البصمات الجينية تشعل الجدل في البرلمان.. هل هي سلاح للعدالة أم خطر على الخصوصية؟

في أروقة البرلمان، احتدم النقاش حول استخدام البصمات البيولوجية والجينية في التحقيقات الجنائية، حيث تصاعدت المخاوف بشأن تأثير هذه الإجراءات على الحقوق الفردية وخصوصية المواطنين.
النواب، بمختلف توجهاتهم السياسية، عبّروا عن قلقهم من احتمال استغلال هذه المعطيات الحيوية لأغراض غير مشروعة أو استخدامها دون وجود ضوابط قانونية واضحة، فيما حاول وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، تهدئة هذه المخاوف، مؤكداً أن المسألة تخضع لمعايير قانونية صارمة.
وتركز النقاش حول المادة 49 من مشروع قانون المسطرة الجنائية، التي تتيح للوكيل العام للملك إمكانية الاستعانة بالخبراء لإجراء تحاليل جينية للمشتبه فيهم عند توفر قرائن تدل على تورطهم في الجرائم.
هذه المادة أثارت اليوم الثلاثاء خلال أشغال الجلسة ردود فعل متباينة، حيث رأى بعض النواب أنها خطوة ضرورية لتعزيز العدالة والكشف عن الجناة، بينما حذر آخرون من خطر التوسع في استخدامها بشكل قد يمس بحرمة الأفراد.
أحد أبرز المعارضين لهذه المادة، النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية عبد الله بووانو، أبدى تخوفه من غياب إطار قانوني صارم ينظم عملية جمع وتخزين البيانات الجينية، مشيراً إلى أن التجارب السابقة أثبتت أن بعض الأجهزة الأمنية قد تتجاوز حدودها عند التعامل مع المعطيات الشخصية.
وأوضح أن الدول المتقدمة التي تعتمد على هذه التقنية تمتلك قوانين صارمة تحكم استخدامها، بينما يظل الوضع في المغرب غير واضح، مما قد يفتح الباب أمام انتهاكات غير مبررة.
على الجانب الآخر، دافع النائب البرلماني عن حزب التجمع الوطني للأحرار سعد بنمبارك عن هذا الإجراء، مشيراً إلى أن التشريعات الدولية، مثل اتفاقية بودابست، توفر إطاراً قانونياً لاستخدام البصمات الجينية في التحقيقات الجنائية، معتبراً أن المغرب ليس بدعة في هذا المجال.
وأكد أن الحفاظ على هذه البيانات يجب أن يكون مقيداً بمعايير دقيقة، بحيث يتم الاحتفاظ بها في حالة الإدانة فقط، بينما يتم إتلافها في حال ثبوت البراءة، وهو ما يتطلب شفافية وإشرافاً قضائياً صارماً.
الجدل لم يتوقف عند هذه النقطة، بل امتد ليشمل مسألة الجهات المخولة بإجراء التحاليل الجينية، حيث تساءل النائب عبد الصمد حيكر عن مدى موثوقية المختبرات التي ستُعتمد لتنفيذ هذه الاختبارات.
من جانبها، شددت النائبة البرلمانية عن حزب الأصالة والمعاصرة قلوب فيطح على ضرورة إلزام المشتبه بهم بالخضوع للفحص الجيني، معتبرة أن هذا الإجراء قد يكون حاسماً في تبرئة المتهمين الذين يجدون أنفسهم وسط شبهات لا تستند إلى أدلة قوية.
ودعت إلى تضمين نصوص قانونية تفرض اللجوء إلى هذه التقنية في القضايا التي تحتاج إلى دليل علمي حاسم، مثل قضايا الاغتصاب ونفي النسب.
رد وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، لم يخلُ من الحدة، حيث اعتبر أن كل هذه التخوفات مشروعة، لكنها لا تعني أن الدولة ستتعامل مع هذه القضية بارتجالية.
وأشار إلى أن المغرب يستند في هذا الموضوع إلى اتفاقيات دولية، مثل اتفاقية "بريم"، التي تحدد المعايير المتعلقة بجمع البيانات الجينية.
كما كشف عن مشروع لإنشاء بنك وطني للبصمات الجينية، سيكون خاضعاً لمراقبة مشددة، لضمان عدم إساءة استخدام هذه المعطيات.
أحد أبرز النقاط التي أثارت جدلاً أيضاً كانت مسألة مصير البصمات الجينية بعد استخدامها في التحقيقات.
فهل سيتم إتلافها فوراً في حالة ثبوت براءة الشخص؟ أم أنها ستظل محفوظة في قاعدة بيانات قد تُستخدم مستقبلاً لأغراض أخرى؟ هنا، بدا وزير العدل حريصاً على طمأنة النواب، مشيراً إلى أن هناك مشاورات مع الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية، لضمان وضع إطار قانوني يحدد بوضوح الجهة المخولة بالتصرف في هذه البيانات، وكيفية تخزينها، وشروط محوها عند انتفاء الحاجة إليها.
وكشف النقاش البرلماني حول البصمات الجينية عن تداخل معقد بين الأمن والحقوق الفردية.
ففي وقت تسعى فيه الدولة إلى تعزيز أدواتها لمكافحة الجريمة، تظل التساؤلات حول مدى احترام خصوصية الأفراد قائمة.
وبينما يؤكد وزير العدل أن الأمر محكوم بضوابط قانونية، يظل الشك قائماً لدى بعض النواب الذين يخشون من أن تتحول هذه الإجراءات إلى أداة للمراقبة غير المشروعة، في غياب رقابة كافية.