جائحة كورونا و حوكمة العولمة

الكاتب : الجريدة24

04 أبريل 2020 - 10:00
الخط :

الدكتور خالد الشرقاوي السموني 

أمام مواجهة تحديات العولمة ، المتجلية في الأزمات الاقتصادية والمالية ؛ الأزمات الاجتماعية ؛ الإرهاب ؛ الهجرة ؛ تنضاف جائحة فيروس كورونا ( Covid-19 ) الذي أحدث أزمة صحية و "بشرية" جديدة في مواجهة تحديات العولمة.

في الواقع ، في الأشهر الأخيرة ، تعرضت العولمة لانتقادات حادة للغاية ، لأن فيروس Covid-19 عرض الاقتصاد العالمي للخطر ، سواء تجاريًا أو ماليًا أو حتى في مجال السياحة: أغلقت الحدود ؛ و فرض الحجر الصحي على الأفراد و الجماعات ، ونفذت حالة الطوارئ في كثير من الدول . إنه أسوأ جائحة عرفها العالم منذ الإنفلونزا الإسبانية عام 1918-1920، سببت في  ركود اقتصادي غير مسبوق.

و نشير في هذا الصدد ، إلى أنه في عام 2008 ، تضافرت جهود العالم كله ضد خطر انهيار النظام المالي ، ولكن في عام 2020 ، وباء كورونا هدد العالم ، هذا الأخير فشل في وضع استراتيجية موحدة ، بسبب الارتباك الذي حصل.

وبينما تنغمس البشرية في أزمة صحية ، فإن السؤال عن أساليب حوكمة العولمة أصبح يطرح نفسه بجدية. هل يمكن أن تكون جائحة كوفيد- 19 رمزا لعولمة فاشلة ؟ ؟  وهل يمكن حوكمة جديدة للعولمة بحيث تكون عولمة "متضامنة" أكثر منها اقتصادية؟

جاء في حوار للاقتصادي توماس بيكيتي ، (في مقابلته مع صحيفة L'Obs ، المنشورة في 15 مارس 2020) ، أنه "يجب أن تقودنا الأزمة الصحية المرتبطة بوباء Covid-19 إلى تحديد معايير جديدة لصنع القرار من حيث حوكمة الاقتصاد العالمي ". أي أنه يجب حوكمة العولمة مرة أخرى. حقيقة ، فالعولمة حاليا في أزمة ، و بالتالي وجب على دول العالم إعادة تشكيل مضامينها و أهداغها ، على اساس التضامن الاجتماعي والانساني ؛ الذي لا يسعى إلى إشباع المصالح الاقتصادية لدول الشمال المتقدمة على حساب دول الجنوب.

و الغريب غي الأمر ، حتى بلدان الشمال ، كما هو الحال بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي ، بدت مفككة في مواجهة الوباء ، في غياب التنسيق الفعال والتضامن الصحي. على سبيل المثال ، إيطاليا هي الأكثر تأثراً بالفيروس ، أهملها جيرانها. في فرنسا ، خاطب الرئيس إيمانويل ماكرون قادة الاتحاد الأوروبي في 9 مارس، بخصوص مواجهة   جائحة COVID-19 ، حيث دعاهم إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتنسيق التدابير الصحية.  ثم أن ألمانيا رفضت توفير الإمدادات الطبية للدول المجاورة. كل هذا يفسر بلا شك أن الاتحاد الأوروبي ليس مثالاً للتضامن أو التعاون. فالسياسة الأوروبية في مواجهة الأزمة الصحية الحالية لم تكن سياسة موحدة و فعالة .

لذلك ، فالعام يواجه عولمة "غير متضامنة" بين دول الشمال ودول الجنوب ، بل الأكثر خطورة بين بلدان الشمال نفسها ، دون أن ننسى العولمة الاقتصادية "الوحشية" التي اتسمت بها الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين ، كل طرف يسعى إلى إقامة نظام دولي جديد. لكن هاتين القوتين العظميتين ، أثبتتا عدم قدرتهما على التنسيق الفعال على نطاق دولي واسع بسبب الأزمة الصحية.

بالإضافة إلى ذلك ، فإن جائحة الفيروس التاجي سيقود العالم بالتأكيد نحو بنية جديدة للعولمة. لأنه ، في غياب التنسيق الدولي الفعال والتضامن الصحي الدولي ، لم تستطع حنى الدول المتقدمة صناعيا في مجال البيولوجيا الطبية القضاء على فيروس مجهري مثل كورونا Covid-19 . فكل دولة تقوقعت على نفسها و أغلقت الحدود و خاضت معركتها الخاصة في مواجهة الجائحة . إنه تحد وطني يطرح من جديد علاقة السيادة بالعولمة . فالدول تخلت عن جزء من سيادتها لصالح العولمة دون أن يترجم هذا التخلي إلى تضامن اقتصادي و اجتماعي. و في هذا الصدد ، نخشى بشدة انتشار الوباء بشكل واسع في دول العالم الثالث ، خصوصا في أفريقيا.

لاشك أن جائحة Covid-19 أبانت بشكل جلي عن العلاقة بين العولمة الاقتصادية والعولمة المتضامنة . و على هذا الأساس ، نأمل أن تكون للعالم فرصة لإقامة نظام دولي جديد يدفع اقتصاديات الدول المتقدمة نحو عولمة متضامنة ومنصفة من أجل رفاهية البشرية ، واعتماد قواعد التنمية المستدامة في مواجهة مختلف الأمراض المعدية التي قد يواجهها العالم في المستقبل.

*مدير مركز الرباط للدراسات السياسية و الاستراتيجية

آخر الأخبار