أسر سوسية: أحمد العدوي... نهل من حياض المختار السوسي وترك خلفا من عيار زينب العدوي

الكاتب : الجريدة24

06 يناير 2024 - 06:00
الخط :

أمينة المستاري

العلامة أحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمان العدوي، ولد سنة 1926 يتحدر من أسرة علم، من "تانفزاط"، إحدى قرى "إيدا أوتينست"، من قبيلة "إيسافن نايت هارون" ضواحي تارودانت. أنجب ذكورا وإناثا وسهر على تعليمهم من بينهم زينب العدوي القاضية والرئيس الأول للمجلس الأعلى لحسابات، وعبد الرحمان العدوي الصحافي، جدة أحمد هي سلطانة عرفت بدورها بالعلم في بيئة كان تدريس النساء داخلها يقتصر على أسر قليلة جدا، وكان لها ديوان "سر الكلام" بالأمازيغية.

نموذج آخر من الأسر السوسية التي السطع نجمها في مجال الفقه والعلم والقضاء بعيدا عن التجارة ومجال المال والأعمال.

كسائر أقرانه، درس العلامة أحمد بن عبد الله بالمسيد والتحق بالمدارس العلمية، حيث نبغ فيها وحفظ المتون النحوية في ظرف شهر واحد فقط، كما ضبط قواعد الحساب والفروض ومتون الابتدائي وهو ابن 15 سنة، ثم تدرج في العلم فانتقل إلى مدرسة الحاج مسعود الوفقاوي بمدرسة إيغلالن ، قبيلة إيمسكنين، ليكمل مشواره العلمي والدراسي.

ولظروف أسرية، عمل العدوي فقيها "مشارط" في قرية أكفاي، وكاتبا في ضيعة الحسين الدمناتي، أحد أثرياء المنطقة، كما عمل بدار الخيرية بأكادير، وادخر مبلغا ماليا أكمل بع مشواره الدراسي بمراكش. كان وافدا على عالم آخر مبهورا بالمدينة الحمراء، وعاش مواقف متنوعة لكونه غير ملم بتعاملات أهل مدينة البهجة المعروفة بطباعها المرحة، وروح النكتة والدعابة. .

قصد العدوي زاوية الرميلة بعد وصوله، ينشد استكمال دراسته على يد العلامة المختار السوسي، يحمل معه رسالة توصية من الفقيه القاضي سيدي رشيد المصلوت. وبالفعل بدأ الدراسة لأسابيع بعدها أصبح رفيقا للمختار السوسي بالقلعة الحمراء، تزود من بحر علومه بل واعتاد مناقشة مواضيع محظورة مع أستاذه يبين له خلالها ما خفي، وكان العدوي ممن تحدث عنهم في كتابه المعسول، لما لاحظه عنه من تميز عن باقي الطلبة.

رافق العدوي أستاذه في بعض تنقلاته ويومياته، وخبر بعض الأمور التي لا يعرفها سوى المقربين من المختار السوسي، كما عايش فترات نشاطه الوطني ، بل التحق العدوي به بعد انتقاله إلى الدار البيضاء، وسكن بمعية طلبة آخرين في الطابق السفلي بمنزل المختار السوسي .

بعد اعتقال المختار السوسي، لم يجد أحمد العدوي بدا من الالتحاق بمدرسة حكومية، كما جاء في مؤلف لعبد الله كيكر حول أعلام سوس، تفرق طلبة المختار السوسي بعد اعتقال أستاذهم، وأنشأ العدوي بمعية أصدقاء له جمعية ثقافية بمراكش أطلقوا عليها اسم " جمعية علماء سوس" برئاسة شرفية لفقيههم السوسي المنفي آنذاك في تنجداد.
بدأ أحمد العدوي ناظرا بتارودانت ثم انتقل سنة 1956 إلى مدينة الجديدة لإدارة المعهد الإسلامي، وخلال هذه المرحلة سيرزق بزينب وعبد الرحمان وبعد خمس سنوات انتقل إلى قسم المخطوطات بالخزانة العامة بالرباط، واستقر بها، فأصبح يعطي دروسا في الوعظ والإرشاد بمساجدها المعروفة، وبعد حصوله على التقاعد أصبح إماما بمسجد حكم، ترافقه طيلة حياته العلمية شهادة المختار السوسي في حقه بكونه:" هو المشار إليه بجميع الأصابع فهما وتحصيلا وإدراكا وشمما، فلئن جاء في الختام فإنما ليكون لرجال أسرته الطيبين كمسك الختام".
وقد توفي العلامة أحمد العدوي، تاركا أبناء يشار إليهم أيضا بالأصابع، فزينب العدوي، ازدادت في ثاني أبريل من 1960 بمدينة الجديدة. وحصلت على دبلوم الدراسات العليا في العلوم الاقتصادية تخصص الاقتصاد العام من جامعة محمد الخامس بالرباط. كما حصلت على دكتورا الدولة حول موضوع “مجلس الحسابات المغربي: من مراقبة المشروعية إلى مراقبة جودة الأداء، أية فعالية؟“
أما ابنة العلامة أحمد العدوي، الأم لابنين، فليست سوى زينب العدوي، التي ولدت سنة 1960 بمدينة الجديدة، بعد رحيل والدها بأربع سنوات إلى الجديدة، من الوجوه النسائية التي برزت كأول امرأة تحتل منصب والي جهة الغرب الشراردة بني احسن، ثم عامل إقليم القنيطرة ووالي جهة سوس ماسة وعامل أكادير إداوتنان، وبعد أن أثبتت حنكتها في تسيير أمور الجهات، أصبحت أول امرأة في المغرب تعين على رأس المجلس الأعلى للحسابات. وهي كذلك من أوائل النساء الذين ألقين واحدا من الدروس الحسنية الرمضانية أمام الملك محمد السادس سنة 2007 ، خصصته لموضوع " حماية المال العام في الإسلام"
تربت زينب في وسط علمي، وفي أحضان أب عالم وجيه، وسليلة أسرة تميزت منذ عقود بحب العلم والفقه في أمور الدين وكان في بدايتها الوظيفية حصلت على دبلوم الدراسات المعمقة في العلوم الاقتصادية، سنة 1984، وتولت منصب أول قاضية للحسابات.
صرامتها وسيرتها جعلتها تحظى بثقة الملك محمد السادس فعينها في منصب وال بالجهات الثلاث المذكورة، ثم في موقع والي مفتش عام للإدارة الترابية في 25 يونيو 2017. والعدوي حاصلة على وسام المكافأة الوطنية من درجة ضابط كبير.
شقيقها عبد الرحمان حمل اسما متجذرا في شجرة الأسرة بدوره برز في مجال الإعلام، يروي في أحدى حواراته أنه خلال السبعينيات كان يقرأ اليوميات الخمس التي كان تصدر يومها، يحملها الأب في المساء إلى البيت، فبدا الاهتمام بمجال الإعلام ينمو داخله رغم أنه لم يكن اختيارا مهنيا في البداية، كان عبد الرحمان العدوي يرغب في أن ينحو مسار أشقائه في مجال القانون والاقتصاد، لكن الوالد نصحه بالأدب الانجليزي، فكان اختيارا صائبا ساعده في مهنة الصحافة خصوصا أنه كان ضمن الطاقم الصحافي المرافق للزيارات الملكية خارج المغرب في عهد الحسن الثانين وبعد في عهد محمد السادس، اشتغل بالقطب العمومي لسنوات قبل أن يقرر الرحيل نحو أمريكا، ليشق لنفسه تجربة أخرى، سيعود بعدها إلى المغرب ليمهد إلى إنشاء مجموعة راديو بلوس رفقة شركاء آخرين، كما نشط مجموعة من البرامج الحوارية بالتلفزيون المغربي. عبد الرحمان العدوي خلف ثلاثة ابناء، ابن ذكر، وبنتان إحداهما اختارت حرفة أبيها رغم أنه كان يفضل بأن يختار الأبناء مسارات أخرى بعيدا عن إكراهات هذه المهنة وصعوباتها.

آخر الأخبار