هل خطط الموحدون لجعل الرباط عاصمة المغرب على البحر؟

الكاتب : الجريدة24

05 فبراير 2021 - 05:30
الخط :

لحسن العسبي

صومعة حسان بالرباط، من خلال صورتين، واحدة سنة 1960، والثانية في حوالي 2017. تكاد تلخص صومعة هذا المسجد الضخم الهائل (كان مفروضا ومأمولا زمن بنائه أن يكون من أكبر مساجد العالمين العربي والإسلامي، وأن تكون صومعته من أعلى الصوامع بهما)، بشكلها غير المكتمل، قصة عدم اكتمال المشروع الحضاري والسياسي للدولة الموحدية بالمغرب. فقد أصدر قرار إنشائه أعظم سلاطين تلك الدولة المغربية العريقة، السلطان يعقوب المنصور سنة 1195 ميلادية، وتوقفت الأشغال به بعد وفاته سنة 1199 ميلادية (أي منذ 822 سنة بالتمام والكمال).

تشبه صومعة حسان في شكلها الهندسي صومعة الكتبية بمراكش التي أنشأها في شكلها الحالي، ذات السلطان الموحدي يعقوب المنصور سنة 1195 ميلادية (لأن المسجد  ذاك ومنارته القديمه أقدم منذ عهد المرابطين بحوالي 180 سنة). مثلما تشبه صومعة الخيرالدا التي لا تزال قائمة إلى اليوم بمدينة إشبيلية بإقليم الأندلس بإسبانيا، التي كانت صومعة لمسجد موحدي بني هناك سنة 1184 ميلادية من قبل ذات السلطان يعقوب المنصور.

كان طموح ذلك السلطان الموحدي، أن يجعل من مسجد حسان بالرباط (لا أحد يعرف أصل التسمية للأسف)، الذي بني من قبل المهندس المعماري الأشهر للدولة الموحدية أحمد بن باسو، واحدا من أكبر مساجد المغرب والعالم حينها، ضمن طموح ربما لجعل مدينة الرباط عاصمة الدولة على البحر، فيما تبقى مراكش عاصمة الملك في الداخل. ذلك أن ما أنجزه الموحدون من عمران في "رباط الفتح" هو من الضخامة والتنظيم، ما يجعله ترجمانا لقرار سياسي لجعلها عاصمة ملك ثانية بعد مراكش، لكن على ضفة المحيط الأطلسي، وعند مصب نهر أبي رقراق. ولو تواصل ذلك المشروع الموحدي للسلطان يعقوب المنصور بعده، لربما كانت ثقافة البحر مختلفة عندنا كمغاربة ضمن مسار تشكل فكرة الدولة بالمغرب (لكن للأسف التاريخ لا يكتب ب "لو").

كان هوس يعقوب المنصور بالضخامة المعمارية جليا من خلال صوامعه الثلاث (الخيرالدا، الكتبية، حسان). بدليل أن صومعة الخيرالدا كانت لقرون أعلى صومعة بالعالم، بل أعلى بناية بالعالم بعلو يصل إلى 96 مترا ونصف المتر، تليها صومعة الكتبية ب 77 مترا (التي أصبحت أعلى صومعة مسجد بالعالم بعد أن تم تحويل الخيرالدا إلى كنيسة ما بعد 1248 ميلادية، تاريخ دخول ملك قشتالة فيرديناند الثالث إليها)، ثم صومعة حسان ب 44 مترا حاليا بعد أن كان الطموح أن تصل إلى ما يقارب 70 مترا لكن لم يتم إنهاء بناء ذلك المسجد الممتد على مساحة 2550 مترا مربعا بسبب وفاة السلطان يعقوب المنصور.

ميزة هذه الصومعة العالية، أنها بدون أدراج في داخلها، بل تمة طبقات يتم الصعود إليها من قبل المؤذن عبر التواء عريض، تصعد فيه الجياد أو البغال، حاملة المؤذن إلى أعلى الصومعة للآذان. مثلما أن واجهاتها الأربعة غير متشابهة من حيث تقويساتها وزخرفتها وشكل إخراجها، مما يجعلها لوحة معمارية فاتنة ومختلفة عن كل صوامع العالم العربي والإسلامي. ولقد كان به أكثر من 200 عمود صلب، مثلما كانت به أبواب يصل عددها إلى 17 بابا، عالية ب 16 مترا، شبيهة بأبواب باب الرواح علوا وهندسة، وكانت أبوابه أعلى من سور المسجد الذي كان عاليا ب 12 مترا، وهو سور مزدوج (داخلي وخارجي). مع شبكة مياه جد دقيقة ومتطورة في زمنها. مثلما أن اختيار موقع المسجد والصومعة مثالي ليجعله أيضا برجا للمراقبة أمام مدخل مصب نهر أبي رقراق على المحيط الأطلسي وعلى ضفة مدينة سلا وعلى خلفية بلاد زعير.

سيدمر زلزال لشبونة الشهير لسنة 1755، الذي بلغت درجته 9 درجات على سلم ريشتر (والذي تسبب في تسونامي على طول الساحل الأطلسي للمغرب)، أغلب بقايا هذا المسجد الموحدي الضخم، حيث سقطت أسواره ومحرابه وأجزاء خشبية منه (بعضها احترق وبعضها سرق ونهب في ما بعد)، ووحدها الصومعة الصلبة التي بقيت واقفة، وإن سقطت منها أجزاء علوية بسبب ذلك الزلزال الرهيب المدمر.

تم ترميم صومعة حسان ومسجدها بتواتر منذ سنة 1961، بعد أن قرر العاهل المغربي المرحوم الحسن الثاني أن يجعل من فضاء حسان موقعا لاحتضان جثمان والده الملك الوطني الكبير محمد الخامس المتوفي يوم 26 فبراير 1961، حيث بني في جنوب المسجد ضريحا له، بهندسة معمارية زاوجت بين الموروث المعماري الموحدي والموروث المعماري العلوي، ويعتبر اليوم تحفة معمارية رائدة بكل الشمال الإفريقي وبإفريقيا والعالمين العربي والإسلامي (وهو الضريح الذي سيضم أيضا قبر الملك الحسن الثاني وشقيقه الأمير مولاي عبد الله).

آخر الأخبار