مفتاح: هذه كواليس أكبر محاكمة قمت بتغطيتها خلال شهر رمضان للكوميسير ثابت

الكاتب : الجريدة24

25 مارس 2023 - 11:00
الخط :

من الأسماء الصحفية التي تضيء سماء الإعلام المغربي، الأستاذ نور الدين مفتاح، الغني عن التعريف، مدير نشر أسبوعية الأيام التي تتصدر المشهد الإعلامي المكتوب  بالمغرب ورئيس الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، ارتأينا أن نستضيفه في هذه الزاوية، ليميط اللثام عن تاريخ الصحافة المكتوبة بالمغرب، ويكشف ما خفي  للأجيال اللاحقة بمهنة المتاعب في حلقات..

حدثنا عن بدايتك في عالم الصحافة؟

تخرجت من المعهد العالي للصحافة بالرباط سنة 1987، بعد ان ولجت لهذا المعهد كيغيري من أبناء جيلي ممن كانوا يطمحون إلى دخول غمار صاحبة الجلالة من باب التكوين وليس فقط كهواية.

قضيت أربع سنوات في المعهد اجتزتها بنجاح، وبحكم أن تلك الفترة كان إلزاما علينا أداء الخدمة المدنية بعد التخرج، فقد التحقت بوزارة الاتصال التي قضيت بها مدة سنوات.

لكن مساري الوظيفي سيصطدم بصخرة رئيسي في العمل الذي عمل على طردي بسبب تعاملي مع جريدة الاتحاد الاشتراكي الذائعة الصيت في تلك الفترة.

بعد هذه الواقعة كنت مضطرا أن التحق بهيئة تحرير جريدة الاتحاد الاشتراكي الناطقة باسم حزب يساري معارض كان لها صيتها في تلك الفترة بحكم تربعها على رأس الجرائد اليومية الأكثر مبيعا بالمغرب، وكان العاملون فيها أغلبيتهم مناضلون داخل الحزب.

التحاقي بجريدة الاتحاد كان له طعم خاص حيث عملت على توظيف ما تعلمته في المعهد والاشتغال وفق مقاربة مهنية صرفة بتوظيف الأجناس الخبرية الكبرى  والتحقيق الصحفي والعمل الميداني، هذه القيمة المضافة التي حملتها معي كان لها الأثر البارز على الجريدة الحزبية الذائعة الانتشار آنذاك.

بروزك المهني في رحاب صاحبة الجلالة وداخل جريدة الاتحاد كان من خلال تغطيتك لأشهر محاكمة عرفها المغرب بداية التسعينات وهي محاكمة الكومسير الشهير ثابث الذي أدين بالإعدام في جرائم اغتصاب جنسية، هل تطلعنا عن كواليس تلك التغطيات الصحفية؟

التحاقي بجريدة الاتحاد الاشتراكي تزامن مع إرادة الدولة ورغبة الملك الراحل الحسن الثاني بتحقيق انفتاح سياسي والتهييئ لتناوب سياسي بالتعاون مع أحزاب المعارضة في تلك الفترة المشكلة من أحزاب الكتلة، الاتحاد الاشتراكي حزب الاستقلال التقدم والاشتراكية ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي.

وأسست في هذه الفترة القناة الثانية التي أعطيت لها هامش من الحرية ولمس من خلالها عموم المغاربة والمتتبعين نوعا من التغيير في الإعلام السمعي البصري الشبه عمومي.

في تلك الفترة وانا ضمن طاقم هيئة تحرير جريدة الاتحاد كنت أشارك بين الفينة والأخرى في بعض البرامج التلفزيونية التي كنت اعبر فيها بحماسة الشباب تخص بعض القضايا الآنية في تلك الفترة.

وتعرف علي الجمهور القارئ من خلال بعض التحقيقات التي قمت بها، في منطقة تازممارت وغيرها من المواضيع التي كانت تشغل الرأي العام في تلك الفترة.

ارتبط اسمك اكثر بتغطية محاكمة الكومسير ثابث، هل لك ان تضعنا في قلب تفاصيل هذه المحاكمة؟

بصفتي متخصصا في التحقيقات والربورطاجات الميدانية وقضايا المجتمع في الاتحاد، وكان زميلي الصحفي الهادن الصغير هو المختص في قضايا المحاكم بالجريدة.

عندما تفجرت قضية تابت اعتذر زميلي الهادن الصغير عن مواكبة القضية داخل المحكمة لأسباب شخصية وعائلية وكلفت أنا بتغطية المحاكمة.

وكان آنذاك السي محمد البريني هو الذي يسود ويحكم داخل الجريدة، وقضيت مدة 45 يوما في ردهات محكمة الاستئناف بالدار البيضاء. منها قرابة 30 يوما من شهر رمضان.

كل توابل قضية رأي عام توفرت في فضيحة تابت، باعتباره رجل سلطة كومسير للاستعلامات ومسؤول عن شعبة أمنية مثيرة في أكبر مدينة وهي الدار البيضاء، ومن الصدف انه كان مسؤولا امنيا في المنطقة التي يتواجد بها مقر جريدة الاتحاد الاشتراكي.

القضية كانت تتعلق باغتصاب أكثر من 500 امرأة  والاغتصاب كان مصورا ، موثقا بالفيديو وما رشح عن القضية كان أغرب من الخيال.

حرصنا في تغطيتنا للفضيحة حول بعض الجوانب القاسية لعمليات الاغتصاب كمثال أن يضع رجل امرأة عارية على بطنها وفوقها بنتها وفوقها خالة الطفلة وفي نفس كان يمارس عليهن الجنس جميعا مع تصوريهن.

ناهيك عن عمليات افتضاض البكارات تحت الصراخ، ومضاجعة المرأة وهي تتغوط فوق السرير.. كل هذا عرفناه من خلال هذه الفضيحة

كنا ندخل للمحكمة  وهي غاصة بالجماهير ومطوقة بشتى أنواع الفرق الأمنية والدرك الملكي.

المحاكمة شدت انتباه مئات المحامين وكان يترأسها قاضي معروف وهو القاضي لحسن الطلفي الذي نظر في أشهر القضايا التي عرفتها مدينة الدار البيضاء ومنها قضايا السلفية الجهاية والمتورطين في احداث 16 ماي.

كانت المحاكمة تبتدئ في صباح رمضان عبر الاستماع للمتهمين حيث قدم الى جانبها عدد من المسؤولين الامنيين بما فيهم رؤسائه في العمل الذين كانوا يدارون عليه فضائحه.

المحاكمة كانت تنطلق منذ الصباح وتتوقف مع اذان المغرب حيث نتناول وجبة الإفطار وننال استراحة خفيفة ثم نعود للمحكمة في الليل وتستمر الجلسات إلى  قبيل الفجر.

كنت اذهب للجريدة في الصباح الباكر بعد ان كنت  خلدت سويعات من النوم، وأحرر مقالي يدويا بسرعة وأسلمه لغرفة الرقن بالجريدة ثم أهرول مسرعا نحو المحكمة لتتبع مجريات المحاكمة.

وكان مقالي الذي ينشر يتناول ما جرى في الليلة الماضية.

عملية التحرير نستعين فيها ببقايا اوراق طبع الجريدة وقلم بيك الشهير.

التغطية الصحيفة كانت عبارة عن التقرير الربورطاج الذي يدرس في معاهد الصحافة فيه وصف دقيق مجريات المحاكمة، كما كنت احصل على سبق صحفي بين الفينة والأخرى.

وكنت استعين بعدد من المصادر داخل المحكمة، على ان ما كان يروج داخل الجلسة كان يغني عن الحصول عن المزيد من المعطيات.

هل لك ان تحكي لنا عن بعض الطرائف التي كانت تحصل خلال المحاكمة؟

اسسنا شبه تنسيق بين الصحافيين الذين كانوا يغطون المحاكمة، بعد ان فوجئنا بوضع كاميرا للقناة الاولى كانت تنقل مجريات المحاكمة أولا بأول حيث احتججنا كصحفيين عن وضع تلك الكاميرا. واستجيب لاحتجاجنا.

كان هناك تواصل مباشر مع رئيس المحكمة قصد تسهيل مواكبتنا للجلسات

في بداية المحاكمة كان الكومسير ثابت يدخل القاعة وهو منتشي مرفوع القامة غير ابه بالتهم الموجهة اليه يضحك ويتبسم متحديا الجميع

ولكن بعد تقدم الجلسات وتعددها وعرض الفيديوهات بدا الكومسير ينهار.

وحدثت ماساة خلال اطوار المحاكمة عندما بلغ الى علمنا وفاة احد المسؤولين الأمنيين المتابعين في الملف الذي قضى في السجن.

وكان يتابع معنا أطوار المحاكمة شقيق الكومسير البقالي الذي توفي في السجن وهو ضابط سامي في المؤسسة العسكرية انذاك.

من الأمور المريبة التي أتذكرها لحظة إحضار الضحايا الذين اجبرن على اخفاء ملامحهن حفاظا على خصوصيتهن، حيث سردن امامنا فضائع وأهوال وحكايات الاغتصاب.

اذكر أيضا انه حضر معنا أطوار المحاكمة الصحافي المخضرم الراحل محمد باهي رحمة الله عليه الذي اقتراح عليه الرئيس الجزائر الراحل الهواري بومدين ان يكون رئيسا لجبهة البوليساريو.

ومحمد باهي كان بمثابة حسنين هيكل الصحافة المغاربة في تلك الفترة.

المحاكمة شدت انتباه الصحافة الوطنية والدولية  وجسدت قمة عطاء وشيوع الصحافة الورقية.

...يتبع

آخر الأخبار