بين الخبرة والطموح.. بورتريه شامل للوزراء الجدد في حكومة أخنوش الثانية
في يوم حاسم ومليء بالتوقعات، استقبل القصر الملكي بالرباط مجموعة من الأسماء اللامعة في مشهد سياسي جديد يهدف إلى إحداث تحولات عميقة في قطاعات أساسية بالمغرب.
هذه الشخصيات التي تم تعيينها ضمن التعديل الوزاري لحكومة عزيز أخنوش تأتي من خلفيات مهنية متنوعة، وتمتلك خبرات استثنائية تجعلها في موقع القيادة للتعامل مع التحديات الكبرى التي تواجه البلاد.
على رأس هذه الشخصيات تقف أمل الفلاح السغروشني، الخبيرة البارزة في مجال الذكاء الاصطناعي، التي قادت بجرأة ودقة مجالات التحول الرقمي في المغرب.
تعيين السغروشني كوزيرة منتدبة مكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، خلفا لغيثة مزور، لم يكن مجرد صدفة، بل تتويج لمسار حافل بالإنجازات.
خبرتها الطويلة التي تمتد لسنوات من العمل الأكاديمي والبحث العلمي في مؤسسات عالمية مرموقة، كجامعة السوربون حيث تعمل أستاذة، إلى جانب دورها كرئيسة تنفيذية للمركز الدولي للذكاء الاصطناعي في المغرب، جعلتها إحدى الشخصيات الرائدة والمرجعية في مجال تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي.
ما يميز السغروشني هو قدرتها على الجمع بين الرؤية الاستراتيجية والفهم العميق للتكنولوجيا الحديثة، مما يؤهلها لقيادة مرحلة جديدة من التحول الرقمي في المغرب.
ولا تتوقف مسيرة السغروشني، عند الأبحاث الأكاديمية والنشر العلمي، بل تتعداها إلى تحقيق إنجازات ملموسة على الأرض.
حصولها على جائزة "Berkeley World Business Analytics" لعام 2021 كأفضل امرأة في القارة الإفريقية يعكس اعترافًا دوليًا بقدراتها في مجالي الأعمال والتحليل الرقمي.
هذه الجائزة ليست مجرد تكريم، بل شهادة على التزامها بتطوير حلول مبتكرة تعزز من مكانة المغرب في الساحة العالمية، وخاصة في مجال التحول الرقمي الذي بات يشكل ركيزة أساسية في التنمية الاقتصادية.
إلى جانب السغروشني، يبرز اسم أمين التهراوي الذي تم تعيينه وزيرًا للصحة والحماية الاجتماعية، خلفا لخالد آيت الطالب.
من العمل في مجموعة "أكسال" إلى إدارة شركة "أمازين"، مرورا بتجربته في وزارة الزراعة، جمع التهراوي بين الخبرة في القطاعين العام والخاص.
التهراوي، الذي بدأ مسيرته المهنية في قطاع البنوك الاستثمارية، يمتلك فهماً عميقاً للأسواق المالية والاقتصادية، وهو ما قد يشكل عاملاً محوريًا في إدارته للقطاع الصحي.
فالقطاع لا يتطلب فقط خططًا صحية فعالة، بل يحتاج إلى إدارة ذكية للموارد والتمويلات، وهو ما يمكن للتهراوي تحقيقه بفضل خبرته الواسعة في الإدارة المالية.
كذلك، يظهر في الصورة كريم زيدان، الذي تم تعيينه وزيرًا منتدبًا مكلفًا بالاستثمار والتقائية وتقييم السياسات.
زيدان، الذي نشأ في سوق الأربعاء وأتم تعليمه في الهندسة الميكانيكية في ألمانيا، يمثل نموذجًا حيًا للكفاءة المغربية في الخارج.
مسيرته المهنية في شركات عالمية كبرى مثل "بي إم دبليو"، وخبرته الواسعة في مجال الهندسة الميكانيكية، جعلاه شخصية محورية في تعزيز التعاون بين المغرب وألمانيا، وهو ما يتجلى في رئاسته لشبكة الكفاءات الألمانية المغربية (DMK).
زيدان لم يقتصر دوره على تحقيق النجاحات الشخصية فقط، بل سعى إلى توظيف خبراته لتعزيز فرص الاستثمار في المغرب، وخاصة من خلال دوره في الوساطة بين الكفاءات المغربية في الخارج والاقتصاد الوطني.
تعيينه في الحكومة يأتي كجزء من رؤية استراتيجية لتعزيز الاستثمارات الأجنبية وتطوير الصناعات الوطنية.
في ميدان النقل واللوجستيك، يأتي عبد الصمد قيوح، الوزير الجديد الذي تولى هذا القطاع الحيوي بعد مسيرة سياسية طويلة.
ويتسلح قيوح، الذي ينحدر من عائلة سياسية مرموقة في منطقة سوس ماسة، بخبرة واسعة في المجال السياسي.
على الجانب الآخر، يبقى تعيين محمد سعد برادة في منصب وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة مثيرًا للجدل.
برادة، الذي يأتي من خلفية اقتصادية وصناعية قوية، يُعد من رجال الأعمال البارزين في المغرب، حيث حاصل على شهادة من مدرسة القناطر والطرق في باريس، إحدى أبرز المؤسسات الأكاديمية في الهندسة.
نجاحاته في إدارة شركات مثل "ميشوك" و"فارما بروم"، واستثماراته في قطاع الصناعات الغذائية والأشغال العمومية، وضعته على قمة هرم الأعمال في المغرب.
كما يمتلك شركة للأشغال العمومية مدرجة في البورصة المغربية، مما يجعله شخصية بارزة في المجال الاقتصادي.
لكن السؤال الذي يطرحه الجميع هو: هل يتمكن برادة من نقل هذا النجاح إلى قطاع التعليم الذي يواجه تحديات بنيوية كبيرة؟
برادة يواجه اختبارًا حقيقيًا في هذا القطاع، حيث تتطلب مشاكله نهجًا شاملًا وإصلاحات جذرية.
هل سيتمكن من استخدام خبراته في الإدارة لتحسين جودة التعليم وتطوير المناهج الدراسية؟ الإجابة على هذا السؤال ستتوقف على قدرته على التكيف مع المتطلبات الفريدة لهذا القطاع، وهو أمر سيتابعه المغاربة عن كثب في الأشهر المقبلة.
فيما يعتبر أحمد البواري، الذي تم تعيينه وزيرًا للفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، خلفا لمحمد الصديقي، يعتبر من الشخصيات البارزة في الإدارة المغربية.
بفضل خبرته كمدير للري وإعداد المجال الفلاحي بوزارة الفلاحة، يمتلك البواري معرفة عميقة بتحديات القطاع الفلاحي في المغرب.
هذه الخبرة ستتيح له قيادة جهود التنمية القروية وتحسين الإنتاجية الزراعية في ظل التحديات المناخية والبيئية التي تواجه المملكة.
إلى جانب هؤلاء، تأتي نعيمة بنيحيى كوزيرة جديدة للتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، وهي شخصية تتمتع بخبرة طويلة في المجال الاجتماعي، خلفا لعواطف حيار.
وتتميز بنيحيى بمسيرتها في خدمة قضايا المرأة والطفل، والتي تعكس التزامها الثابت بالعدالة الاجتماعية والمساواة.
ولدت نعيمة بنيحيى في بيئة تعزز من قيم التعليم والعمل، مما مهد لها الطريق للانخراط في العمل القانوني والسياسي.
كحائزة على شهادة في الحقوق، بدأت مسيرتها المهنية كمحامية، حيث اكتسبت سمعة قوية في الدفاع عن حقوق النساء والأطفال، مما جعلها واحدة من الأصوات الرائدة في هذا المجال.
خلال عام 2006، عُيّنت مديرة لشؤون المرأة والأسرة والطفولة، حيث عملت على تطوير السياسات العامة التي تعزز حقوق هذه الفئات.
في هذا الدور، قادت مبادرات عديدة تستهدف تحسين الظروف المعيشية للنساء والأطفال، وبرزت كحلقة وصل بين الحكومة والمجتمع المدني، مما زاد من فاعلية تنفيذ البرامج الحكومية.
بفضل مهاراتها الإدارية والسياسية، انتُخبت نعيمة بنيحيى في عام 2011 كعضو في مجلس النواب، حيث تمثل حزب الاستقلال.
خلال فترة وجودها في المجلس، شغلت عضوية لجنة القطاعات الاجتماعية، حيث كانت لها مساهمات ملموسة في صياغة التشريعات المتعلقة بالتضامن الاجتماعي وتطوير برامج الدعم للفئات الهشة.
ولعل أبرز إنجازاتها هو توليها رئاسة لجنة المناصفة والمساواة بالمجلس، حيث ساهمت في تعزيز حقوق النساء في التشريعات المغربية، كما لعبت دورًا فعالًا في النهوض بقضايا المساواة بين الجنسين.
الآن، ومع توليها وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، تواجه نعيمة بنيحيى مسؤولية كبيرة.
في وقت تتزايد فيه التحديات الاجتماعية، عليها أن تضع استراتيجيات فعالة لمواجهة قضايا مثل النهوض بأوضاع ذويالاحتياجات الخاصة، وخلق التوازن الأسري، وإنهاء إشكالية العنف ضد النساء، وغيرها من الملفات.
أخيرًا، يظهر عز الدين الميداوي، الوزير الجديد للتعليم العالي، كقائد مهم في هذه المرحلة الحاسمة.
عز الدين الميداوي ليس غريبًا عن عالم التعليم العالي، فقد شغل منصب رئيس جامعة ابن طفيل بالقنيطرة بين عامي 2014 و2022، حيث لعب دورًا محوريًا في تطوير هذه المؤسسة.
تحت قيادته، شهدت الجامعة تقدمًا ملحوظًا في عدة مجالات، بما في ذلك تعزيز البحث العلمي وتحسين البنية التحتية التعليمية، مما جعلها واحدة من المؤسسات الرائدة في المغرب.
وعُرف الميداوي أيضًا بنشاطه الأكاديمي والتعليمي، حيث شغل العديد من المناصب الهامة، منها رئاسة مؤتمر رؤساء الجامعات منذ عام 2015.
تلك المناصب سمحت له بمد جسور التعاون بين الجامعات المغربية وتبادل الخبرات، وهو ما يسعى لتحقيقه كوزير للتعليم العالي.
في مجال البحث العلمي، يتمتع الميداوي بخبرة كبيرة كونه عضوًا في الأكاديمية الأوروبية للعلوم والفنون والآداب منذ عام 2015.
هذه العضوية تعكس تقدير المجتمع الأكاديمي له، وتفتح أمامه أبواب التعاون مع أكاديميين عالميين، مما قد يسهم في رفع مستوى البحث العلمي في المغرب.
وبالإضافة إلى ذلك، يعتبر الميداوي أحد الأعضاء الفاعلين في المجلس الأعلى للتعليم والبحث العلمي منذ عام 2014، حيث عمل على صياغة استراتيجيات تهدف إلى تطوير التعليم في المملكة.
وتميز الميداوي أيضًا بحصوله على العديد من الجوائز الوطنية والدولية، بما في ذلك جائزة "الشراكة بين الجامعة وقطاع الأعمال" التي قدمتها وزارة التعليم العالي سنة 2008.
وتعكس هذه الجوائز التزامه بتعزيز التعاون بين التعليم العالي والقطاعات الاقتصادية، وهو أمر بالغ الأهمية في عصر تتسارع فيه وتيرة التغيرات الاقتصادية والتكنولوجية.
ويواجه الميداوي، تحديات كبيرة في قطاع التعليم العالي، وخاصة أزمة طلبة الطب.
تعيينه يأتي في وقت يحتاج فيه النظام الجامعي إلى إصلاحات جوهرية لتعزيز جودة التعليم والبحث العلمي.
هذه الشخصيات الجديدة في حكومة أخنوش تحمل معها طموحات كبيرة، ولكنها تواجه أيضًا تحديات هائلة.
نجاحهم أو فشلهم في تحقيق الأهداف المرجوة سيحدد مسار المغرب في السنوات القادمة، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تتطلب حلولًا جريئة واستراتيجيات محكمة.