مشروع قانون المالية 2025.. اعتراف حكومي بالغلاء وتصاعد المطالب لتخفيف الأعباء عن المغاربة
في قلب النقاش البرلماني حول مشروع قانون المالية لسنة 2025، تتوالى الدعوات لإيجاد حلول عاجلة للأزمات التي تعصف بالمواطن المغربي، خاصة تلك التي تؤثر على قدرته الشرائية.
وتحت قبة البرلمان، تتصاعد الضغوط على الحكومة لتقديم خطوات ملموسة تحد من الغلاء المتزايد في أسعار الأدوية وتكاليف الحياة اليومية، وسط وعود بإصلاحات واسعة من شأنها أن تخفف عن المواطنين عبء هذه التحديات.
في جلسة ساخنة، كشف الوزير المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، عن وجود تفاوت كبير بين أسعار الأدوية في المغرب وتلك الموجودة في الأسواق العالمية. بعض الأدوية تُباع محليًا بثلاثة إلى أربعة أضعاف أسعارها الأصلية، مما يعزز الشعور بالاستياء لدى المواطنين الذين يجدون أنفسهم عاجزين عن تلبية احتياجاتهم الصحية.
وشدد لقجع، أن الأدوية التي يتم تصنيعها جزئيًا في المغرب يجب أن تباع بأسعار تتناسب مع تلك العالمية، لكنه أقر بأن السوق المحلي لا يزال يواجه تحديات كبيرة في تغطية الاحتياجات الدوائية بشكل كافٍ.
الحديث لم يتوقف عند الأدوية فقط، حيث أشار النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية، مصطفى الإبراهيمي إلى أن الأدوية تمثل ما بين 30 و40 في المئة من تكاليف التغطية الصحية، وهي نسبة كبيرة تضغط على المواطن المغربي وعلى ميزانية الدولة على حد سواء.
الإبراهيمي دعا إلى إعادة النظر في آليات تسعير الأدوية، مشيرًا إلى أن الأسعار الحالية لا تعكس الواقع العالمي، بل تستند إلى نظام تسعير محلي يساهم في رفع الأثمان بشكل غير مبرر، مما يستدعي تشريعات جديدة تسمح بتوسيع الإنتاج المحلي وتقلل من الاعتماد على الاستيراد.
وفي حين تحاول الحكومة إيجاد توازن بين دعم الصناعة المحلية وفتح باب الاستيراد لزيادة التنافسية، يظل التحدي الكبير هو حماية المستهلك المغربي من الأسعار المبالغ فيها، سواء في المنتجات المحلية أو المستوردة.
لقجع أكد أن بعض الأدوية المستوردة تُباع في الصيدليات بأثمان تصل إلى 70 أو 80 درهمًا، رغم أن تكلفتها الأصلية لا تتجاوز 10 دراهم، مما يوضح الفجوة الكبيرة بين الأسعار الأصلية وتلك المفروضة على المواطن.
التحديات لا تقتصر على قطاع الصحة وحده، بل تشمل أيضًا مسألة الإعفاءات الضريبية للجمعيات الخيرية.
وأشار لقجع إلى أن بعض الجمعيات تستغل هذه الإعفاءات لأغراض تجارية، مما دفع الحكومة إلى مراجعة القوانين والتشريعات المتعلقة بهذا المجال لضمان أن تكون الإعفاءات موجهة فقط للجمعيات ذات المنفعة العامة.
ودعا عبد الرحيم شهيد، رئيس الفريق الاشتراكي المعارض، أن هذا الدعم يجب أن يُوجّه للأطراف التي تحتاجه فعلاً وتقدم خدمات مباشرة للمواطنين.
مؤكدا، أن بعض الجمعيات لا تتمتع بالإعفاء وتضطر للجوء لجمعيات بالرباط أو غيرها، وهذا قاتل للعمل المدني.
وعلى صعيد آخر، برزت قضية فرض الضرائب على السجائر الإلكترونية ضمن مشروع قانون المالية لعام 2025.
ورفض لقجع اقتراحات المعارضة لرفع الضريبة على السجائر الإلكترونية غير القابلة للتعبئة، موضحاً أن فرض ضرائب عالية قد ينعش التهريب ويزيد من انتشار المنتجات غير المصرح بها في السوق المحلية.
وأشار إلى أن الهدف من التضريب ليس فقط تقليل انتشار هذه المنتجات، بل هو جزء من استراتيجية متكاملة لمكافحة الظاهرة، حيث تتزايد مخاوف المسؤولين من انتشارها بين الشباب والمراهقين، مما يدعو إلى حماية الفئات الصغرى من هذا الخطر الداهم.
وفي قطاع الأغذية، ناقشت النائبة البرلمانية نبيلة منيب من الحزب الاشتراكي الموحد مشكلة الاستيراد المفرط للأحشاء المجمدة، مؤكدة أنها تشكل خطراً صحياً على المواطنين بسبب احتوائها على مواد غير مغذية وتؤثر سلباً على الأمن الغذائي الوطني.
وحثت على النظر في الحلول التي تحافظ على صحة المغاربة، مشيرة إلى أن هذه الأحشاء يمكن استخدامها كعلف لتغذية الحيوانات بدلاً من تقديمها كطعام للبشر.
كما شملت النقاشات قضية تربية الماشية، حيث أقر لقجع بأن ارتفاع أسعار الأعلاف بسبب توالي سنوات الجفاف دفع العديد من الأسر، خاصة في المناطق القروية مثل إقليم طاطا، إلى التخلي عن تربية المواشي، مما يؤدي إلى انخفاض أعداد القطيع وتفاقم أزمة اللحوم الحمراء.
ويعتبر النواب أن الحفاظ على القطيع الوطني يتطلب تدابير مستعجلة، منها الحد من ذبح النعاج والعجول الحوامل، وتنظيم عملية الذبح بشكل أكثر صرامة للحفاظ على استقرار السوق المحلي من حيث الكميات المتاحة والأسعار.
وفيما يتعلق بمشكلة ارتفاع أسعار الأغنام في عيد الأضحى، اعترف لقجع بفشل تجربة دعم استيراد الأغنام، والتي كانت تهدف إلى تلبية الطلب خلال الموسم بأسعار معقولة، حيث استمر ارتفاع الأسعار رغم الدعم المقدم.
ويعزو النواب هذا الفشل إلى عدم تحقيق الهدف الأساسي من السيادة الغذائية والاكتفاء الذاتي، مشيرين إلى أن حل المشكلة يكمن في تعزيز الإنتاج المحلي عوض الاعتماد على الاستيراد.
في ظل هذه التحديات المتزايدة، يبدو أن الحكومة تواجه ضغطاً شعبياً وسياسياً للتوصل إلى حلول جذرية وعملية لتحسين القدرة الشرائية وضمان استقرار الأسعار وتعزيز الإنتاج المحلي.