مغرب ما قبل الاستعمار بعيون جاسوس فرنسي/ الحلقة 25

الكاتب : الجريدة24

06 أبريل 2024 - 11:00
الخط :

أمينة المستاري

استفاق فريديريك على زقزقة العصافير وهدوء غير عادي، وعلم الجاسوس أن المهاجمين  أخلوا المدينة وتراجعوا إلى ما وراء جبل زلاغ ووادي سبو بعد الخسائر التي تكبدوها )  1000قتيل)، وتحولت باب الكيسة إلى به مقبرة لقتلى القبائل المهاجمة.

كان المتمردون يحاصرون المدينة بجهتي الشمال والغرب، وشكلوا معسكرات بقيادة الشريف سيدي محمد الحجامي، وتنوعت العصابات التي تجوب سهل سايس وتسلب القوافل وتقتل الحراس...

بعد وصول الجنرال ليوطي، قام بالاتصال بالسلطات والأعيان والباشوات والعلماء والقضاة...وتمكن من إعادة ثقة السكان في الفرنسيين الذي تمكنوا من تحقيق الهدوء داخل المدينة، فيما استمر الاضطراب خارجها خاصة الشمال الذي أعلن الجهاد ضد الكفار.

في 1 يوليوز، اجتمعت قرات فرنسية في باب فتوح وتوجهت ناحية الشرق بقيادة الكولونيل كورو، اخترقت قنطرة وادي بوخرارب "بن طاطو" وواجهت أول فرق المهاجمين لتبدأ المعركة، وتمكن من دفع القبائل المتمردة والتقدم نحو الجهة الشمالية الشرقية، وتمكن الرماة من تشتيت المهاجمين وبلوغ معسكر الحجامي.

وقعت فوضى وفر المهاجمون تاركين الخيام والمؤن والقذائف ولاذوا بالفرار إلى المترفعات الجبلية في قنصرة وبورديم. وجد الجنود أوراقا بها أمر بمهاجمة فاس وزعت مهام كل قبيلة ونطاق هجومها، لم يخرج الجنود من المعسكر حتى أضرموا النار فيه، وعاد الرتل إلى الجهة الجنوبية الغربية، وعند وصوله إلى أعالي سيدي شافع أقام معسكره، وعمل على دفعه المهاجمين عن زلاغ، ثم سلك نفس الممرات التي كان القبائل قد انتشرت بها قبل أيام، وعاد الرتل إلى فاس بعد أن فقد 10 قتلى من جنوده وجرح منهم 28 جنديا من بينهم 4 ضباط، وعند وصولهم المدينة وجدوا في استقبالهم الجنرال ليوطي الكولونيل كورو لتهنئتهم، بعد تحقيق الأهداف المتوخاة وإخماد نار التمرد، لتعود فاس إلى حياتها العادية.

في 6 يونيو رحل السلطان عن فاس تاركا أخاه مولاي يوسف، كما رحل السيد رينو نحو طنجة ومنه إلى فرنسا.

أما الجنرال ليوطي فقد ركز على تشكيل نواة القوات المساعدة المغربية من بقايا الحامية المخزنية المسرحة وممن لم يشاركوا في التمرد، وتم قبلوهم للقتال إلى جانب الجنود الفرنسيين، وتم اتخاذ إجراءات لحماية فاس من هجومات أخرى، وتثبيت سلطة المخزن.

اعتمد ليوطي على التقرب من أهل فاس، فأسقط الغرامة عنهم وبعض الضرائب غير الشرعية، وعمل نظام الحماية على احترام الدين والعادات...ولم تشكل هذه السياسة باقي المدن التي ظلت تعتبر الفرنسيين أعداء.

تمرد الهيبة

في فاتح يوليوز 1912، صادق مجلس النواب الفرنسي على معاهدة المحلة، بعد أن تم إخضاع جهات تابعة لفاس ومكناس، وتمكن ليوطي من ضم أهل فاس إلى جانبه، فيما ظل جبالة والبرانس فقد اتحدوا ضد الفرنسيين، لكن رؤساء القبائل لم يكونوا على وفاق ولا يرضى الواحد بالائتمار بأوامر الآخر، لكنهم أمام ليوطي كانوا يتحدون ويقاتلون من أجل الفوز بالجنة.

كانت قبائل السهول الساحلية تتخبط في فوضى، باستثناء الشاوية، وكانت تحاولة التزود بالسلاح والخيل، أما قبائل الحوز فكانت متنازعة متطاحنة خاصة بين كلاوة والمتوكي، أما من ساحل أزمور إلى المهدية وناحية فاس ومكناس فكانت فرنسا تمسك بزمام الأمور هناك.

كانت القوات المتواجدة غير كافية لضمان الأمن في المناطق المحتلة، والشروع في إعادة التنظيم السياسي والاقتصادي في مجال ترابي يمتد من حدود المنطقة الإسبانية حتى وادي أم الربيع ومن المحيط الأطلسي إلى سفوح الأطلس المتوسط.

عسكر المقيم العام في فاس مؤقتا، وفيما تم تكليف الجنرال موانيي بتأمين الاتصالات بالساحل، أما الجنوب فكان يقتصر على العمل عن بعد عن طريق تسخير القياد وتوحيد مصالحهم مع مصالح المستعمر. في وقت كانت الأوضاع متأججة في سوس بعد أن نجح أحمد الهيبة في خلق موجة عداء ضد الكفار، يقول فريديريك في مذكراته الشخصية.

وأحمد الهيبة هو رابع أبناء الولي ماء العينين الذي يتحدر من تيكنة بالصحراء، والذي قام الجنرال كورو بطرده إلى تخوم موريطانيا، فانتقل من السمارة إلى تيزنيت، وكانت له هيبته وتنسب له خوارق، كان يحضى باستقبال من طرف السلطان الذي يغدق عليه بالهدايا، وعند وفاته سنة 1911 انتقلت بركته لابنه أحمد البالغ 35 من عمره، فكان ذكيا مهابا ذا نفوذ، لكن مع إعلان الحماية أعلن نفسه سلطانا على تيزنيت وبايعته القبائل واعتبرته "المهدي" و" مول الوقت" الذي دعا إلى الجهاد ضد المستعمر والمخزن.

غادر الهيبة تزنيت في يوليوز متوجها نحو الشمال، وتوجس المحتل وقوع أحداث مزلزلة تقوم على العصبية، لكن ليوطي كان يتحكم في العصا، كما جاء في مذركرات فريديريك وايسجربر.

تلقى القائد فيرلي الأمر بالتوجه لمفاوضة الكلاوي والمتوكي والكندافي لاعتراض طريق الهيبة والحيلولة دون عبوره للأطلس، وأوكل الجنرال للجاسوس الفرنسي الذهاب للتفاهم مع سي عيسى بن عمر قائد عبدة حتى لا تعود قبائل المناطق الساحلية إلى العصيان وهي ما سميت ب"سياسة القياد العظام".

آخر الأخبار