عطوان: ستة أسباب وراء انتصار الحراك السوداني والاطاحة بالبشير

الكاتب : الجريدة24

11 أبريل 2019 - 03:24
الخط :

عبدالباري عطوان

جاء الرئيس عمر البشير الى الحكم بإنقلاب عسكري، وها هو يغادر مرغما بالطريقة نفسها التي جاء بها، مع فارق أساسي وهو ان “ثورة الإنقاذ” التي تزعمها بالتعاون مع حركة “الاخوان المسلمين” أطاحت بنظام ديمقراطي، وقادت السودان الى الفقر، وخسارة ثلث أراضيه، واكثر من 75 بالمئة من ثرواته النفطية، وحولت جيشه الى جيش “مرتزق” يحارب من اجل المال في اليمن.

وزير الدفاع السوداني الجنرال عوض بن عوف، الذي قاد الانقلاب الجديد، أعلن اقتلاع نظام البشير في بيانه الأول، وتشكيل مجلس انتقالي يتولى الحكم في البلاد لفترة انتقالية مدتها نحو عامين على الاقل، وتعطيل العمل بالدستور، وحل مؤسسة الرئاسة ومجلس الوزراء وإعلان حالة الطوارئ لمدة ثلاثة اشهر.

اختلفت الآراء حول هذه الخطوة الانقلابية للمؤسسة العسكرية التي تعتبر الوحيدة المتماسكة في البلاد، وتشكل ضمانة للامن والاستقرار، مثلما هو الحال في معظم دول العالم الثالث، وخاصة في الجزائر وباكستان ومصر وتركيا والقائمة طويلة.

هناك رأي عبرت عنه منظومة تجمع المهنيين السودانيين التي قادت الاحتجاجات الشعبية التي طالبت الرئيس البشير بالرحيل، يقول بأن الاحتجاجات يجب ان تستمر، لان انقلاب بن عوف هو استنساخ عسكري جديد لنظام جبهة الإنقاذ، وفي المقابل يرى رأي آخر ان الاحتجاجات الشعبية حققت معظم اغراضها واهمها رحيل الرئيس البشير بعد أربعة اشهر من بدئها، ولا بد من التوقف التقاطا للأنفاس، وإعطاء فرصة للتغيير الجديد، فالجيش انحاز للاحتجاجات، وهو من أبناء السودان.

لا نعرف أي من الرأيين المذكورين ستكون له الغلبة في نهاية المطاف، فالحالة الحراكية السودانية لها خصوصيتها وتختلف في العديد من الأوجه مع نظيرتها في الجزائر او أي مكان آخر، ولكن ما نعرفه انها انتصرت وحققت هدفها الأكبر وهو اسقاط الرئيس البشير وحكمه، وذلك للأسباب التالية:

ان هذه الثورة الشعبية السودانية كانت موضع شبه اجماع شعبي، مثلما كانت سودانية بحتة انطلقت من أرضية الفساد والجوع والحرمان في مواجهة نظام ديكتاتوري انفصل عن الشعب وطموحاته المشروعة في الحرية والديمقراطية الحقيقية والعيش الكريم.

ثانيا: سلمية الثورة وعدم حدوث أي تدخل خارجي فيها، إقليميا كان او دوليا، وطول نفس الشعب السوداني (استمر الحراك 4 اشهر)، كلها عوامل ميزتها عن جميع نظيراتها الحالية او السابقة.

ثالثا: نجاح الحراك الجزائري الحضاري في الإطاحة بحكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة اعطى زخما قويا لنظيره السوداني، وتجديده، بعد ان خفت حدته لبعض الوقت.

رابعا: انحياز الجيش السوداني للمتظاهرين والتفافه حولهم، ومنع قوات الامن من استخدام القوة ضدهم، وترددت انباء انه رفض الانصياع لقرار الرئيس البشير في النزول الى الشوارع وقمع المتظاهرين.

خامسا: لم يتدخل حلف الناتو عسكريا لنصرة الحراك السوداني مثلما جرى في ليبيا، ولم ينفق الرئيس ترامب 90 مليار دولار لتسليح الثورة السودانية مثلما حدث في سورية، ولم يلعب “الفيلسوف” الفرنسي برنارد هنري ليفي دورا في إعطاء نصائحه الصهيونية للثوار والمحتجين.

سادسا: كان لافتا ان قنوات فضائية عربية مثل “الجزيرة” و”العربية” (بدرجة اقل)، لم تلعب الدور التحريضي نفسه الذي لعبته اثناء ثورات الربيع العربي الأولى، وخاصة السورية والليبية والمصرية واليمنية، ويبدو ان زيارات الرئيس البشير لعواصم هذه القنوات لعبت دورا كبيرا في تخفيف حدة “التحريض”.

الفارق الكبير في الحراكين الجزائري والسوداني، ان الأول ظل مدنيا، وان الجيش لعب دورا اشرافيا، ولم يستول على الحكم، وظل قائده الفريق اول احمد قايد صالح ملتزما بالدستور وعدم اتخاذ أي خطوات تشكل انتهاكا له، بينما كان تصرف الجيش السوداني نقيضا لهذا النهج، وتدخل الجيش مباشرة واستولى قائده ووزير دفاع البلاد على الحكم دون مواربة.

من الصعب التكهن بتطورات الأيام المقبلة في السودان، ولكن اعلان قادة الانقلاب العسكري حالة الطوارئ لمدة ثلاثة اشهر، وحظر التجول وتطبيق الاحكام العرفية بالتالي، يوحي بأنهم سيلجأون الى القبضة الحديدية، وانهاء اعمال التظاهر والاحتجاج مهما كلف الامر.

لا نأسف مطلقا في هذه الصحيفة “راي اليوم” لرحيل الرئيس عمر البشير والمجموعة الفاسدة التي كانت تحيط به معظم السنوات الأخيرة من حكمه التي امتدت لأكثر من ثلاثين عاما، واجه خلالها الشعب السوداني كل أنواع القمع والحرمان وغياب الحريات وحقوق الانسان.

هنيئا للشعب السوداني الشقيق بهذا النصر الذي استحقه، وقدم الشهداء من اجل الوصول اليه، واطاحة نظام حكم فاسد ورئيس طاغية، وكلنا ثقة بأن الشعب وانضباطه، وقوة عزيمته، وصلابة حراكه هو الضمانة للحفاظ على مكتسبات ثورته، ومنع أي انحراف عنها، ونقل السودان الى المكانة الإقليمية والعالمية المتقدمة التي يستحقها.

رأي