عندما يقتل النظام الجزائري أحلام المهاجرين الأفارقة في معانقة الأفضل

الكاتب : الجريدة24

02 يناير 2023 - 07:00
الخط :

هشام رماح بتصرف عن Info Migrants

فظاعات النظام العسكري الجزائري في حق المهاجرين القادمين من دول جنوب الصحراء، يجري بذكرها الركبان، وشذرات منها سيقت على ألسن بعض من رمت بهم الأقدار ليدخلوا التراب الجزائري هربا من قسوة الحياة في بلدانهم، مثل أحمد 15 سنة، وهو مواطن غيني، كان اعتقل في الجارة الشرقية شهر شتنبر، لأنه لا يتوفر على وثائق إقامة، لينكل به عساكر الجارة الشرقية ويرموا به لقمة سائغة إلى المجهول.

رحلة على أرض الجزائر "الإفريقية"

أحمد هو واحد من الآلاف الذين كابدوا الأهوال في الجزائر، وقد ذهبت به الظنون والآخرون إلى أن حكام هذا البلد الإفريقي سيرقون لحالهم، حتى وجد نفسه معتقلا، ومن ثمة جرى ترحيله قسرا نحو دولة النيجر، رفقة المئات ممن المهاجرين، لتتخلى عنهم عناصر عسكرية جزائرية وسط الصحراء، وكانت كيلومترات كثيرة تفصلهم عن المدينة النيجرية "آساماكا".

ما تعرض له أحمد ومن معه من المهاجرين الذين اضطهدتهم السلطات الجزائرية، أصبح نمطا مشاعا ومعروفا عن هذه الأخيرة، وفق ما أوردته نشرة "Info Migrants" التي تعنى بأوضاع المهاجرين الأفارقة المتحدرين من دول جنوب الصحراء، ناقلة على لسان أحمد ما يلي "لقد قضيت ثلاثة أشهر في النيجر، وقبل ذلك كنت في الجزائر، لم أكن أرغب في المغادرة، ولكن تمت مطاردتي، لقد أقفلت مدة خمسة أشهر في الجزائر حين اعتقلت".

وحسب أحمد، فإنه كان يشتغل في مدينة "أدرار"، مكلفا بتنظيف أحد المنازل، محيلا على أن رب عمله كان جزائريا، ولم يحصل البتة بينهما توافق ليقرر ترك العمل، لكن بعد عدة أيام فقط، وبالضبط في الـ12 شتنبر الماضي، اعتقل عندما كان يبحث عن عمل ليسد به جوعه ورمقه.

"لقد اعتقلت لأنني أسود البشرة، الشرطة لم تستفسرني عن أوراق الإقامة التي لم أكن أتوفر عليها، لم أرد منحهم جواز سفري، لأنهم وبكل بساطة كانوا سيمزقونه كما هو معروف عنهم في هكذا حالات، فبادروني بالقول "عد إلى إفريقيا"، ومن هناك تم اقتيادي نحو السجن"، هكذا قال أحمد ذو الـ15 ربيعا، الذي رأى في الجزائر شتى صنوف العذاب، وقد جرى نقله رفقة مهاجرين آخرين نحو "تامنراست"، حيث ظلوا هناك ثلاث ساعات، ليتم حشرهم بعد ذلك في شاحنات نهبت بهم الطريق إلى وسط الصحراء.

أحمد، قال إنه وعلى بعد 15 كلم من مدينة "آساماكا" في دولة النيجر، تخلت عنهم العناصر العسكرية الجزائرية، وكان مجموعهم نحو 400 شخصا بينهم نساء وأطفال، بعدما أطلقوا النار في الهواء ليرعبوهم حتى يترجلوا من الشاحنات عنوة، وحينها تركوا لهم بعض الطعام فوق الرمال الصحراوية، ثم عادوا من حيث أتوا.

ممارسات جزائرية مقيتة في التعامل مع المهاجرين

ما حدث مع أحمد، هو غيض من فيض الممارسات القميئة التي تؤتيها السلطات الجزائرية في حق مهاجرين أفارقة غادروا بلدانهم بحثا عن الـ"إلدورادو"، فاصطدموا بواقع مرير، إلى أن تم التخلي عنهم من قبل السلطات الجزائرية في النيجر، حيث تعاني منظمات تعنى بأحوالهم على الخصوص في مدينة "آساماكا"، التي غرقت بوفودهم التي جرى التخلي عنها غير بعيد عنها.

"لقد همنا على وجوهنا في الصحراء، وبعدما قطعنا مسافة طويلة، صادفنا شاحنة، أخبرنا سائقها أننا في الطريق نحو مدينة "آساماكا"، والتي بلغناها حوالي الساعة الثانية عشر، لقد كنا خائري القوى فالمشوار صعب، كان البعض يسقط على الرمال من فرط التعب، وكنا نساعدهم على المقاومة، حتى نتجاوز محنة تخلي السلطات الجزائرية عنا وسط الصحراء"، أردف أحمد وهو يحكي تفاصيل ما جابهه من مآسي بسبب النظام الجزائري.

وأضاف أحمد وفق نشرة "Info Migrants"، "في مدينة "آساماكا" تلقفتنا أيادي القائمين على المنظمات التي تعنى بالمهاجرين، وكان من بيننا من قضى 10 سنوات في الجزائر دون أن يشفع له ذلك حتى وجد نفسه مرحلا، ورغم أنني قاصر إلا أنني أخبرت من اعتنوا بنا أنني أبلغ من العمر 18 سنة، حتى لا يتم الاحتفاظ بي لمدة طويلة في النيجر.. فضللنا هناك 10 أيام، ليتم تحويلنا نحو مدينة "آرليت" حيث بقينا شهر وثلاثة أسابيع، وبعدها تم نقلنا إلى "آكاديز" وبعدها "نيامي" التي لا أزال فيها منذ ما يزيد عن الشهر".

"هنا يعتنون بنا، نجد المأكل والمشرب، بخلاف ما عوملنا به في الجزائر.. اتصلت بوالدتي وأخبرتها أنه جرى ترحيلي إلى قلب الصحراء، فتملكها الرعب.. لقد خافت من اختطافي من قبل الإرهابيين الذين يجوبون الصحراء.. وأتذكر كيف أنني لم أخبرها بشيء حينما قررت مغادرة بلدي غينيا في العام 2020، وشريط الأحداث التي عانيتها لا يزال يقض مضجعي"، يحكي أحمد عن لوعته.

السعي لمعانقة المغرب.. وبعبع الجزائر

لقد قتل النظام الجزائري أحلام الفتى أحمد، في معانقة الأفضل ورسم معالم مستقبله بعيدا عن شظف العيش الذي عاناه في بلده غينيا، وجعله يختبر كل أنواع القهر والعذاب في الجزائر التي لم يرحمه حكامها في شيء ورموا به والمئات من أمثاله في جوف الصحراء، ليواجهوا المجهول.

أحمد الذي بالكاد في سنته الخامسة عشر، غادر بلده الأم في 2020، وهو متسلح بالأمل في غد أفضل كان يراه متاحا أمامه في المغرب، الجار الغربي لدولة الجزائر حيث انتهكت كرامته وجرى إذلاله، وكأنه ليس من هذه الأرض "ماما إفريقيا"، لقد حل بالجزائر طمعا في بلوغ التراب المغربي، لكن جرت الرياح بما لم يشتهه، فقرر العودة إلى "كوناكري".

أحمد هذا المهاجر الغيني، كان يمني النفس بأمور شتى منذ غادر موطنه، وأولها بلوغ المغرب والعيش بين ظهراني المغاربة، وبعدها لكل حادث حديث، لكن أمانيه تكسرت عند أقدام عسكر جزائريين أجلاف، لم يرحموه في شيء، وعاملوه بما لا يليق ويمتهن كرامته، فقرر العودة مضطرا إلى بلده وعدم تكرار الكابوس الجزائري الذي راوده كل حين.

آخر الأخبار