زغاريد النصر المغربي تشق ليل جنيف البارد

الكاتب : الجريدة24

07 ديسمبر 2022 - 04:00
الخط :

 نزار الفراوي  (و.م.ع)

تتعالى بعض الأصوات على الرصيف المقابل لمحطة "كورنافان"، القلب النابض لحركة النقل العمومي عبر مختلف مفاصل جنيف، ولكل الاتجاهات الذاهبة والوافدة اليها.

بلا موعد مسبق، يتضخم الجمع حتى يكاد يخلو المكان لعشرات يصبحون مئات من المغاربة الذين ظلوا يتدفقون على المكان تلبية لعطش الاحتفال بالإنجاز التاريخي لأسود الأطلس في "الثلاثاء العظيمة".

لم يسبق للزغاريد المميزة التي علت من أفواه فتيات ونساء المهجر السويسري أن صنعت حدثا من هذا القبيل، اجتذب بعنفوانه ووهجه انتباه كل العابرين من مختلف الجنسيات، وقد اكتشف كل منهم للحظات صخبا بعنوان الحب الأسمى للبلد، يحمله المهاجر في حقيبته أنى استقر به المقام.

من كل الأعمار، إناثا وذكورا، غادروا البيوت والمقاهي ليتقاسموا تحت أضواء المدينة العالمية فرحة الإنجاز غير المسبوق في المحفل الكروي المونديالي الذي كرس حقيقة متنامية حول البعد الجماهيري للعبة كرة القدم ووزنها في تجديد شريان اللحمة الجماعية والاحتفاء بتحرير الطاقات الوطنية على العشب الأخضر.

بقمصان حملت أسماء الأسود، بأيد ترفع الأعلام عاليا، حرص المغاربة المبتهجون بالنصر الذي أطاح بقوة كروية رائدة صنفت ضمن المرشحين لحسم اللقب، على ترديد النشيد الوطني بفخر الانتماء وحرقة البعد.

ما سر تلك الدمعة التي نزلت من أحداق هذه السيدة التي كانت تصحب صغيرها وقد وشم وجهه بالأحمر والأخضر في ليل دجنبر البارد ؟ "لهذا الإيقاع الذي شربناه منذ طفولتنا رنة مختلفة بعيدا عن الأرض والأهل"، قالت.

كان المشهد متصلا بالفرحة الأم في البلد. معظم المحتفلين يشغلون على هواتفهم خواص النقل المصور الحي ليعيشوا مع آبائهم وأمهاتهم وأشقائهم لحظة التوحد الكبرى. المسافة تصبح مجرد تفصيل، لأن النبض لا يخطئ الميزان.

امتزج الهنا بالهناك. جنون الاحتفال تطور ليشعل سماء المدينة بالشهب الصناعية، بينما جاب شباب وكهول محيط المكان بالسيارات والدراجات النارية الملتحفة بالعلم. لا أهل جنيف العائدون إلى بيوتهم في نهاية يوم عمل، ولا عناصر الشرطة الذين حلوا ليراقبوا التجمع من بعيد، بدوا منزعجين من صراخ الفرح، لأن الاحتفال ثقافة كونية، وتقاسمه فعل متحضر.

في ذروة البهجة والفخر، لا أحد من المشجعين استكان إلى قناعة بما تحقق. "باي باي إسبانيا.. تعالي يا برتغال"، رددها الشباب بنبرة تحد جديدة تحمل طموحا لمواصلة المغامرة ضمن صفوة القوم من صناع الفرجة الكروية العالمية.

شباب أفارقة انضموا إلى المشهد منوهين بمنتخب يرفع مشعل القارة في الأدوار المتقدمة، وعابرون لم يخفوا اندهاشهم من قوة هذا العنفوان الاحتفالي الجدير بأمة تدب الحيوية في أوصالها.

كانت احتفالية جنيف تتويجا لساعات الشد العصبي الذي رافق أطوار المباراة. في شارع مونتو، الذي يخترق حي "باكي" الشعبي، ينفتح مدخل صغير على النادي الذي يحتضن جمعية لمغاربة المدينة. هو مقهى وموعد حنين ومشاطرة، يلم شمل المغتربين والمغتربات من مشارب شتى.

ساعة وأكثر قبل أن يطلق الحكم الأرجنتيني صفارة اللقاء، كان المكان يحتشد بالجمهور. كثيرون غادروا عملهم قبل الأوان لأن اللحظة لا تحتمل التفاوض والغياب خيار غير وارد.

بأعصاب مشدودة، تفاعل الشباب مع كل لقطة، وهتفوا للأسود في كل هجمة، إلى أن حلت ساعة الحقيقة بالضربات الحاسمة، فوقف الجميع بالدعاء والتوسل طمعا في النصر القريب.

مع ضربة حكيمي القاصمة، تحول الفضاء إلى ساحة جنون راقص، وعناق بين أغراب، وهتاف بأن "يعيش المغرب"... من هناك انطلق الجمع نحو "كورنافان"، ليتردد نشيد النصر حتى ضفاف بحيرة ليمان.

آخر الأخبار