"الأصالة والمعاصرة": جذور الأزمة ومفاتيح الحل

الكاتب : الجريدة24

13 مايو 2019 - 10:15
الخط :

ربما أشد المتشائمين لم يتصوروا أن يعيش حزب "الأصالة والمعاصرة" الوضع الداخلي الذي يعيش على إيقاعه اليوم. وضع عنوانه الأبرز منذ انتخاب حكيم بنشماش، أمينا عاما لحزب "التراكتور، تناحر وتطاحن وصراع ظاهر وخفي بين أجنحة متعددة وتيارات ومصالح متضاربة.

ورغم أن حزب "البام" يعد القوة السياسية الثانية عدديا في البلاد، إلا أن تأثيرها يكون محدودا لاعتبارات عديدة أبرزها الخلاف الحاد بين قيادات التنظيم.

فما الذي حصل حتى وصل هذا التنظيم السياسي إلى هذا الوضع، الذي لا يسر صديقا ولا عدوا؟

مهما وصلت حدة الانتقادات التي وجهت إلى حزب "الأصالة والمعاصرة" من مختلف الفرقاء السياسيين في البلاد، ووصفه على سبيل المثال لا الحصر من طرف ادريس لشكر بـ"الوافد الجديد"، إلا أن هذا لا ينفي أن مشروعه كان قائما على أرضيات صلبة وقوية لم يستخدمها أي فاعل سياسي، وهي تقرير الخمسينية وتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة.

صحيح أن بعض الفاعلين السياسيين توجسوا من هذا "الوافد الجديد"، واعتبروا أنه لا يعدو أن يكون سوى إعادة إنتاج لما كان يعرف في سنوات السبعينيات والثمانينات بأحزاب الإدارة، إلا أن المشروع الذي قدمه زعماؤه جعله معبرا عن حاجة سياسية يمكن أن تعزز الحقل الحزبي، مع تسجيل رغبة محصورة في الهيمنة على المجال السياسي في أفق بناء قوة مضادة لحزب "العدالة والتنمية".

وجاءت محطة الاحتجاجات الشبابية المرتبطة بما عرف بالربيع العربي ممثلة في حركة 20 فبراير، والتي كان الحزب هدفا لشعاراتها، فكان "البام" مضطرا إلى تغيير خططه من جهة ومن جهة ثانية الانحناء للعاصفة. وجاز القول إن "الأصالة والمعاصرة" تعامل بذكاء مع تلك المرحلة، لاسيما وأنه في الانتخابات التشريعية لم يرشح سوى في 365 من أصل 395 مرشح، ولم يحصل سوى على 47 مقعدا، محتلا بذلك المرتبة الرابعة.

والواقع أن حزب "الأصالة والمعاصرة" حينها أعطى إشارة قوية بكونه لا رغبة له في الهيمنة على المشهد الحزبي، وانخرط في معارضة مؤسساتية قوية من داخل البرلمان، وتمارس جزء من صلاحياتها في مراقبة العمل الحكومي. وعوض الاستمرار في هذا النهج السياسي والتنظيمي والتطلع نحو احتلال المرتبة الأولى في المشهد السياسي بطرق طبيعية، انخرط "البام" في معركة من أجل احتلال المراتب الأولى في المشهد الحزبي، ومحاولة الهيمنة على الفعل السياسي والسيطرة عليه.

لقد تحول حزب "الأصالة والمعاصرة" من تنظيم سياسي يسعى إلى القمة بالتدرج، إلى حزب يضع نصب عينيه الهيمنة على الحقل الحزبي بطرق مختلفة، لاسيما بعد انتخاب إلياس العماري أمينا عاما للبام بالإجماع. وهكذا راجت أنباء بطرق شبه مؤكدة أن لقياديين باميين دور في صعود قيادات حزبية شعبوية على رأس بعض أحزاب الحركة الوطنية، بهدف مواجهة "شعبوية" رئيس الحكومة حينها عبد الإله بن كيران. بمعنى أن "البام" أصبح يحاول الهيمنة على الحقل السياسي وخلق قطب بقيادته، وهي التهمة التي كانت تلاحقه في بدايات تأسيسه الأولى.

وجاءت محطة الانتخابات الجماعية التي أبان فيها هذا الحزب عن رغبة أكيدة في السيطرة من خلالها على رئاسة المجالس الجهوية وهو الأمر الذي تمكن منه والحصول على أكبر عدد ممكن من الجماعات، إلا أن المفاجأة التي كانت تنتظره فهي حصول "البيجيدي" على رئاسة الأغلبية الساحقة من المجالس الجماعية للمدن الكبرى.

وعوض أن يستفيد الحزب من تجربة الانتخابات الجماعية والجهوية لسنة 2015 وقراءة نتائجها، فضل رفاق إلياس العماري الاستثمار بشكل مبالغ فيه جدا في محطة انتخابات 2016 التشريعية، وأظهر الحزب رغبة أكيدة في إزاحة حزب "المصباح" من المرتبة الأولى، بشكل لا يتناسب ومؤهلاته التنظيمية. فلجأ أمينه العام لعدد كبير من أعيان الانتخابات ورجال أعمال من أجل إسقاط بن كيران من رئاسة الحكومة، فكان الفشل الثاني في مسار الحزب الذي خطه إلياس العماري منذ 2012.

لم يكن حزب "الأصالة والمعاصرة" مضطرا لأن ينافس أكثر من طاقته حزبا منظما بشكل كبير ويعتمد على آلة تواصلية قوية وهي عبد الإله بن كيران، وكان بإمكانه أن يحتفظ بنفس الموقع الذي كان يحوزه بعد انتخابات 2011 التشريعية، معتمدا على أطره وبرلمانييه المخضرمين. وكان لكل هذه الاختيارات انعكاسات سلبية يمكن إجمالها فيما هو خارجي وآخر داخلي.

بالنظر إلى أنه لم يكن يقدر جيدا طبيعة البروفايلات التي رشحها باسمه في الانتخابات التشريعية، فإن الحزب وجد نفسه أمام فريق كبير من حيث الحجم وضعيف من حيث المردود الرقابي والتشريعي، والواقع أن الحزب لما كان يتوفر على 47 مقعدا فقط في الغرفة الأولى للبرلمان، كان أداؤه البرلماني في المعارضة أحسن من الوضع الحالي.

وعلى المستوى الداخلي، فبعدما لم يتمكن الحزب من قيادة الحكومة ومني بهزيمة في الانتخابات التشريعية أمام غريمه "البيجيدي" تحول قياديوه من الصراع مع الخارج إلى صراع داخلي قوي، لم تمكن كل التوافقات المنجزة من حله.

ورغم أن إلياس العماري، قدم استقالته وحل محله حكيم بنشماس، إلا أن هذا لا ينفي أن العماري نفسه سبب للأزمة الحالية بشكل غير مباشر، على اعتبار أن تنظيم الحزب هو من أشرف على بناء هياكله، وبالتالي فإن رحيله جعل البنيان يهد على أصحابه. لهذا لا يمكن تصور نجاح مرحلة انتقالية في الحزب نحو قيادة جديدة دون تدخل من العماري، الذي يبقى الوحيد على ضبط صراعات الأجنحة المتصارعة داخل الحزب وإخمادها.

لا حل اليوم أمام قيادات "الأصالة والمعاصرة" سوى البحث عن آلية توافقية تعيد للحزب وضعه الطبيعي داخل المشهد الحزبي، لاسيما وأن الوضع في البلاد في حاجة إلى تنظيم سياسي حامل لخطاب سياسي مناقض للخطاب السائد الخاص بحزب "البيجيدي" لاسيما وأن التنظيمات السياسية المنافسة الأخرى غير قادرة اليوم على إنتاج خطاب سياسي. لكن الأساس يبقى هو الابتعاد عن محاولات الهيمنة من جهة والاكتفاء بالموقع الطبيعي الذي تتيحه الإمكانيات المتوفرة تنظيميا وسياسيا.

آخر الأخبار