جريمة مؤنثة... قتلت أخاها المدمن

الكاتب : الجريدة24

28 يناير 2022 - 10:30
الخط :

رضا حمد الله

الساعة تشير للثانية والنصف صباحا، وهي ما تزال ممدة فوق سرير غرفتها وحيدة بمنزل العائلة، في انتظار غفوة نوم تخرجها مما هي فيه من تفكير مؤرق وعميق حول مآل حياتها. النوم جفل من عيونها. إنها موشكة على الستين، ولم يساومها أحد للزواج. لقد عنست ويئست من الانتظار ولا أمل يلوح في الأفق. أبناء اليوم يرتبطون بزوجات شابات أكثر جمالا منها، لا يهمهم حسن السيرة والسلوك.
مرت دقات الساعة رتيبة وهي شاردة في ليل لا يسمح فيه إلا نباح كلاب ضالة في ذاك الحي القريب من خزان الماء. فجأة سمعت دقات قوية على الباب، فتساءلت عمن يكسر سكون ليلها. كل العائلة هجرت الدار، حتى أمها العجوز سافرت لزيارة ابنها بمدينة شرقية. أسئلة وشكوك راودتها وهي تحاول أن تهتدي لهوية الطارق، قبل أن تتذكر أن لها أخا تكبره بسنتين، ولا تراه في المنزل إلا لماما. لا يدخله إلا متأخرا ويغادره في أول الليل بعد نوم طويل.
الشقيق لاعب سابق في فريق محلي لكرة القدم، غدر به الزمن وتحول من شاب طموح رغم تعثره في مساره الدراسي، إلى شخص اتكالي ينتظر صدقة اشقائه للوفاء بحاجياته من الخمر والمخدرات للمدمن عليهما. هو شاب مفلس لا يعمل ينام النهار ويقوم الليل لا للصلاة إنما لمعاقرة الخمر مع رفاق السوء في خلاء قريب من الحي. حاله لم يكن يرضيها ولا سلوكه، حتى أنها كانت تتحاشى مجالسته أو الحديث معه، فشتان بينهما من فوارق وكأنهما لم يخرجا من نفس الرحم.
هي محبة للحياة ومقبلة عليها، تعيش مما تكسب من تجارتها في بيع الملابس النسائية بمحلها بالمدينة. لا تنتظر صدقة أخ أو شفقة أخت. تعتمد على نفسها، وحريصة على ممارسة الرياضة رغم تقدمها في السن. كل صباح تتوجه إلى غابة بالطريق الوطنية للحري والحفاظ على صحتها ورشاقتها التي لم تشفع لها في ملاقاة من يفتتن بها ويرتبط بها فتكون لها أسرة وأبناء. عنوستها كانت تؤرقها ومصدر مشاكلها وتعاستها رفم تظاهرها بغير ذلك.
دقات الباب زاد من منسوب حيرتها وقلقها وغضبها في تلك الليلة. وبعد تفكير اهتدت لمن يكن الطارق. هو شقيقها الذي سئمت عودته كل ليلة على نفس الحالة. ثملا لا يقدر على الحركة. لكنها استغربت عدم فتحه الباب بمفتاح. ربما لا يتحكم حتى في يديه بشكل يمكنه من فتح الباب بمفتاح.
- لا حول ولا قوة إلا بالله، إلى متى ستبقى هكذا؟، اللهم اعفو عنه
قالتها وهي تهم بالنهوض من السرير قبل ان تسمع صوته مزمجرا. كان مرارا لا يحترم صبرها، ويسبها ولو أنه المخطئ. وضع ألفته وتعايشت معه كما مع شقيق خارج قوالب الاحترام. مسرعة تقدمت إلى الباب لتتحاشى الاصطدام معه أو أي رد فعل منه. لقد ملت سلوكه وتصرفه وقلة احترامه لها ولنفسه. لكن ما تحاشته وقع.
ما أن فتحت الباب حتى أطلق العنان للسانه ليقذفها بالنتن من الكلمات السوقية. بالكاد كان يتحرك، الخمر أفقده توازنه وقدرته على الحركة والاتزان والتعقل. ذاك حاله من سنين ولم يبتلي به حديثا.
تركته وتحاشت الحديث معه وتوجهت لغرفتها وأحكمت إغلاق الباب، متكفيا بدعوته للصمت احتراما للجيران النيام فطالما اشتكوا من عربداته في آخر، ولا وجه لها لتكرار الاعتذار بدلا عنه. لم تقم بغير النصيحة وأرشدته لمكان وجبة عشائه. لكنه لم يسكت كعادته. واصل عتابها على عدم فتح الباب بالسرعة المفروضة، وسبها بكلمات نابية وعيرها بما ليس فيها، دون أن يحترم صبرها وإزعاج الجيران في ذاك الحي الهادئ.
تجاهلته، لكنه لم يتركها. كرر الدق على باب غرفتها المغلقة، وهو يمطرها بعبارات السب. صبرت طويلا قبل أن ينفذ صبرها. خرجت وواجهته بمثل ما قام. عيرته بخموله وكسله واتكاليته. وزاد منسوب غضبهما تدريجيا.
حاول أن يلكمها، لكنها صدته. بنيتها رياضية أقوى، رغم مرضها بداء السكري، عكسه فإدمانه جعل جسمه نحيلا زاده سكره المفرط هشاشة. لم تواجهه بالمثل، إلا لما أحكم يديه على عنقها محاولا خنقها. حينها دفعته وتراجعت إلى الوراء ولم تكتفي بضربه، بل توجهت للمطبخ وتناولت سكينا وجهت به ضربات لجسمه اثنان لبطنه.
لم تحس بالندم إلا أن خارت قواه وسقط أرضا مضرجا في دمه، معاتبا إياها على ضربه. ندمت كثيرا وجلست أمامه تبكيه وتبكي حظها العثر. فكرت مليا في طريقة تتخلص بها من جثته وتخفي معالم هذه الجريمة التي ارتكبتها صدفة وتحت ضغط الاستفزاز. واهتدت بعدما تيقنت من وفاته، حمل جثته خارج المنزل. حملتها إلى حيث كان يعاقر الخمر مع زملائه. وتخلصت منها هناك قبل أن تتصل بمصالح الأمن مقدمة بلاغا باختفائه ومخبرة بعدم عودة شقيقها للمنزل. عبثا حاولت حبك سيناريو قصة قتله من مجهول.
لم تمر إلا ساعات على انطلاق البحث حتى توصلت الشرطة باتصال من شخص أبلغ عن عثوره على الضحية جثة هامدة قرب خزان الماء. وبعد المعاينات نقلت الجثة لمستودع الأموات، الجروح كانت واضحة على صدره. وفرضية قتله الأرجح بين كل الفرضيات، لكن لا أحد توقع أن تكون أخته قاتلته، رغم أنها مشتبه بها.
استمعت الشرطة للأخت فأنكرت، وجمعت أدلة مادية من حيث عثر على الجثة وزارت غرفة الهالك ومشطت منزل العائلة الذي حرصت الأخت على تنظيفه جيدا. بقع دم في دروج العمارة ستفضح كل شيء، بعدما اتضح أنها للهالك. حقيقة ووجهت بها الأخت قبل أن تعترف بالجريمة وتحاكم ويحكم عليها ب10 سنوات سجنا ما تزال تقضيها في السجن.

آخر الأخبار