا !

الكاتب : وكالات

29 أغسطس 2020 - 06:00
الخط :

على مرّ القرون، اعتاد ملايين الشيعة إحياء ذكرى كربلاء، كتفاً بكتف، ويداً بيد، حتى باتت التقاليد العاشورائية ثقافة راسخة في حياتهم.

لكن وباء كورونا جاء ليغيّر عادات لم تمسّ منذ زمن، من بينها عاشوراء، وقبلها موسم الحج السنوي إلى مكّة، وغيرهما من المناسبات. وحتى الآن، تتردّد الدول والمؤسسات الدينية الرسمية في فتح دور العبادة للمراسم الجماعية مثل صلاة الجمعة وقداديس الأحد.

في محرّم هذا العام، لا مسيرات، ولا لطميات، ولا دموع وما يتبعها من مسحٍ، بات خطيراً، للوجوه. فكلّ ذلك غير موافٍ للشروط الصحيّة، بحسب توجيهات المرجعيات الدينية الشيعية كافة.

في المآتم والمسيرات الحسينية، يتبادل المصلّون الطاقة والزخم والمواساة. تسري بين الناس موجة من الحزن، ما يعطي ذلك الطقس قيمةً وجدانية، تسمح للمشاركين ببلوغ حالة روحانية عالية.

وإلى جانب كونه وسيلة لإظهار الولاء الديني والحضور السياسي، يعدّ إحياء شهر محرّم نوعاً من تفريغ الحزن على نطاق جماعي. وبالنسبة للشيعة كأقلية دينية عانت من الاضطهاد السياسي على فترات طويلة من التاريخ، تعدّ الشعائر العامة أشبه بفرض وجود وإعلان ثورة.

تقول المختصة بالمسرح والتربية بتول كاج من بيروت: "مهما كانت الظروف قاسية وقاهرة، لا نقدر إلا على احياء ذكرى الحسين. لقد مرت علينا خلال التاريخ ظروف أقسى من ظروف الوباء، منها مجازر واضطهاد، بالرغم من ذلك بقي إحياء الذكرى قائماً. نحن محبّون، والمحب لا يقول لمن يحبّه ابتعد، أو لن أقدر على لقائك الآن لأن ظرفي لا يسمح. فكيف إن كان من نحبّه هو الحسين؟".

مع التمسك بإحياء الذكرى، كان الالتزام بالشروط الصحيّة متفاوتاً، رغم اجماع المرجعيات على ضرورتها. في بيروت، تلاحظ بتول كاج التزاماً عاماً بمظاهر السواد، وبالطقوس ضمن المقتضيات الصحيّة، مع الاستعاضة عن المسيرات الجماعية بمجالس تعزية عائلية وبرفع أصوات العزاء في الشوارع عبر مكبرات الصوت.

تقول إنّ "الالتزام بالإحياء هذا العام يترافق مع تكليفات شرعية للحفاظ على الشروط الصحية من كمامات، وقفازات، ومعقمات، لأن التسبب بنقل العدوى إلى شخص قد ينتهي بوفاته، وذلك أشبه بالقتل".

من جهته، يلفت محمد نسر إلى أنّ مجالس العزاء المنظمة هذا العام، أكثرها مبادرات فردية. فيما اكتفت الجهات الرسمية المعتادة على إحياء الذكرى في لبنان، سواء كانت دينية أم حزبية، ببث مجالس عزاء مركزية ومحاضرات عبر مواقع التواصل ووسائل الاعلام.

هناك مبادرات أخرى، بعضها كشفية، ومنها رادود حسيني يتجوّل في أحياء الضاحية الجنوبية، ويتلو الندبيات من الشارع عبر مكبر الصوت، لكي تتمكن الناس الملتزمة بالحجر الصحي من المشاركة بدون مغادرة منازلها.

في كربلاء التي شهدت واقعة الطفّ في عام 61 للهجرة (680 م.)، ترتبط حياة الناس بشكل مباشر بمراسم زيارة المقامات والعتبات الحسينية التي تحتضنها.

عند زيارة صفحات العتبات الحسينية في كربلاء على مواقع التواصل، سنجد مشاركة كثيفة لمنشورات إحياء الذكرى، مع صور بجودة عالية، وتسجيلات مصوّرة لندبيات ومواكب لطم.

وتماماً كما كانت تكتسي المواكب بالأسود والأحمر والأخضر، باتت الصفحات الرسمية للعتبات مكتسية بالألوان ذاتها، مع نشر صور لرايات

كلٌّ يعبّر على طريقته

مسرحة التعبير شأن مهمّ جداً في الطقوس العاشورائية، وكان له أثر كبير على أشكال الفنون في الدول ذات التقاليد الشيعية. ففي إيران نمط مسرحي خاص يعرف بمسرح التعزية، وفي لبنان والعراق تقام سنوياً مسرحيات تسترجع واقعة الطف.

حديثاً، انتقلت هذه المسرحة إلى تطبيقات مثل تيك توك، حيث تنتشر تسجيلات قصيرة لفتيان وفتيات في سنّ المراهقة، يأدون مقطعاً من بعض اللطميات الشائعة. بعضهم يلتفّ بوشاح أخضر، تعبيراً عن الانتماء الحسيني، وبعضهم يرتدي اللون الأسود، لكنه يضفي على تسجيله ما أتيح من مؤثرات وبريق.

يقول الفنان والخبير بالتسويق الرقمي روي ديب، إنّ "تيك توك أشبه بالمثل الشعبي خذوا أسرارهم من صغارهم، فالجيل الصغير يعرف أنّ الكبار لا ينشطون عبر هذه المنصة، لذلك يتخففون من الرقابة الذاتية".

ويرى ديب أنّ الطقوس الدينية تقاليد ثابتة وأي تعديل فيها صعب، ويتطلب وقتاً طويلاً ليحظى بالقبول الجماعي. "ما يقوم به هؤلاء الفتيان والفتيات على تيك توك هو تحويل المراسم الجماعية، إلى لغة جسدية شخصية مختلفة، يعبرون من خلالها عن فردانيتهم".

ويقول إنّ الناس اعتادت على تيك توك كمنصّة للتحديات والرقص والحركة والموسيقى، لذلك ارتبط بأشياء يعيطها المجتمع قيمة دنيا، ولكنه تحوّل لاحقاً إلى منصة مهمّة لنقل التظاهرات الأخيرة في الولايات المتحدة، من حراك "حياة السود مهمّة". لذلك فإنّ استخدامه للتعبير الديني ليس مستغرباً، "لأنّه لغة يفهمها هذا الجيل، ويتقن التواصل عبرها".

من جهتها تلفت بتول كاج إلى أنّ المراهقين ليسوا وحدهم من يستخدمون مواقع التواصل للتعبير، بل هناك أيضاً أسر تصور أطفالها وهم يلقون خطبة الامام الحسين أو إحدى اللطميات الشهيرة، وينشرونها على مواقع التواصل، أو يرسلونها للبثّ على قناة طه الخاصة بالأطفال. "نحن نتباهى بهذا الأمر، ولا نريد أن نخبأه، عملاً بقول السيدة زينب "والله لن تمحو ذكرنا".

آخر الأخبار