عيد العمال 2025.. الأغلبية تغازل الشغيلة بالمنجزات والمعارضة تندد بالإقصاء وتردي الحوار

الكاتب : انس شريد

01 مايو 2025 - 09:30
الخط :

في أجواء اتسمت بالحماس والتعبئة الجماهيرية، احتفلت مختلف مكونات المشهد النقابي والسياسي المغربي بعيد العمال، فاتح ماي 2025، في ظل سياقات اجتماعية واقتصادية وسياسية متشابكة، أثارت مواقف متباينة بين الأغلبية الحكومية والمعارضة، وأعادت إلى الواجهة نقاشات جوهرية حول الحريات النقابية، العدالة الاجتماعية، ومستقبل التوازنات بين الشغيلة والحكومة.

من قلب منطقة ابن مسيك بمدينة الدار البيضاء، حيث التأمت الحشود العمالية للاحتفال بعيد الشغل تحت شعار "الحريات النقابية أساس التنمية"، جدد نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، التزام الحزب وذراعه النقابي، الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، بمواصلة الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة، معبّرا عن فخره بما تحقق من مكتسبات في السنوات الأخيرة، خاصة بعد تصدر الاتحاد نتائج انتخابات ممثلي الموظفين والمأجورين سنة 2021.

وتقاطرت التصفيقات من آلاف العمال والعاملات الذين حجوا من مختلف أقاليم جهة الدار البيضاء – سطات، مرددين شعارات مطالبة بالحفاظ على الحقوق المكتسبة وتحقيق مزيد من الإنصاف الاجتماعي.

ولم تغب الأبعاد السياسية الكبرى عن المناسبة، إذ تحدث بركة عن سياقات دولية وإقليمية تمنح زخما جديدا لقضية الصحراء المغربية، معتبرا أن توالي الاعترافات الدولية بمغربية الأقاليم الجنوبية يجعل من 2025 سنة مفصلية في طيّ هذا الملف.

كما شدد على أن مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يبقى الحل الواقعي الوحيد لهذا النزاع المفتعل.

في مداخلته، استعرض بركة حزمة من الإجراءات الحكومية التي تمثل، حسب رأيه، ثمرة توجيهات ملكية سامية نحو إقامة دولة اجتماعية، مشيراً إلى تعميم التغطية الصحية، وتطوير سياسات السكن والصحة، وزيادة الأجور، وتقليص الضريبة على الدخل، فضلاً عن دعم المواد الأساسية وتثبيت أسعار الكهرباء والماء في وجه تقلبات السوق الدولية.

كما أبرز توجه الحكومة نحو تحفيز الاقتصاد الوطني عبر إطلاق ميثاق الاستثمار، والرفع من الاستثمارات العمومية إلى 340 مليار درهم، بما في ذلك 70 مليار درهم مخصصة لقطاع التجهيز والماء سنة 2025.

على المستوى الاجتماعي، أكد بركة أن الحكومة تنخرط في إصلاح عميق لأنظمة التقاعد، لكن دون المس بحقوق الطبقة الشغيلة، مشدداً على أهمية التوافق مع النقابات، بما فيها الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، في صياغة رؤية متوازنة تؤمن الكرامة وتحافظ على المكتسبات.

وفي السياق ذاته، كشف وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، يونس السكوري، عن إجراءات وصفت بالمنصفة تجاه المتقاعدين في القطاع الخاص، أبرزها تخفيض شرط الاستفادة من معاش الشيخوخة لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، من 3240 يوماً إلى 1320 يوماً فقط، ما مكن حوالي 200 ألف شخص من استرجاع حقوقهم في التقاعد بعد سنوات من الحرمان.

كما أعلن السكوري في كلمته بمناسبة عيد العمال، عن رصد 9.5 مليار درهم لتفعيل هذه الإجراءات، في خطوة وصفها بالمصيرية لتعزيز العدالة الاجتماعية.

وإلى جانب هذا، احتفى الوزير بإصدار القانون التنظيمي للإضراب بعد أكثر من عقد من الانتظار، معتبراً إياه خطوة دستورية ضرورية لتنظيم حق الإضراب دون المس بحرية العمل أو مصالح المواطنين.

موضحاً أن النص القانوني الجديد يتضمن آجالاً مختصرة للتفاوض، وإلزامية اللجوء إلى الحوار، إلى جانب تدابير لحماية استمرار المرافق الحيوية، وتنصيصه على جزاءات واضحة في حال الإخلال.

لكن هذه الصورة الحكومية لم تمر دون معارضة شرسة من خصومها السياسيين، وعلى رأسهم عبد الإله ابن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، الذي اختار بدوره منصة خطابية في قلب الدار البيضاء لشن هجوم لاذع على الحكومة.

واتهمها بإقصاء نقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب من الحوار الاجتماعي، رغم توفرها على نسبة تمثيلية في القطاع الخاص، معتبراً أن هذا الإقصاء يعكس استخفافاً بالحريات النقابية، قائلاً: "واش حتى توقع مصيبة عاد يعيطو؟".

وتساءل ابن كيران عن وزن النقابات المتحاورة اليوم مع الحكومة، مؤكداً أن تجارب الأزمات السابقة كشفت عن ضعفها الحقيقي حينما كانت توقع الاتفاقات في المساء وتخرج إلى الإضراب في الغد.

كما وجه في معرض كلمته السهام نحو نزار بركة، داعياً إياه إلى الوفاء بوعوده السابقة، خاصة فيما يتعلق بتسقيف الأسعار، محملاً  كذلك وزير العدل عبد اللطيف وهبي مسؤولية تأجيج الجدل المجتمعي بمحاولة تمرير قوانين يراها مستفزة للقيم المجتمعية، مثل تجريم انتقاد العلاقات الرضائية.

ووصل بنكيران في هجومه إلى اتهام رئيس الحكومة بـ"تبذير المال العام"، منتقداً ما وصفه بتنظيم مأدبة كبيرة بمنطقة أغوراي، قال إنها تضمنت ذبح 60 رأساً من الغنم، رغم أن "الملك أعفى المغاربة من ذبح الأضاحي هذا العام"، حسب تعبيره.

وفي مشهد آخر من مشاهد يوم العمال، كانت درب عمر بالعاصمة الاقتصادية على موعد مع مسيرة ضخمة دعت إليها الفيدرالية الديمقراطية للشغل، التي يقودها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.

وعرفت المسيرة حضورا لافتا من القيادات النقابية والسياسية، وعلى رأسهم إدريس لشكر، الذي دعا إلى استعادة العمل النقابي لوظيفته التأطيرية والنضالية في ظل ما سماه “الانحرافات السياسية للحكومة”.

وشدد لشكر على أن عيد الشغل يمثل لحظة رمزية لتجديد المطالب والدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، في وقت تشهد فيه القدرة الشرائية للمواطنين تراجعاً مقلقاً، وغياباً لحوار اجتماعي فعال يعكس الانتظارات الملحة.

وأضاف أن الحضور الوازن في المسيرة رسالة واضحة مفادها أن “الطبقة العاملة المغربية لم تعد قادرة على الصبر”.

وسط هذه المواقف المتباينة، يظهر أن مشهد فاتح ماي لهذا العام لم يكن مجرد تظاهرات واحتفالات رمزية، بل منصة لتجاذب سياسي ونقابي عميق، يؤشر على استمرار التوتر الاجتماعي من جهة، وتطلع جميع الأطراف إلى إعادة رسم ملامح العلاقة بين الدولة وممثلي الشغيلة من جهة أخرى، في ظل تعقيدات اقتصادية واحتقان اجتماعي يزداد اتساعاً.

فهل تنجح الحكومة في تحويل شعارات التنمية والعدالة الاجتماعية إلى واقع ملموس؟ أم أن المعارضة ستستثمر هذا الزخم العمالي في تقوية حضورها استعداداً للرهانات السياسية القادمة؟

آخر الأخبار