لهذه الأسباب تضعف الصراعات داخل الأحزاب الثقة في العمل السياسي

الكاتب : الجريدة24

30 مايو 2019 - 10:15
الخط :

نـتابع منذ أسابيع عبر شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع والجرائد الإخبارية، أنباء عن وصول الأزمة التنظيمية داخل حزب "الأصالة والمعاصرة" إلى مستويات غير مسبوقة بفعل الحرب المستعرة بين أجنحته وتياراته واللوبيات الموجودة داخله.

والواقع أنه رغم تبادل الاتهامات بين الأمين العام ومسانديه من جهة والمعارضين له من جهة ثانية واتخاذ قرارات بتنحية قياديين من مواقع المسؤولية، فإن لا أحد يستوعب أو يفهم السبب الحقيقي وراء هذه الحرب الحزبية التنظيمية، فلا أي طرف من الأطراف المتصارعة أعلن أنه يختلف مع تصور سياسي معين للحزب أو اختلاف في الرؤى وكلما ما نعاينه هو صراع حول الوصول إلى المناصب القيادية في الحزب.

إن هذا الوضع، لا يعاني منه حزب "التراكتور" لوحده وإنما عدة أحزاب سياسية، لا نرى في حروبها الداخلية سوى صراعات حول المواقع أكثر منها اختلافات في التصورات والرؤى. فعندما نتابع مثلا التنافس الانتخابي داخل الأحزاب في البلدان العريقة ديمقراطيا، نجد أنه مرتبط بالاختلاف حول تصورات معينة وكل طرف معين يقدم مشروعه المجتمعي الذي يدافع عليه لأعضاء حزبه، ومن تم تجري عملية التصويت بكل شفافية والفوز يكون من صالح الحاصل على أكبر عدد من الأصوات، وهذا ما نتابعه مثلا في عملية اختيار مرشح الحزب الجمهوري في فرنسا أو الحزب الاشتراكي لخوض الانتخابات الرئاسية.

وللإنصاف فإن عددا من الأحزاب السياسية المغربية عرفت بعض المحاولات في هذا الاتجاه، لكن المخرجات البعدية كانت دائما دون التوقعات، إذ يتجه المنتصر إلى القضاء تنظيميا على المساندين لخصمه، ويعمل على تطويع القوانين والمساطر لصالحه في المستقبل، باستثناء حزب "العدالة والتنمية" الذي تمكن من الحفاظ على توازنه التنظيمي بهذا الشأن ويجري انتخابات داخلية شفافة في كل مؤتمر، رغم الهزات التي أثرت سلبيا عليه منذ مؤتمره الأخير وقسمت الحزب إلى شطرين، ويضاف إليه أيضا  الحزب الاشتراكي الموحد الذي أرسى معالم فلسفة تنظيمية قائمة على التيارات التي يجري التصويت عليها بدلا من الأفراد.

من دون شك فإن هذه الصراعات الحزبية التي لا يرى فيها المواطن سوى صراعا حول المواقع والمسؤوليات والقرب من مراكز القرار، تؤثر سلبا على المشاركة في الحياة السياسية لدى المواطنين. يجب التذكير أن نسبة مشاركة المسجلين في اللوائح الانتخابية خلال كل استحقاق انتخابي لا تتعدى نسبتها النصف، والأرقام المسجلة خلال السنوات الماضية مرشحة للانخفاض خلال الاستحقاقات الانتخابية المقبلة لاعتبارات متعلقة أساسا بالوضع السياسي العام، بما فيه الصراعات داخل الأحزاب السياسية.

ومن المؤشرات التي يمكن اليوم أن نقيس بها عدم مشاركة المواطنين في الفعل السياسي، مثال نسبة مشاركة الشباب في العمل السياسي وهو الفئة العمرية المهيمنة على الهرم السكاني في المغرب، إذ يمثل 40 في المائة من الكتلة الناخبة وفق إحصائيات للمندوبية السامية للتخطيط. دراسة لهذه المؤسسة تؤكد لنا ما يلي: 70 في المائة من الشباب لا يثقون في جدوى العمل السياسي، 5 في المائة يؤمنون بالعمل الحزبي و1 في المائة فقط يزاولون الفعل الحزبي من داخل الهيئات السياسية.

وفي دراسة للمعهد الوطني الديمقراطي، نجد الخلاصة التالية المبنية على مقابلات مباشرة مع شبان وشابات مغاربة: "يشعر الكثير من المغاربة الشباب أن الأحزاب السياسية بعيدة كل البعد عنهم وليس لها مصلحة حقيقية في تمثيل المغاربة، حيث أن المستطلعة آرائهم أبدوا وصفهم السلبي للأحزاب السياسية. وبناء على الأجوبة المحصل عليها، نلاحظ بشكل إدراكهم السلبي لها واضح أن الأحزاب تعاني من أزمة الثقة، حيث اشتكى المشاركون خلال النقاش أن الأحزاب السياسية تختفي مباشرة بعد الانتخابات ولا تفي بالوعود التي قطعتها على نفسها للمواطنين".

إن عدم الانخراط في الفعل السياسي من طرف جزء كبير من المواطنين لا يعني وجود نوع من اللامبالاة، لأن عددا من المؤشرات تؤكد انخراط المواطنين في مبادرات مدنية مواطنة سواء في مجال التحسيس ببعض القضايا أو في مجال الترافع وتقييم السياسات العمومية، وهذا يشير إلى تذمر من الوضع السياسي الحالي.

إن الأحزاب السياسية المغربية لا يجب أن تنفر المواطنين من العمل السياسي بنسبة أكبر ما هي عليه حاليا، وإنما يجب أن تعمل على استقطابهم بشكل أكبر للمشاركة السياسية الواعية والفاعلة. وهذا لن يتأتى إلا بعدد من الإجراءات يجب أن تتخذها تنظيماتنا السياسية.

أولا يجب عليها مراجعة أسلوبها التواصلي مع المواطنين وخطابها السياسي، حتى يتمكن من ملامسة السياسات العمومية ذات الصلة بالاهتمام المباشر للمواطنين. ثانيا يجب الابتعاد عن منطق الصراع الشخصي الفارغ داخل التنظيم وتعويضه بالصراع الحقيقي بين البرامج التي يحملها المرشحون. ثالثا اعتماد مساطر ديمقراطية داخلية حقيقية والاحتكام إلى صناديق الاقتراع في كل المحطات التنظيمية أو في حسم الخلافات الحادة، وفضلا عن ذلك تكريس الاستقلالية في القرار عن مراكز النفوذ.

من دون هذه الثورة التي يجب إحداثها في الحقل الحزبي، فإن المواطن سيظل دائما ينظر إلى الصراعات الحزبية الداخلية باعتبارها حروب صغيرة بين مصالح أشخاص لا تهمه في شيء، وهو ما سيزيد في تكريس العزوف الانتخابي والسياسي ما يهدد المسار الديمقراطي ككل.

آخر الأخبار