من يكون رئيس الجزائر القادم؟

الكاتب : وكالات

09 مارس 2019 - 12:00
الخط :

مفاجأة كبرى قد تحدث بالجزائر خلال الفترة المقبلة، وقد تكون البلاد على عتبة مرحلة انتقالية جديدة، مرحلة خالية من الرئيس الثمانيني عبدالعزيز بوتفليقة، بعد أن تغيرت لهجة الجيش الجزائري، وانضمت قوى تاريخية للحراك ضد العهدة الخامسة، هل اقتربت نهاية عهد بوتفليقة، مَن يكون الرئيس القادم للبلاد؟

تختلف رحلة بوتفليقة العلاجية عن الرحلات السابقة، فصحة الرئيس تدهورت لحالة شديدة الخطورة، والجيش يبدو أنه ينأى بنفسه عنه، وقد تكون هناك مفاجأة ويرفض ملف ترشح الرئيس، ويعلن فراغ المنصب لتدخل البلاد مرحلة انتقالية جديدة، بطلها رئيس الأركان أحمد قايد صالح. رفعت مستشفيات جنيف الجامعية بسويسرا، عدد العاملين في وحدة المكالمات الهاتفية لثلاثة أضعاف، جرَّاء تلقِّيها أكثر من 3000 مكالمة في اليوم،  مصدرها الجزائر.

بينما يأخذ المسار الانتخابي في البلاد طريقه الطبيعي، من حيث الخطوات الإجرائية المحددة بموجب الدستور وقانون الانتخابات، تأخذ كرة الثلج المتعلقة بالحراك الشعبي السلمي حجماً أكبر من يوم لآخر. وفي الوقت الذي يعكف فيه المجلس الدستوري على دراسة ملفات 20 مترشحاً، بينهم الرئيس المنتهية ولايته عبدالعزيز بوتفليقة، تنهال بيانات الانضمام إلى المسيرات الشعبية الرافضة للعهدة الخامسة، وتغيير نظام الحكم، على وسائل الإعلام.

القصة بدأت من الطريق إلى جنيف

عشية المسيرة الأولى، التي جرت في 22 فبراير ، ظهر الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة جالساً، وقد بدت على محياه علامات النحافة، وأمامه الطيب بلعيز، يؤدي اليمين الدستورية كرئيس جديد للمجلس الدستوري. وفي ذات اللحظة، أبرقت الرئاسة بياناً تُعلن فيه «توجه عبدالعزيز بوتفليقة إلى جنيف لإجراء فحوصات طبية دورية بتاريخ 24 من الشهر ذاته». هدف ظهور بوتفليقة، يومها، بعد 4 أشهر من التواري عن الأنظار كان التقليل من الحشد للمسيرات التي دعي إليها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من مصادر مازالت مجهولة. على اعتبار أن أكبر محفزات الرافضين لرغبته في الترشح لعهدة خامسة كانت اختفاءه الدائم، وقيام حاشيته بتعويضه بإطارات تحمل صورته في كل خرجة ومناسبة

لماذا تم الإعلان عن رحلة الرئيس العلاجية مبكراً هذه المرة؟

على غير العادة فضَّلت مصالح الرئاسة الإعلان عن رحلة جنيف العلاجية، قبل أربعة أيام عن موعدها، (الإعلان كان يتم في اليوم ذاته). هذه الخطورة رأى كثيرون أن الهدف منها هو إظهار أنه يتم التعاطي بصراحة أكبر مع صحة الرئيس. وكان واضحاً أن المحيطين بالرئيس يريدون طمأنة الرأي العام بأن «الوضع مستقر»، ولن يتعدى «الفحوص الروتينية (الدورية)».

لكنهم مصرون.. إما العهدة الخامسة أو الخامسة

وبالنسبة لصناع القرار الجزائري، ومنذ عدة أشهر توجد «خطة واحدة فقط» بالنسبة للانتخابات الرئاسية. وهي «العهدة الخامسة» للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة. ورغم طرح فكرة تأجيل الانتخابات الرئاسية وتنظيم ندوة وفاق وطنية تتوج بتعديل الدستور، في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، إلا أن صناع القرار استقروا على احترام المواعيد الانتخابية، على أن يتم تأجيل الندوة ومسألة تعديل الدستور إلى ما بعد الانتخابات.

معلومات تفيد بأن الأجهزة الأمنية للدولة كلها مجندة للعمل على ضمان انتخابات رئاسية تمكن للعهدة الخامسة. ولم تتزعزع هذه الخطة بعد مسيرات الفاتح مارس ، التي شارك فيها مئات الآلاف من الجزائريين. ورأت السلطة، ضرورة التعاطي مع الحراك الشعبي غير المسبوق، بديمقراطية كبيرة جداً. إذ فتحت شاشة التلفزيون العمومي للشعارات المطالبة «بإسقاط النظام وتغييره» و»رفض العهدة الخامسة»، و»استضافة معارضين»، وإصدار تعليمات صارمة لرجال الشرطة والدرك، باعتماد مقاربة «التسيير الديمقراطي للحشود»، وكلها إجراءات لا تعني التراجع عن خارطة الطريق المتفق عليها، وهي «إجراء الانتخابات في موعدها، وبوتفليقة مرشح النظام».

الرئيس يتعهَّد بتغيير النظام، ولكن بعد الانتخابات.. ولهذا السبب لا أحد يصدقه

ويريد الرئيس الجزائري نيل شرف تأسيس الجمهورية الجزائرية الثانية، من خلال وعده بتنظيم انتخابات رئاسية مسبقة  لن يشارك فيها، في غضون سنة بعد فوزه برئاسيات أبريل/نيسان المقبل، يحدد تاريخها في ندوة وفاق وطني شامل تختتم بتعديل معمق للدستور. ورفع بوتفليقة السقف عالياً أمام معارضي ترشحه، حين «وعد بتغيير النظام»، لكن الحراك الشعبي رفض وعوده كلها، معتبرين «أنه سبق أن أخلف بوعود مماثلة، ويريد تفريغ الدستور الحالي من الصلاحيات الهائلة التي منحها لنفسه في تعديلات 2008 و2016».

هذه المرة.. رحلة الرئيس العلاجية تختلف عن سابقاتها

منذ إصابته بجلطة دماغية، في شهر أبريل 2013، كان الرئيس الجزائري يتنقَّل إلى مستشفى غرونوبل بفرنسا أو مستشفيات جنيف الجامعية، لإجراء فحوصات دورية في رحلة علاجية لا تزيد مدتها في الغالب عن الستة أيام. لكن الرحلة العلاجية الأخيرة التي سبقت المسيرات المليونية المطالبة بعدوله عن الترشح لعهدة رئاسية خامسة لا تشبه سابقاتها. إذ يلازم فراش غرفة الجناح الخاص، بالطابق الثامن، منذ 10 أيام، دون أن تتسرب من جدرانه أخبار سارة.

حتى إنه لم يستطع تقديم ملف ترشحه بنفسه وانتظر لآخر يوم

لقد حال الوضع الصحي لبوتفليقة دون تمكنه من تقديم ملف ترشحه بنفسه، لرئيس المجلس الدستوري، وناب عنه مدير حملته الانتخابية عبدالغاني زعلان، في خطوة أثارت جدلاً واسعاً بين فقهاء القانون، حول مدى دستوريتها. وعشية الثالث من مارس/آذار 2019، آخر يوم لإيداع ملفات الترشح، ارتفع منسوب الغموض حول مكان بوتفليقة وحالته الصحية. ففي الوقت الذي تحدَّثت فيه وسائل إعلامية دولية عن تدهور خطير في وضعه الصحي، وعدم قدرته على الاستجابة لعلاج بالجراحة، سارعت إدارة المستشفى إلى  نفي الأمر، في حين تداولت قنوات أخرى خبر عودته إلى الجزائر في جنح الليل.

وحالة الرئيس الصحية تدهورت من هشة إلى شديدة الخطورة

والحقيقة أن الرئيس لم يعد إلى بلده، ووضعه الصحي ليس على ما يرام، وفقاً لصحيفة «la tribune de Genève». ونقلت الصحيفة السويسرية عن مصادر خاصة، الأربعاء 5 مارس/آذار 2019، أن «بوتفليقة يعاني من «مشاكل في التنفس والأعصاب ويحتاج عناية مركزة». وأضافت أن «وضعه تحوَّل من حالة هشة تتيح له الحياة الطبيعية إلى حد ما، إلى حالة شديدة الخطورة، تتطلب العناية المستمرة»، حسب قولها.

مَن سرَّب المعلومات؟

في معرض إجاباتها عن الكم الهائل من مكالمات ورسائل الجزائريين، قالت إدارة مستشفيات جنيف الجامعية، في صفحتها الرسمية على موقع فيسبوك «إن مهمتها هي علاج كل الأشخاص مهما كانت مرتبتهم الاجتماعية».

وأضافت أنها «لن تتحدث أبداً عن الوضع الصحي لمرضاها، إلا للمريض نفسه، أو شخص مرخص له من قبله.

ونهيب بكم احترام الأخلاقيات والقيم المتعارف عليها عالمياً».

ولكن بعد ساعات قليلة، توصلت الصحيفة السويسرية إلى معلومات بالغة الحساسية عن الوضع الصحي للرئيس، ما يثير التساؤل عن مصدرها

هل هي من داخل المستشفى للتخلص من سيل المكالمات القادمة من الجزائر؟ أم من محيط قريب من الرئيس؟

تصريح واشنطن حمال أوجه، ولكن هناك وجه بعينه تزداد احتمالاته

كسرت الولايات المتحدة الأمريكية صمتها المطبق حيال ما يجري في الجزائر من مسيرات رافضة للعهدة الخامسة لبوتفليقة. وقالت على لسان الناطق باسم وزارة الخارجية روبرت بالادينو «نحن نراقب هذه التظاهرات في الجزائر وسنواصل فعل ذلك». وأضاف أن «الولايات المتحدة تدعم الشعب الجزائري وحقّه في التظاهر السلمي». ورغم أن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما لم يهنئ الرئيس الجزائري بفوزه بعهدته الرابعة سنة 2014، فإن بلاده لم تعلق على المسار الانتخابي يومها على استمراره في الحكم والمعارضة الجزائرية لبقائه في السلطة. لكن الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة الرئيس دونالد ترامب قرَّرت التعليق عبر مسؤول من الصف الثاني على المسيرات، وأكدت «مساندتها للشعب الجزائري». ويفهم من التصريح أنها «في موضع يتيح لها تفادي تهمة التواطؤ مع النظام بقيادة عبدالعزيز بوتفليقة»، كما يحمل دلالات انخفاض أسهم العهدة الخامسة، بناء على معطيات تكون قد خلصت إليها.

ولكن الأهم ما حدث من تغيير في لهجة الجيش..

بياناته لا تتحدث عن بوتفليقةتسارعت الأحداث بين الخامس والسادس من مارس 2019. إذ لاحت مؤشرات أخرى عن  تراجع فرص بقاء بوتفليقة في الحكم ونيله عهدة جديدة مع تزايد احتمالات أن يحسم الأمر بـ «النهاية البيولوجية للرئيس المريض«. وفي سابقة هي الأولى من نوعها، لم يأت نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أحمد قايد صالح، على ذكر الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في خطابين على التوالي. وأكثر من ذلك، نسب قايد صالح الانتصار على الإرهاب إلى صمود الشعب الجزائري وتضحيات الأجهزة الأمنية، دون أن يتطرق لميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذي جاء به بوتفليقة سنة 1999. وقال قايد صالح يوم الثلاثاء 5 مارس/آذار، من الأكاديمية العسكرية المتعددة الأسلحة بشرشال «إن إرساء الجزائر لكافة عوامل أمنها، من خلال القضاء على الإرهاب وإفشال أهدافه، بفضل الاستراتيجية الشاملة والعقلانية المتبناة، ثم بفضل التصدي العازم الذي أبداه الشعب الجزائري، وفي طليعته الجيش الوطني الشعبي، رفقة كافة الأسلاك الأمنية الأخرى». وفي خطاب مغاير تماماً لذلك، الذي أعقب مسيرة 22  فبراير/شباط، وتضمن مصطلح «المغرر بهم» قبل حذفه، أشاد قايد صالح بوعي الشعب الجزائري وقدرته على الحفاظ على أمن البلد واستقراره. إذ قال: «فالشعب الأصيل والأبي والواعي الذي عاش تلك الظروف الصعبة، وأدرك ويلاتها لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يفرط في نعمة الأمن ونعمة راحة البال».

البيان الثالث.. هل يحمل رسالة تعاطف ضمنية مع رغبات الشعب؟

بعد 24 ساعة، أصدر قايد صالح بيانه الثالث منذ انطلاق المسيرات السلمية الرافضة لترشح بوتفليقة لعهدة رئاسية خامسة، أسهب فيه في الحديث عن الرابطة القوية بين الشعب الجزائري وجيشه، دون ذكر بوتفليقة. وقال رئيس أركان الجيش الجزائري «ويحق لجيشنا أن ينوه بغزارة آيات التواد والتراحم والتعاطف والتضامن والأخوة الصادقة، التي ما انفكت تتقوى عراها بينه وبين شعبه، وهي علامات فارقة على مدى قوة الرابطة التي تشد الشعب الجزائري لجيشه، فطوبى لهذه الروابط الشعبية النبيلة والصادقة التي تجد في نفوسنا كعسكريين كل العرفان والتقدير والإجلال لهذا الشعب». وفهمت على أنها رسالة تعاطف قوية مع إرادة الشعب وطموحاته السياسية، وتعهَّد بأنه لن يصطدم به، إذا ما قرَّر «التغيير السياسي» حتى لو تعلق الأمر بطيّ صفحة حكم بوتفليقة.

الجيش يتعهد باحترام الدستور

استدعاء قايد صالح للعمق الشعبي للجيش الجزائري، بما يحمله من رسائل إلى الخارج، يراه البعض مؤشراً على أن المؤسسة العسكرية لن تعترض على التوجه نحو مرحلة انتقالية، إذا استوفت شروطها القانونية.

اللافت أن العسكري الأول في الجزائر يشدد كل مرة على احترام الجيش للدستور وقوانين الجمهورية.

وقال في البيان الثالث إن «الجزائر على أعتاب استحقاق وطني هام، والجميع يعلم أننا قد التزمنا في الجيش الوطني الشعبي، وكافة الأسلاك الأمنية الأخرى كل الالتزام، بأن نوفر له وللجزائر كل الظروف الآمنة، بما يكفل تمكين شعبنا من ممارسة حقه وأداء واجبه الانتخابي في كنف الأمن والسكينة والاستقرار، وتلك مسؤولية وطنية جسيمة لا بد أن يتحملها الجميع».

ويفهم من ذلك أن الجيش الجزائري ملتزم باحترام تنظيم الانتخابات في موعدها المحدد دستورياً، ولن يتصرف إلا بما يمليه الدستور.

كما لن يحشر نفسه في التفاصيل المتعلقة بانسحاب مترشحين واستمرار آخرين وحالة الرئيس المنتهية ولايته.

ويشكل تدهور الوضع الصحي لبوتفليقة وبلوغه مرحلة حرجة، وتزامن معلوماته مع رسائل المودة التي أرسلها قائد الجيش للشعب الجزائري، وموقف واشنطن الذي يدعم التظاهرات، توابل ملائمة لطبخة «المرحلة الانتقالية المحتملة»، وفقاً لروح القانوني وإرادة الشعب. فظروف بوتفليقة الصحية وتصاعد الحراك وانضمام قوى تاريخية ومؤثرة له، تشير إلى أنه لا يمكن للجيش الجزائري إلا أن يدعم الذهاب نحو مرحلة انتقالية. وقد يحدث ذلك إذا ما أعلن المجلس الدستوري «حالتي المانع والشغور» لمنصب رئيس الجمهورية، عقب إثبات استحالة ممارسة رئيس الجمهورية لمهامه بسبب مرض خطير ومزمن، وفقاً للمادة 102 من دستور البلاد، التي تطالب المعارضة والمشاركون في المسيرات بتطبيقها. وفي هذه الحالة، تؤول فيها رئاسة الدولة بالنيابة لرئيس مجلس الأمة لمدة 90 يوماً تنظّم خلالها انتخابات رئاسية. وأمام ارتفاع عدد المنضمين للحراك الشعبي المتصاعد ونوعيتهم، إضافة إلى مدى دقة المعلومات التي كشفتها الصحيفة السويسرية عن صحة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، تبدو فرص تمرير العهدة الخامسة ضئيلة جداً. وإذا لم يثبت بوتفليقة عكس ما قيل عن صحته، في أقرب الآجال، فلن يجد المحيطون به ما يواجهون به الغضب الشعبي العارم، وحينها لا يستبعد أن يرفض المجلس الدستوري ملف ترشحه خلال 10 أيام من آخر يوم لإيداع الملفات، ويعلن حالة «المانع»، وتضع البلاد عهد بوتفليقة خلفها عبر مرحلة انتقالية، سيكون للفريق أحمد قايد صالح رئيس أركان الجيش الجزائري شأن كبير فيها.

آخر الأخبار