العاقل... ملخص مختصر للنوع البشري("32)

أمينة المستاري
تحرر العقلاء من نظام الانتقاء البيولوجي
كباقي الكائنات الحية، خضع العقلاء لقوى فيزيائية وتفاعلات كيميائية وعمليات انتقاء طبيعي، وقدم هذا الانتقاء للعاقل المجال للمناورة لكنه ظل محدودا، وكانت النتيجة أن ظل العقلاء عاجزين عن التحرر من حدودهم المقدرة بيولوجيا. لكن بحلول القرن 21 تجاوز العاقل تلك الحدود بل وبدأ بخرق قوانين الانتقاء الطبيعي، ليستبدلها بقوانين التصميم الذكي.
يشير هراري إلى أن أول صدع في النظام القديم خلال الثورة الزراعية، بعد أن اكتشف العقلاء أنه إذا تزاوجت الدجاجة الأسمن مع الديك الأبطأ فبعض ذريتهما سيكون بطيئا وسمينا ...فكانت تلك السلالة نتيجة تصميم ذكي إنساني لا إلهي، لكنها تظل مهارة محدودة مقارنة مع الإله الكلي القدرة، فهم لم يستطيعوا إدخال خصائص جديدة تماما كانت موجودة أصلا في التركيبة الوراثية للدجاج البري.
يضيف هراري أن نظام الانتقاء الطبيعي ذو 4 مليارات سنة يواجه تحديا مختلفا، إذ يهندس العلماء في مختبرات حول العالم كائنات حية، وهم يخرقون قوانين الانتقاء الطبيعي بمأمن من العقاب. ففي سنة 2000م قرر فنان بيولوجي برازيلي "إدواردو كاك" أن يخلق عملا فنيا عبارة عن أرنبا خضراء فلورية، وتواصل مع مختبر فرنسي قام بزرع جينوم مأخوذ من قناديل البحر الفلورية الخضراء وزرعوه في جينوم أرنب أبيض وسمي الأرنب "ألبا".
اعتبر الكاتب أن هذا الأمر يعتبر إرهاصا لأمور مقبلة، وقد تثبت الثورة العلمية أنها أكبر من مجرد ثورة تاريخية وأنها الثورة البيولوجية الأهم على كوكب الأرض، وستقف ألبا عند فجر عصر كوني جديد، وستحكم فيه الحياة بتصميم ذكي، وعندها يمكن أن يعاد تفسير التاريخ البشري بأكمله.
يؤكد يوفال هراري أن علماء الأحياء يخوضون معركة مع حركة التصميم الذكي التي تعارض رؤى التطور الدارويني في المدارس، وتدهي أن التعقيد البيولوجي يثبت أن هناك خالق فكر في كل التفاصيل البيولوجية مسبقا. فعلماء الأحياء على حق فيما يتعلق بالماضي ، لكن أنصار التصميم الذكي على حق فيما يتعلق بالمستقبل. ويمكن الاستعاضة عن الانتقاء الطبيعية، حسب هراري، بالتصميم الذكي: الهندسة البيولوجية، هندسة الحيوالة أي الحيوان-الآلة، هندسة الحياة غير العضوية.
فئران ورجال
يعتبر هراري أن الهندسة البيولوجية تعد تدخلا قصديا على المستوى البيولوجي كزرع جين بهدف تغيير شكل كائن أو قدراته أو احتياجاته أو رغباته...وهذه استخدمها الناس منذ آلاف السنين لإعادة تشكيل الكائنات أو أنفسهم كالخصاء (الحيوانات)، خصي الشباب حتى يمكنهم الإشراف على حريم السلطان...بل وتم تغيير جنس الرجل بعلاجات جراحية وهرمونية، بل وزرع أذن في ظهر فأر ولربما تصنع آذان اصطناعية يمكن زرعها لاحقا في البشر.
هذه الهندسة تثير مجموعة من الإشكالات الأخلاقية والسياسية والأيديولوجية، ويشترك الموحدون مع الملحدون في رفض أن يقوم الإنسان بممارسة دور الرب، ورفوا تدخل العلماء في عمل الطبيعة، وعارض نشطاء حقوق الحيوان تعريضه للتجارب ويخشى نشطاء حقوق الإنسان أن تستخدم الهندسة الوراثية في خلق بشر خارقين يستعبدوننا، ويقدم المتنبؤون رؤى مروعة لدكتاتوريات بيولوجية تستنسخ جنودا شجعانا وعمالا مطيعين...فالقدرة على تحوير الجينات تفوق القدرة على استخدامها بحكمة.
فالعلماء يعملون على هندسة كائنات كالنباتات والفطريات والبكتيريا والحشرات، ويجربون تحويل الخنازير ذات الدهون السيئة أميغا6 إلى دهون صحية أوميغا3، بعد أن تمكنوا من تمديد متوسط عمر نوع من الديدان إلى 6 أضعاف، وأيضا فئران عبقرية ذات ذاكرة ومهارات محسنة جدا...ويتم العمل على تحويل الفئران المتعددة العلاقات إلى فئران وفية لشريك واحد، ولربما يطبق ذلك على البشر بل وهندسة بناهم الاجتماعية؟
عودة إنسان النياندرتال
يؤكد هراري أن العلماء يهدفون إلى إحياء كائنات منقرضة، فقد رسموا خارطة جينوم الماموث القديم وهو يخطون لأخذ خلية بويضة مخصبة من فيل معاصر واستبدال الحمض النووي للفيل بالحمض النووي المعاد بناؤه للماموث، وزرع البويضة في رحم فيل، وبعد 22 شهر يتوقعون ولادة أول ماموث منذ 5000سنة.
يشير الكاتب إلى أن البروفيسور البريطاني جورج تشيرش إقترح إمكانية زرع الحمض النووي للنياندرتال المعاد بناؤه في بويضة إنسان عاقل للحصول على أول طفل نياندرتال منذ 30 ألف سنة، بتكلفة 30 مليون دولار وتطوعت نساء لصبحن أمهات بديلات. ويعلل البعض أن هذه التجربة تمكن من الإجابة عن سؤال أصل وتفرد الإنسان العاقل. إضافة إلا أنه إذا كان الإنسان من قضى على النياندرتال فعليه إعادته إلى الحياة، فيما علل البعض أن وجود بعض النياندرتال في بعض المصانع سيمكن القيام بعمل إثنان من العقلاء.
يقول الكاتب أنه لربما تعدى الأمر تصميم إنسان عاقل باعتبار أن جيناته معقدة على غرار جينات الفئران، ولربما تمكن الهندسة الوراثية من خلق بشر عباقرة بإجراء تغييرات في وظائف الأعضاء والنظام المناعي والقدرات الفكرية والعاطفية...؟ واعتبر من الصعب للحجج الأخلافية أن تكبح الخطوات التالية لإنتاج بشر خارقين أو إطالة عمر الإنسان أو قهر الأمراض المستعصية ...
يخلص هراري إلى القول أنه لن تؤدي عمليات ترقيه الجينات إلى قتلنا بالضرورة، لكن قد نحور الإنسان العاقل حتى لن نكون بعد بشرا عقلاء .