بنعيسى آيت الجيد... عريس شهداء الحركة الطلابية

الكاتب : الجريدة24

30 مارس 2021 - 09:15
الخط :
فاس: رضا حمد الله
لم يجف دم محمد آيت الجيد، المعروف في الأوساط الطلابية ب"بنعيسى"، رغم مرور 28 سنة على قتله من طرف طلبة إسلاميين نفذوا فيه شرع أياديهم الملطخة بالدماء، فقط لأنه اختلف فكريا معهم، في حادث مؤلم محفور في ذاكرة رفاقه مخلدي ذكرى استشهاده سنويا.
دم بنعيسى عريس شهداء الحركة الطلابية بموقع ظهر المهراز الجامعي، يلاحق قتلته إن المتابعين قضائيا منهم والمحكومون أو من لم تشملهم المساءلة. روحه تطاردهم في منامهم ويقظتهم، تسائلهم عن أي ذنب ارتكب حتى يجهض حقه في الحياة أقدس حقوق الإنسان وأسماها.
5 متهمين بهدر دمه، حكموا والسادس يحاكم. أولهم من العدل والإحسان أنهى عقوبته، و4 من إخوانه في العدالة والتنمية، ينتظرون قرار محكمة النقض في طلب نقض الحكم بإدانة اثنين منهم ب3 سنوات حبسا نافذة لكل واحد منهما، و3 أشهر نافذة للآخرين.
أما عبد العالي حامي الدين، القيادي في حزب سعد الدين العثماني، فينتظر شعاع مصباح خافت يضيء طريق براءته أو قرائن أقوى تضيفه لباقي المدانين في جريمة ما زالت لها تبعات سياسية تتجسد في كل جلسة لمحاكمته في وقفات غاضبة، في انتظار محاكمته اليوم الثلاثاء 30 مارس.
الخميس الأسود
الخميس 25 فبراير 1993، يوم أسود لن تنساه عائلة آيت الجيد ولا رفاق بنعيسى بظهر المهراز وغيرها من المواقع الجامعية المغربية. فيه نفذ طلبة إسلاميون، وعيدهم وسفكوا دم زكيا بريئا طامعين في جنة هم أبعد منها وعنها بسلوكه هذا المنافي لكل القيم الإنسانية.
نحو الثانية زوالا، أنهى بنعيسى جلسة حوار طلابي مع عميد كلية العلوم على أرضية مطالب معقولة ومشروعة. وبعد حلقية قصيرة زمانا، رافق رفيقه الخمار الحديوي ابن قرية با محمد، في اتجاه منزل بحي ليراك. لم يتوقعا ما سيقع لهما من تعذيب وتنكيل، أو أن يموت أحدهما دون الآخر.
بالساحة الجامعية لم يجدا حافلة لوجهتهما، فترجلا بحثا عن سيارة أجرة ركباها وانطلقت وقطعت مسافة أقصر في وجهتها. قبالة مقهى ومعمل للمشروبات الغازية، وقع ما لم يكن في الحسبان. سيارة أجنبية الترقيم، تعثر طريقهم، وجحافل بشرية بلحي مسدلة، تحاصرهم في مشهد مقزز.
"خويا الخمار الخوانجية، الخوانجية" عبارة محفورة في ذاكرة الحديوي ذكرها في 107 مرة مثل فيها في جلسات التقاضي في قضايا ذات صلة بمقتل بنعيسى. هو الشاهد الوحيد الباقي حيا بعد وفاة سائق الطاكسي. ما زال حيا بنفس أطول وإيمان أقوى بالقضية الحية رغم وفاة بنعيسى.
ذكرى أليمة
تفنن الملتحون في تعذيب الرفيقين واختلفوا حول من يقتل طمعا في الجنة. لكموا وركلوا وسبوا ولعنوا، ولم تكفيهم كل أشكال التعذيب النفسي والجسدي، ليختموا حلقة القتل بضرب بنعيسى بطوار تعاونوا في حمله لتهشيم رأسه وإبادة فكر يخيفهم أكثر من خوفهم من جسده النحيل.
حضرت سيارة الأمن والإسعاف ونقل الرفيقان لمستشفى الغساني القريب. كانا في غيبوبة أحدهما استفاق منه وكتب له عمر جديد ليشهد على أبشع جريمة تدافع سياسي تعرفها ظهر المهراز. عاش الخمار ليحيي ذكرى أليمة محفورة في ذاكرته، ما يكل ولا يمل من سردها بحثا عن الحقيقة.
قضى بنعيسى ساعات تحت العناية المركزة بالمستشفى. ولم يستفق من غيبوبته. وبعد يومين نقل لمصحة خاصة للفحص بأشعة السكانير الذي كشف خطورة إصابته وخفض نسبة استعادته الحياة. كسر عميق بالجهة اليمنى من رأسه، سبب له نزيفا داخليا ضاعف خطورة حالته الصحية.
كسر سببه ذاك الطوار العريض الثقيل، الذي هوت به عقول ب"صلابة" الأداة، على رأس طالب أعزل إلا من فكره الذي أخافهم وأرعبهم حيا وحتى بعد وفاته في الثامنة إلا ربعا من صباح الإثنين فاتح مارس من السنة نفسها. مات بنعيسى، لكن ذكراه لن تموت كما دمه الذي لن يجف.
فكر مقتول
محمد آيت الجيد، لم يكن فقط شهيدا تخلد ذكرى استشهاده سنويا وترفع الشعارات الغاضبة من طريقة قتله في كل مناسبة أو جلسة يمثل فيها متهم بهدر دمه. هو أيضا إنسان حلم بحياة ووطن تصوره في قمة رقيه وعدالته الاجتماعية، فأجهض حلمه مبكرا من مسلحين بفكر ظلامي متحجر.
ولد محمد في عام 1964 بدوار تزكي أدوبلول بإقليم طاطا. وهناك عاش فترة من طفولته قبل أن يهاجر إلى مدينة فاس التي احتضنته وفتحت ذراعيها لتعانق أحلامه. مع أحد إخوته عاش بحي عين قادوس وفيه تمدرس في المرحلة الابتدائية بمدرسة المعلمين (ابن الخطيب سابقا).
مرت السنوات سريعة والتحق محمد بالثانوية، ونضج فكريا وبدأ يشق طريق النضال بثبات. بداية ثمانينيات القرن الماضي ومن ثانوية ابن خلدون، بدأ نشاطه التلاميذي الذي سلط عليه الأضواء وأنزل العقاب مبكرا بتنقيله إلى ثانوية القرويين ومنها إلى ثانوية مولاي إدريس وابن الهيثم.
حركيته لم ترضي مديري تلك المؤسسات والسلطة، وأدى ثمنها من حريته. 9 أشهر قضاها بنعيسى بسجن عين قادوس، بعد اعتقاله في يوليوز 1990. لكن الحرية ربما أرخص من الحياة التي أجهض حقه فيها بعد 3 سنوات من ذلك، على أيدي ملتحين حجبت لحيهم فكرهم الظلامي

آخر الأخبار