أية آفاق للتبعية الغذائية للمغرب؟

الكاتب : الجريدة24

27 ديسمبر 2019 - 10:14
الخط :

أمل المنصوري، سعيد زروالي، خالد السودي- المندوبية السامية للتخطيط

عرف الوضع الغذائي بالمغرب تغيرات عميقة خلال العقود الأخيرة، وذلك موازاة مع التحولات الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية والتغذوية التي عرفتها المملكة والتي خلقت تغييرا كميا ونوعيا في نفقات استهلاك الأسر. وفي ظل هذه التغيرات وأخذا بعين الاعتبار التحسن التدريجي لوفرة الإنتاج الفلاحي والانفتاح المتسارع للمبادلات التجارية تبرز أهمية استشراف قدرة العرض المحلي على تلبية احتياجات السكان من الاستهلاك وتشجيع تنمية الصادرات بحلول 2025.

تحسن ملحوظ في الإنتاج الفلاحي خلال الفترة الممتدة ما بين 2008 و2018

تحسن أداء الأنشطة الزراعية على مدى العشر السنوات الأخيرة، مستفيدًا من تدابير الدعم المعتمدة في مخطط المغرب الأخضر والظروف المناخية المواتية (معدل متوسط هطول الأمطار السنوي بلغ 385 ملم). وارتفعت القيمة المضافة للقطاع الفلاحي لتصل إلى 124,4 مليار درهم في عام 2018، بمساهمة بلغت 11,5 % في الناتج الإجمالي الخام، ومن حيث الحجم، تحسن معدل نمو القطاع بين عامي 2009 و2018، ليصل إلى 6,3 %، في المتوسط السنوي، بدلا من 2,4 % المحققة خلال الفترة الممتدة ما بين 1998 و2007. وعرفت صادرات المنتوجات الفلاحية تطورا سنويا بـ 8,6 % حيث انتقلت قيمتها بالأسعار الجارية من 11,4 مليار درهم في عام 2008 إلى 27,1 مليار درهم في عام 2018. وباحتساب المنتجات المصنعة، ارتفعت الصادرات الفلاحية (الخامة والمصنعة) إلى 58,1 مليار في عام 2018، وبذلك ساهمت هذه المنتوجات بنسبة 13,5 % في صادرات السلع للبلاد. أما بالنسبة للواردات، فقد بلغت 40,7 مليار درهم، لكن وتيرة تطورها خلال العشر سنوات الماضية كانت أقل ديناميكية من الصادرات، حيث لم تتجاوز نسبة 0,07 % في المتوسط سنويا. وانخفضت مساهمة المنتجات الفلاحية في الواردات إلى 4,3 % في عام 2018، بدلا من 6,6 % في عام 2008. ونتيجة لذلك، تحسن معدل تغطية الواردات بالصادرات من المنتوجات الزراعية تدريجيا ليصل إلى 61,9 % في المتوسط خلال نفس الفترة.

أداء معتدل للأنشطة الفلاحية مقارنة مع أهداف مخطط المغرب الأخضر واحتياجات الاستهلاك

رغم التحسن المسجل خلال العقد الاخير، ظل أداء قطاع الفلاحة معتدلا بالمقارنة مع الأهداف المسطرة في إطار مخطط المغرب الأخضر ولاسيما تلك المتعلقة بتحقيق 100 مليار درهم كثروة إضافية للقطاع في أفق 2020. ويقدر النقص الحاصل في القيمة المضافة الفلاحية بحوالي 31,7 مليار درهم بين عامي 2013 و2018. ورغم المجهودات الكبيرة المبذولة لإعادة هيكلة وتحديث القطاع، فإن استمرار تقلب نمو أنشطته حال دون ارتقاءه ليشكل احد رافعات النمو الاقتصادي .إضافة إلى ذلك، شهدت مساهمة القطاع في سوق الشغل تراجعا خلال الفترة الممتدة ما بين 2008 و2018، حيث انتقلت من 40,9 % إلى34,1 %. في حين أن ديناميكية الإنتاج المرتبطة بمخطط المغرب الأخضر كان يفترض أن يصاحبها خلق حوالي 125 ألف منصب سنويا في المتوسط.

سيناريوهان لتطور الإنتاج الفلاحي بحلول 2025

في إطار عملية استشراف مسار تطور الإنتاج الزراعي للفترة الممتدة من 2019 إلى 2025، تم اعتماد سيناريوهين. يرتكز السيناريو الأول، على النتائج المسجلة خلال السنوات الأخيرة على مستوى المردودية والمساحات المزروعة. ويرتقب أن تحقق القيمة المضافة للفلاحة فائضا في القيمة المضافة الاسمية بحوالي 10,85 مليار درهم في السنة في المتوسط ما بين 2018 و2025 حسب هذا السيناريو. بينما يتبنى السيناريو الثاني الأهداف المرقمة والمسطرة في مخطط المغرب الأخضر من حيث الإنتاج والمساحات والواردات والصادرات حتى أفق 2020، ويفترض استمرار ديناميكية إنجازات المخطط حتى عام 2025. ويقدر ربح القيمة المضافة حسب هذا السيناريو بحوالي29,105 مليار درهم سنويا في المتوسط بين 2018 و2025، شرط التقيد بتحقيق جميع أهداف المخطط.

تحسن في تغطية الاحتياجات الغذائية في المنتجات الحيوانية واستمرار العجز في الحبوب والسكر

أظهرت إسقاطات إنتاج واستهلاك المنتجات الغذائية بحلول عام 2025 انخفاض اعتماد المغرب على الأسواق الخارجية، بمعدل تغطية للاحتياجات يتجاوز 100 % بالنسبة للفواكه والخضروات والأسماك والمنتجات الحيوانية. ويقدر متوسط فائض الإنتاج بالمقارنة مع الاستهلاك للشخص الواحد بـ 42 % و14 % و10 % و62 % في المتوسط، على التوالي، بالنسبة للبيض ومنتجات الألبان واللحوم والأسماك وفقا للسيناريو الأول. كما أن الحوامض والبطاطس والطماطم ستسجل فوائض إنتاجية مهمة تصل إلى 148 % و41 % و20 % على التوالي. وستُحقق هذه المنتجات فائضًا أكبر وفقًا للسيناريو 2، كونها موضوع عقود برامج محددة بموجب مخطط المغرب الأخضر، حيث سيسجل إنتاج البيض واللحوم الحمراء والبيضاء فوائض بنسبة 53 % و18 % و44 % في المتوسط، ما بين 2019 و2025. كما ينتظر أن يتجاوز فائض الإنتاج ضعف استهلاك الفرد بالنسبة للحوامض ومنتجات الألبان. وسيتم تحقيق هذه الإنجازات بناءا على فرضية استمرار استيراد كميات مهمة من المدخلات وتسجيل ظروف مواتية من حيث توفر المياه ونوعية التربة. ومع ذلك، فهي تتطلب تنفيذ استراتيجية موازية تستهدف الأسواق الخارجية، بهدف تحقيق ربح إضافي للمنتجين، مما يسمح بالحفاظ على ديناميكية النمو في هذه السلاسل.

بخلاف ذلك ينتظر أن تعرف بعض المواد الغذائية الأخرى ضعفا في تغطية احتياجات الاستهلاك بحلول عام 2025. وسيواصل المغرب استيراد كميات مهمة من الحبوب وسيصل عجز الإنتاج مقارنة مع الاستهلاك إلى 28 % وفقا للسيناريو الأول و41 % وفق سيناريو مخطط المغرب الأخضر بالنسبة للفرد الواحد. ومن المتوقع أن تظل حصة القمح في واردات الحبوب مرتفعة (63 % في المتوسط). وعلى هذا، سيصل معدل الارتباط بالأسواق الخارجية إلى 43 % في المتوسط، وفقًا لسيناريو مخطط المغرب الأخضر.

ستسجل زراعات القطنيات عجزًا يقدر بنسبة 23 %، في المتوسط للشخص الواحد، خلال الفترة 2019-2025، بعد أن أظهرت فائضاً في الإنتاج في العقدين الماضيين. وبدورها ستعرف أيضا زيت الزيتون عجزًا في التغطية يصل إلى 42 % وفقا للسيناريو الأول و26 % وفقا لمخطط المغرب الأخضر.

ومن جانبها، ستبقى تلبية الاحتياجات فيما يتعلق باستهلاك السكر متواضعة بحلول عام 2025. وعلى الرغم من تدابير الدعم لسلسلة الزراعات السكرية، سيظل المغرب مرتبطا بالأسواق الخارجية للحصول على السكر بنسبة تصل إلى 65 % وفقا للسيناريو الأول والذي يأخذ بعين الاعتبار تطور سلسلة السكر على مدى العشر سنوات الماضية. ويقدر العجز في تغطية الإنتاج مقارنة بالاستهلاك بحوالي 30 %، في المتوسط، بين 2019و2025 وفقا لسيناريو الأول. وسيتم استيعاب هذا العجز تماما في السيناريو المعتمد على مخطط المغرب الأخضر، حيث يفترض المخطط تحقيق فائض في الإنتاج بحلول 2022، كنتيجة لإعادة هيكلة تنمية هذا القطاع.

وإجمالا، فإن توقعات العرض واستهلاك الأسر تشير إلى تحسن في تغطية الاحتياجات الغذائية للسكان بالمغرب بحلول عام 2025. كما يتوقع أن يتقلص الارتباط بالأسواق الخارجية تدريجياً، لكنه سيظل مهما بالنسبة للحبوب والقطاني والسكر وزيت الزيتون. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن تحقق توقعات سلاسل الإنتاج الفلاحية في كلا السيناريوهين، يظل رهينا بثلاثة عوامل رئيسية محفوفة بالشكوك:

  •  تساقطات مطرية تفوق 300 مم في السنة، موزعة بشكل إيجابي خلال الموسم الفلاحي علما أن نظام هطول الأمطار في المغرب يتميز بتقلبات كبيرة في الزمان والمكان، مما يؤدي إلى تذبذب في إنتاج الحبوب والبقوليات. وتتطلب القطاعات الفلاحية الأخرى (تربية الحيوانات والخضروات) التي تستهلك الكثير من المياه مساهمة كبيرة من حيث الري.
  •  استمرار التدابير التحفيزية في مختلف سلاسل الإنتاج القطاعية، خاصة بالنسبة للقمح والسكر، على الرغم من أهمية تكاليف الميزانية ذات الصلة. في حالة إلغاء الإعانات التي تستفيد منها هذه المواد، ستتأثر الإمدادات الوطنية من هذه المنتجات، ولاسيما خلال فترات الجفاف بالنظر إلى علاقات التكامل والتعويض مع السلع الغذائية الأخرى وبسبب عدم استقرار أسعارها على مستوى الأسواق الدولية.
  •  رفع أداء قطاعات السكر والزيتون والألبان وتغيير منحى تطورها نحو الأهداف المسطرة على صعيد مخطط المغرب الأخضر لاسيما وأن مقارنة نتائجها مع التوقعات بعد عشر سنوات من إطلاق مخطط المغرب الأخضر تشير إلى حدوث تأخر كبير من حيث تحقيق هذه الأهداف.

آخر الأخبار