الفواتير المزورة تحت مجهر البرلمان.. والحكومة تراهن على الذكاء الاصطناعي لرصد الشركات الوهمية

أثار ملف الشركات الوهمية والفواتير المزورة جدلاً واسعاً خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب، اليوم الإثنين، بعدما وجه النائب البرلماني إدريس السنتيسي، رئيس الفريق الحركي، اتهامات صريحة لبعض المؤسسات البنكية بالضلوع في تسهيل أنشطة هذه الشركات عبر تمرير فواتير غير قانونية، في ما اعتُبر موقفاً لافتاً يُنذر بتطورات سياسية ورقابية مرتقبة.
وأكدت الوزيرة نادية فتاح العلوي، التي كانت ترد على سؤال شفوي حول التدابير المتخذة لمواجهة الظاهرة، أن الشركات الوهمية والفواتير المزورة تُعد من أبرز التحديات التي تُقوّض التنافسية الاقتصادية وتُضعف موارد خزينة الدولة، مشيرة إلى أن الحكومة تعتبر هذه الممارسات الاحتيالية من القضايا ذات الأولوية في السياسات العمومية الهادفة لتعزيز الشفافية المالية واستعادة الثقة في مناخ الأعمال.
وأبرزت وزيرة الاقتصاد والمالية أن إدارة الضرائب تبنّت سلسلة إجراءات صارمة لردع هذه الممارسات، من بينها إلزامية التصريح الرقمي، وتفعيل مقتضيات المادة 192 من المدونة العامة للضرائب، التي تنص على عقوبات مالية تتراوح بين 5.000 و50.000 درهم، بالإضافة إلى عقوبات حبسية تتراوح من شهر إلى ثلاثة أشهر.
مؤكدة أن الهدف هو تطويق شبكات التلاعب وتعزيز المراقبة الجبائية.
وفي سياق متصل، أشارت فتاح العلوي إلى أن وزارتها تعوّل على تقنيات متقدمة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، في رصد العمليات المشبوهة وتتبع سلاسل الفوترة، مبرزة أن التنسيق بين مؤسسات رئيسية كصندوق الضمان الاجتماعي، والمديرية العامة للضرائب، وإدارة الجمارك، والجماعات الترابية، أضحى أداة مركزية في محاربة هذه الظواهر التي تنهك الاقتصاد الوطني.
بدوره النائب البرلماني إدريس السنتيسي، عبّر عن تقديره لما وصفه بـ"المجهود الملموس" الذي تبذله الحكومة في هذا المجال، ملاحظاً أن المؤشرات المرتبطة بمحاربة التهرب الضريبي والتلاعب في الفوترة تشهد تحسناً ملحوظاً.
غير أنه اعتبر أن استمرار بعض مظاهر الفساد المالي يفرض تسريع اعتماد نظام الفوترة الإلكترونية بشكل شامل، باعتباره حلاً عملياً وفعالاً لرصد التحركات المالية المشبوهة وكشف الفواتير المزورة في الوقت الحقيقي.
لكن الموقف الأكثر إثارة في مداخلته، تمثل في اتهامه الصريح لبعض البنوك بـ"اللعب دور مشبوه" في تسهيل نشاط الشركات الوهمية، من خلال التواطؤ في تمرير فواتير لا تستند إلى أي نشاط تجاري فعلي، مما يساهم في تضخيم التكاليف بشكل مصطنع والتهرب من الأداءات الجبائية.
وطالب السنتيسي بفتح تحقيقات معمقة للكشف عن مدى تورط هذه المؤسسات المالية في شبكات الاحتيال المنظم، مشدداً على أن الحزم في مواجهة هذه الممارسات يجب أن يشمل كل الفاعلين دون استثناء.
هذه الاتهامات، التي طالت القطاع البنكي بشكل مباشر، قد تدفع بجهات الرقابة والمؤسسات المعنية، وفي مقدمتها بنك المغرب، إلى الخروج بمواقف توضيحية أو مباشرة تحقيقات استقصائية حول مدى التزام البنوك بقواعد الحيطة والمسؤولية في مراقبة العمليات المالية لمقاولات تُشتبه في عدم مزاولتها لأي نشاط فعلي.
وفي وقت يتعزز فيه توجه الحكومة نحو الرقمنة والشفافية في تدبير المعاملات المالية والجبائية، يبقى ملف الشركات الوهمية والفواتير المزورة من أكبر التحديات التي تواجه بناء اقتصاد تنافسي وعادل، يُكرّس ثقافة دفع الضريبة وربط المسؤولية بالمحاسبة، في أفق محاصرة الاقتصاد الموازي وتحقيق العدالة الجبائية.