أخنوش و تأشيرة الدخول الى الجنة !

الكاتب : الجريدة24

22 يناير 2020 - 10:20
الخط :

العياشي الفرفار - دكتوراه علم الاجتماع

عاشت بلدية تملالت اسبوعا احتفاليا بمناسبة النسخة الثامنة من مهرجانها السنوي , والذي عرف نقلة نوعية على مستوى التنظيم والوجستيك و الحضور الجماهيري و المتابعة الإعلامية , و هو حدث يستحق التوقف عنده كلحظة تفكير تستدعي البعد السوسيولوجي لرصد حالة نحاج أتمنى ان لا يكون مؤقتا .

تملالت مدينة عبور بلاشك , من القديم كانت محطة استراحة للقوافل الآتية من فاس نحو مراكش , ربما مشكلتها انها كانت ومازلت منطقة عبور , و الرهان الاساسي هو ان تصبح منطقة استقطاب و انتاج .

نسخة هذه السنة كانت عنوانا لنجاح باهر بشهادة غالبية ساحقة من زوار المهرجان و من المتتبعين , ربما المهرجان اصبح اكبر من مجاله الجغرافي مما يوحي انه مجال سياسي بامتياز يشكل مسرحا لفعل سياسي و انتخاي متسارع , و هو امر مقبول في اطار التدافع السياسي , فحجم اللوجستيك و الامكانيات التي ثم توظيفها و زيارة وزير و امين عام حزب يتم تسويقه من طرف انصاره انه رئيس الحكومة المقبل !.

و لادة المهرجان كانت نتيجة صراع نفوذ داخل الاقليم بين تكتلين , و لم تكن ولادة المهرجان بسبب تنافس مجالي او ترابي كما يعتقد بعض المهتمين , في إشارة الى انتصار الضواحي على المركز . سياقات ميلاد المهرجان كان في إطار صراع متعدد الابعاد بين تيارين بالإقليم كان من نتائجه استقطاب سياسي و انتخابي حاد أنتج ميلاد ملتقى للزيتون بالعطاوية معقل التيار الأول ومهرجان تملالت .

فميلاد مهرجان تملالت كانت الية لصناعة التوازن بالاقليم في مرحلة صعبة عرفت صراعا حادا وصل الى المواجهة المفتوحة مع مثل جلالة الملك بالاقليم , و النتيجة مهرجان بالعطاوية و مهرجان بتملالت .و كل مهرجان له خلفية سياسية و انتخابية بارزة .

ربما نهاية المهرجانيين قد تكون بانتفاء الخلفية السياسية او على الاقل عدم الاستمرارية في نفس التوهج و النجاح , المؤشرات المدعمة لهذا الاتجاه هو ضعف ملتقى الزيتون بسبب المشاكل الداخلية التي تعيشها الدائرة الضيقة الراعية لملتقى العطاوية .

هو الامر الذي يقود الى تبني فرضية ان قوة مهرجان تملالت لا تعود الى جاذبية المجال كما يعتقد الكثيرون و انما الى جاذبية فعل سياسي جاذب في الوقت الراهن .

مشاهد الفرح في كل مكان و الشارع الرئيسي اصبح مختنقا , زاد من جمالية المهرجان هذه السنة هو حجم التنظيم و قيمة اللوجستيك و اسناد مهمة تنظيم حلبة الفروسية لشركة خاصة, و هو ما منح للمهرجان و حلبة الفروسية بعدا احتفاليا في غاية الجمال .

حضر وزير الفلاحة , رغم ان منطقة تملالت ليست منطقة فلاحية , لكن حضور الوزير و الذي يعتبر شريكا في تمويل المهرجان بحوالي" 70 مليون سنتيم من ميزانية الوزارة" بحسب المعيطات المتداولة في انتظار تاكيدها من الجهة المنظمة .

حضر الوزير و الامين العام للحزب , توقف الزمن السياسي بالاقليم فحلت فوضى غير مسبوقة بمكان الاستقبال . الحضور عاش فوضى في كل شئ , لدرجة ان بعض المستقبلين اختلطت عليهم الامور و بداوا في ترديد عبارات تخصص لجلالة الملك فقط !

حجم المستقبلين كان كثيفا , و اختلط كل شئ , صراخ و تهليل و دعاء حتى ان الجهات المسؤولة على تنظيم البرتوكول اصبحت تائهة . و تعيش حيرة لانها لم تعد تعرف كيف تتعامل مع الضيف الاستثنائي هل كوزير ام كأمين عام لحزب سياسي لاسيما في زمن سياسي خاص بالاقليم حيت السلطة الإقليمية منحت مسافة الامان من كل الفاعليين و حتى المؤثرين المستفدين من التجارب السابقة . الكل يصر على مصافحة الوزير / الامين العام في مشهد لا يرى الا في الاستقبالات الملكية , احد "الشرفاء" لحظة مصافحته لوزير اخنوش , خاطبه و بشكل وثوقي انه سيكون مع شرفاء تساوت بالجنة !

لحظة كثيفة و عميقة تمنحنا فرصة لتفسير نمط من عقليات مواطن بعد سنة سيطلب منه اختيار ممثليه , و بالتالي اختيار من يسير اموره لمدة سنوات ستكون طويلة و صعبة و معقدة ؟

تصريح الرجل وهو و اثق من نفسه بما يقول , و ان اخنوش في طريقه الى الجنة مع شرفاء تساوت , يعيد نا الى عصر ما قبل الأنوار و هيمنة الكنسية على كل شئ باوربا بما في ذلك بيع الجنة .

الملاحظ ان الأمين العام , لم يلتفت للعبارة و لم يعرها اهتماما , و هو تصرف غير معتاد في معتقد الشرفاء , لانهم يتصرفون كمالكين للحقيقة و انهم هم من يعرفون الطريق الى الجنة و ان دعائهم ينبغي ان يحضى بالوقاء و الرعاية و حسن التقدير .

حرارة الشريف في الدعاء و الطريقة الباردة في التلقي من طرف الأمين العام تكشف ان هناك سوء تواصل و سوء فهم في الخطاب و في أشكال تلقييه او على الاقل اختلاف منطق تفكير الرجلين , ربما عدم التجاوب يكشف ان منطق تفكير اخنوش ليس هو منطق تفكير الشريف , الأمين العام يفكر في جنة أخرى غير الجنة المقصودة في المعتقد الديني للشريف الرحالي !

جنة الامين العام طريق اليها لا يكون بالدعاء و الايمان , و لكن عبر فعل انتخابي حيت يصبح المواطن طريقا للسلطة , وهذا هو السبب الأساسي في الحضور انه يبحث عن جنة السلطة و نعيمها , و المؤشر هو ان مهرجان هذه السة كان بصبغة خاصة , و شكل فرصة لخروج الامين العام للحزب من عزلته بسبب تصريحاته الاخبرة حول تربية المغاربة , لذا كان خيار الفروسية و حلبتها الجميلة الاداة الفعالة لضمان حضورقياسي .

حكاية الشريف و اخنوش , تذكرني بقصة التاجر الذي أراد شراء جهنم , ولأن التجارة هي البحث عن الربح, فكر التاجر في شراء جهنم مادام ثمنها سيكون رخيصا , لان تجار الكنسية يبيعون الجنة عبر و جهنم لا احد يريد الاقتراب منها اما شرائها فتلك قصة حمق , و حيت منطق السوق خاضع لقانون العرض و الطلب , فان ثمن قطعة في الجنة سيكون باهضا , بالمقابل ارض جهنم الكل يبحث عن حلول للهروب منها .

فصكوك الغفران تعني شراء قطعة من الجنة و تكتب باسم المشتري من اجل السكن بعد الموت , حين يمتلك الرجل صكا للغفران فهذا يعني ان له أرضا محفظة باسمه في الجنة , وبالتالي سيموت مرتاحا مادام يعرف ان مصيره سيكون مع الملائكة و حور العين .

هذا المنطق جعل كل اموال الناس تصرف لفائدة الكنسية , فكان الدين التجارة الرابحة بمقابل كساد كبير في كافة المجالات , لذا فكر التاجر في طريقة لارجاع الاموال الى العالم الواقعي حتى تنتعش تجارتهم و تصبح الاموال تتجه الى خزائن التجار و ليس الى خزائن رجال الدين .

فكر رجال الدين بالعرض و باعوا جهنم للتاجر , و سجلت باسمه في عقد شبيه بعقد شراء بقعة في الجنة , بعد يومين كتب التاجر اعلانا و عممه على كافة المدن انه اشترى جهنم و قد قرر اغلاقها و بالتالي لن يدخلها أي احد , فلاداعي لمنح اموالهم لرجال الدين و عليهم ان يستمتعوا بها ( بداية الاصلاح الديني و ضهور البروتستانتية في مواجهة الكاتوليكية ).

صدم رجال الدين و انتعشت التجارة و بدا أفول الفكر الديني كفكر كنهوتي يجعل من الكنيسة وسيطا بين العبد و ربه .و انتعش خطاب فلسفة الانوار حيت الاحتفاء بالعقل و جعل العقل هو السيد الوحيد الذي يمنح للكل الاشياء مقاساتها ( ديكارت – كانط – فولتير – فلاسفة العقد الاجتماعي و غيرهم ) .

هذه الحكاية تتقاطع مع حكاية الشريف الرحالي الذي منح اخنوش تاشيرة مرور الى الجنة , لكن الجنة التي يريد ها و يبحث عنها المغاربة هي بناء مواطنة كاملة حيت العيش الكريم و التنمية المستدامة , تحقيق ذلك لا يحتاج الى دعاء و انما يحتاج الى نباهة و فطنة التاجر الذي قرر شراء جهنم و اغلاقها لكي يتحرر المواطن الاوربي من تعسف الكنيسة و استغلالها و بطشها وهو ما ساعد في بزوغ مرحلة النهضة الاوربية عبر ترسيخ العقلانية كشرط لبناء الانسان و الدولة و المجتمع .

ربما جنة اخنوش مرتبطة بكرسي رئاسة الحكومة حيت السباق نحوه سيكون قاسيا و بحسابات معقدة , , لذا فهو تاجر شاطر يعرف كيف يحقق الربح عبر المواطن و ليس للمواطن , لكن تحقيق ذلك امر معقد لان التجار لا يفكرون الا في ارباحهم .

آخر الأخبار