هل يستطيع مجلس المنافسة ضبط سوق المحروقات في المغرب؟

الكاتب : الجريدة24

22 فبراير 2019 - 06:00
الخط :

على عهد الحكومة السابقة تم تحرير أسعار البترول عبر اعتماد نظام المقايسة، ولم يعد لصندوق المقاصة دخل في عملية تحديد الأسعار بشكل نهائي. ففي السابق، مهما ارتفعت أسعار النفط في السوق الدولية، فإن الدولة كانت تتدخل من أجل الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين والحيلولة دون اقتنائهم للمحروقات بسعر السوق الدولية في حال كان مرتفعا، وتعويض شركات المحروقات في الفارق بين سعر البيع الدولي المرتفع وسعر البيع للمواطنين.

التقييم الذي تم وضعه لهذه السياسة، التي كان معمولا بها سنوات عديدة، أفضى إلى عدد من الخلاصات الصادمة، أبرزها أن صندوق المقاصة لا يتوفر على أية وسيلة لمراقبة البيانات التي تقدمها شركات المحروقات له من أجل تعويضها من ميزانية الدولة في "خسائرها" المفترضة.  وبالتالي فإن هذا النظام بالنسبة إلى الحكومة السابقة كان مختلا، ويكلف حزينة الدولة ملايين الدراهم كل سنة.

والواقع أن الحكومة التي كان يقودها عبد الإله بن كيران، لم يكن غريبا عليها أن تتخذ قرارا موغلا في الرأسمالية الاقتصادية، ألا وهو  تحرير سوف المحروقات في المغرب عبر العمل بنظام المقايسة، أي أن الأسعار في السوق الوطنية تكون خاضعة لتقلبات سوق النفط الدولية.

دون أية إجراءات استباقية ودون تفعيل لأي دور رقابة لهيآت الحكامة (مجلس المنافسة كان شبه مجمد حينها)، تركت الحكومة المواطنين وجها لوجه أمام شركات المحروقات. فما كان يهمها أساسا هو استثمار ما وفرته من أموال الدعم التي كانت توجه إلى صندوق المقاصة من أجل بعض البرامج الاجتماعية، طمعا في أصوات فئات معينة في المجتمع. منطق اقتصادي وسياسوي ضيق لن يعيش المواطنون آثاره وتحس به الطبقة السياسية إلا فيما بعد.

أمام هذا الوضع أصبحت تتنامى العديد من "الإشاعات"، التي كان من بينها أن شركات المحروقات حققت أرباحا خيالية مضاعفة بعد قرار التحرير بالمقارنة مع الفترة السابقة، ومن بينها أيضا أن شركات المحروقات تتفق فيما بينها من أجل تحديد أسعار شبه موحدة ما يضر بقيم المنافسة الشريفة، وذلك أمام غياب لأي هيأة رقابية أو ضابطة للسوق وحكم بين الفاعلين والموزعين.

وجاء تقرير  اللجنة الاستطلاعية البرلمانية في قطاع المحروقات، لكي يؤكد عددا من هذه الإشاعات المشار إليها، إذ أثار الانتباه إلى أن 15 مليار درهم هو حجم المبالغ الإضافية التي دفعها المغاربة في محطات الوقود منذ تحرير أسعار المحروقات نهاية 2015. فمن خلال مقارنة متوسط الأسعار المطبقة في 2470 محطة وقود مع الأسعار الدولية للمحروقات، مع الأخذ بعين الاعتبار الضرائب والتكاليف الأخرى، خلصت اللجنة التي ترأسها النائب عبد الله بوانو، عن العدالة والتنمية، إلى أن "متوسط الفارق بين الأسعار المحتسبة استنادا إلى تركيبة الأثمان ما قبل التحرير، والأسعار المعتمدة بعد التحرير، هو زائد 96 سنتيم  في اللتر في الغازوال، و76 سنتيم في البنزين"، وهذا يمثل ربحا إضافيا بالنسبة إلى الشركات الموزعة يصل إلى "7 ملايير درهم في السنة، وبالضبط 7,4 ملايير درهم في 2016 و7,7 ملايير درهم في 2017".

أمام هذا الوضع، وجدت الحكومة الحالية نفسها في وضع صعب، بفعل التركة السلبية التي تركتها لها نظيرتها السابقة. فحاء اقتراح تسقيف الأسعار وهوامش ربح شركات المحروقات، الذي عرضته الحكومة في شخص الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة.

فكانت الصفعة الأولى من طرف مجلس المنافسة للحكومة، الذي اعتبر أن هذا "التدبير غير كاف وحده لحماية القدرة الشرائية للمستهلك، وغير مجدٍ من الناحية الاقتصادية والتنافسية، فضلا عن كونه لا يستوفي الشروط القانونية الواردة في المادة الرابعة من قانون حرية الأسعار والمنافسة، الذي يحدد الشروط المتدخلة في ارتفاع أو انخفاض فاحش للأسعار تعلله ظروف استثنائية، أو كارثية عامة، أو وضعية غير عادية بشكل واضح في السوق بقطاع معين"، يصرح رئيس المجلس.

وأضاف المتحدث نفسه أن "هذا القطاع يحتاج إلى إصلاح بنيوي، عميق وشامل. وقد حدد المجلس مداخله في أربع رافعات رئيسة شكلت جوهر التوصيات التي اقترحها على أنظار الحكومة". بمعنى أن الحكومة الحالية كانت تريد إصلاح خطيئة سابقتها بخطأ آخر.

إن كل ما سبق الإشارة إليه يدل على أن الحكومة حررت سوق المحروقات دون أي رؤية إستراتيجية، وتم التعامل مع الموضوع بمنطق الحل السهل من ضمن الحلول لإشكال موجود، ما أدى إلى وضع أكثر تعقيدا يوجد فيه المواطن وجها لوجه مع شركات المحروقات. وهذا أحد أشكال التعامل الحكومي مع قضايا ذات حساسية مفرطة لعلاقتها المباشرة مع المواطن. السؤال المطروح هو: كيف لنا ألا نسقط في المستقبل في قرارات حكومية متسرعة من هذا القبيل؟

آخر الأخبار