هل صحيح أن "بحرالدين" وَهابِي بطربوش مغربي؟

الكاتب : الجريدة24

05 أغسطس 2020 - 12:30
الخط :

نَذِير العَبْدي

عندما قلنا سابقا ان "بحر الدين" هو تاجر دين ومُتسول مَنابِر، لم يكن هدفنا هو تمريغ وجه الرجل في الوحل. ولم تكن غايتنا تشويه سمعته. بل كنا نبحث عن الوجه الخفي للرجل والجزء الشقي في مساره. بعيدا عن حياته الاسرية وحياته العاطفية. رغم ان  بعض أصدقائه المقربين يقول ان الرجل له زوجة ثانية "بالفاتحة"، أي أنه متعدد الزوجات مما قد يجعله أمام المساءلة القانونية أمام القضاء الإيطالي الذي يمنع تعدد الزوجات.

قد يبدو الامر في بادئ الامر صعبا. لكن سرعان ما تذوب حقيقته كذوبان كرة ثلج أمام قوة الحجج. بل انه هو من كان يُقدمها لنا على "طبق التباهي و الغرور" بدعوى تحقيقه لمنجزات خُرافية، لكن العرب قالت قديما "يُؤتى الحذق من مأمنه". وهكذا كان من مأمنك يا "بوطربوش".

تدبير الشأن الديني و نعني به الإسلام  بأوروبا ليس بالشئ الهين. بل هو مساحة معقدة لصراع  و تقاطع مصالح العديد من الأنظمة و التيارات الإسلامية. فبعد حرب البترول سنة 1973 حضرت بقوة السعودية بكل ما تملك من قوة المال والبترول من اجل السيطرة على المساجد والمراكز الإسلامية باوروبا لترسيخ الفكر الوهابي داخل أوساط الجاليات المسلمة في أوروبا.

و بعد سنوات طويلة ستدخل أنظمة أخرى لرُقْعة الصراع ومنها تركيا (السنة)  و ايران  (الشيعة) و أيضا قطر (الاخوان المسلمين) عن طريق "قطر الخيرية" و قد سخرت كل هذه الدول أموال  ضخمة بالمليارات واستثمارات مهمة كمساعدات او بناء مساجد او شراء عقارات او تحويل كنائس الى مساجد و غيرها.

المغرب لديه جاليات قوية في البلدان الأوروبية، وبالتالي فجالياته معنية بكل تلك التجاذبات والتيارات الإسلامية، وهو ما يعني ضرورة تدخل الدولة المغربية للحفاظ على الهوية و النموذج المغربي في التدين المبني على الوسطية و الاعتدال و المذهب المالكي. لفائدة اجياله المتعاقبة بالمهجر.

في إيطاليا كان الامر صعب شيء ما لتواجد الفاتيكان. ولعدم وجود مخاطب وحيد امام السلطات الإيطالية. فالكونفدرالية الإسلامية ليست هي المحاولة الأولى، بل سَبقتْها محاولة "اتحاد المسلمين بايطاليا". لكن عدم نضج القائمين عليها اجهض المشروع وليس الفكرة والمبدأ. وهو ما حاولت الكونفدرالية الإسلامية تداركه.

مع ملاحظة اننا لسنا راضين على نتائج الكونفدرالية و لا على أداء بعض مكوناتها. وهو ما يعني ضرورة القيام بتغييرات جذرية تجعل من فكرة الكونفدرالية محل إجماع لكل مغاربة إيطاليا.

ففي ماي 2019 صدر كتاب "أوراق قطر" للصحافيين الفرنسيين "كريستيان شيسنوت" و "جورج مالبرونو"، يتضمن تدفق أموال قطرية سنة 2014 من اجل تمويل أنشطة  المساجد والمراكز الثقافية باوروبا حيث وصلت الفاتورة 72 مليون أورو. كانت 22 مليون أورو من نصيب إيطاليا. بطبيعة الحال التدفق كان في اتجاه المراكز الإسلامية و المساجد التابعة لتيار الاخوان المسلمين وبالضبط "لوكويْ" و بتوصية من الشيخ القرضاوي نفسه.

الكتاب/التحقيق  "أوراق قطر" تضمن أرقاما و أسماء مساجد و شخصيات. لم يكن فيها مسجد "المدينة" بطورينو و لا حتى السيد  "بحر الدين"،  لانه ليس من أتباع الحسن البنا ولا طارق رمضان.

كما أن خروجه من الكونفدرالية الإسلامية المغربية  يعني انه لا يتبنى المشروع المغربي الوسطي المعتدل. بل خلق لنفسه هيئة جديدة على مقاسه و تُرضي غرور "فضيلة الشيخ  بحر الدين" و نعني بذلك "الفدرالية العامة  للمسلمين بايطاليا ".

فهل كان اختيارا  بريئا؟  و كيف يُعْقل أن يقفز "بحر الدين" من مركب الكونفدرالية المغربية ليحاربها بعد ذلك؟

لنترك بعيدا الكلام الكبير، مثل محاربة الفساد والمال العام وغيره. فالمنطق يقول انه اذا لم يكن "مول الطربوش" إخوانيا (قطر) أو معتدلا (المغرب) فهو بالتأكيد "وهابي الهوى" أي تيار السعودية. لكن كيف السبيل للوصول الى هذه الحصيلة الخطيرة؟

فإذا علمنا أن السيد "بحر الدين" لا يشتغل بشكل نظامي بايطاليا و لا يؤدي الضرائب. لكن لديه سكن وسيارة محترمة وعائلة وأبناء يعني تكاليف ومصاريف. فالمجنون هو من يصدق أن إكراميات الناس وإحسان رواد المسجد. هي مصدر عيشه الوحيد. أضف انه دائم السفر والتنقل في الدرجة الأولى بالطائرات الى المانيا وفرنسا وبرشلونة. كما أن السكن بمنطقة "بلفدير"  بمنطقة محطة المسافرين بالدارالبيضاء غير متأتى للجميع!

كل هذه التساؤلات تبقى مشروعة و قائمة اذا علمنا ان السيد "بحر الدين" كان مكلفا  بجمع و توزيع "الهبات". فهل كان يُطبق مثلا " اللهم ارحمني أولًا و ارحم عبادي ثانيا"؟

لكن القيام بجولة خفيفة داخل ألبوم صوره،  تساعدنا بكل يُسر على فهم المنطقة الرمادية في مسار "فضيلـة  الشيخ" بحر الدين. فكل صوره هي مع خليجيين ومغاربة وسوريين وتونسيين من تيار الفكر الوهابي. مثل السعودي محمد العريفي الذي لبس الزي العسكري لمناصرة "جماعة النصرة" وسعيد بن مسفر القحطاني والشيخ المنجد وسعد البريك والتونسي البشير بن الحسين والمغربي نور الدين قراط وأبو النعيم، وغيرهم.

فهل كل هذه الأسماء ذات الفكر الوهابي صدفة؟ فهل المشاركة واشراكهم في ندوات ولقاءاتهم صدفة ايضا؟ بكل صدق، لا اعتقد ذلك.

و سيعلن "بحر الدين" في الأسبوع الأخير من شهر دجنبر 2017، أن "فيدراليته العامة" ستفتتح مسجد محمد السادس ببوركينافاسو في الأسبوع الأول من يناير 2019. فاذا علمنا ان عاصمة بوركينافاسو تتضمن فقط فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة. و ليس بها مسجد محمد السادس. فلماذا اقحم امير المؤمنين والمغرب في نشاطه الافريقي؟

الجواب نجده في فيديو نشره على صفحته. حيث خُصٍص له استقبال رسمي وكأنه مسؤول حكومي كبير، حيث  اصطف عَلِية القوم للسلام عليه. ثم الحضور لخطبة الجمعة باللغة العربية. ولم يجد ما يستشهد به غير مؤذن الرسول (ص) بلال رضي الله عنه!

الزيارة ستمتد لبضعة أيام ببوركينافاسو. و ستتميز بحفل استقبال بادخ بمقر سفارة السعودية ببوركينا فاسو وتبادل شواهد الاعتراف والشكر مع سعادة السفير السعودي.

بوركينافاسو التي عرفت احداثا إرهابيا  داخل مسجد العاصمة  ولها جوار مع دول تحتضن "بوكو حرام". تعرف تنافسا كبيرا بين السعودية وقطر وتركيا وايران. في مجال بناء المساجد التي تحتضن تيارات من بناها.

وهنا نقترب من الاستنتاج الخطير. وهو ان امير المؤمنين والمغرب لهم سمعة قوية في بوركينافاسو سواء لدى الدولة أو الشعب البوركينابي، و خاصة في المجال الديني بوجود الزاوية التيجانية وكذا انظمام علماءها الى مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة. كما ان المغرب له وضع خاص على مستوى اقتصاد بوركينافاسو.

وهي عوامل تجعل السعودية في حاجة إلى خدمات مغربي بطربوشه الأحمر وجلاليبه لتسهيل ترسيخ التيار والفكر الوهابي بين مسلمي بوركينافاسو. وهي عناصر متوفرة في بحر الدين الكثير التردد على السعودية إما مُعْتمرا، كعمرة أعضاء الفيدرالية العامة سنة 2010. أو مرافقا للحجاج و المُعتمرين، أو مُشاركا في ندوات الشيوخ أو في دورات لتقديم بعض الشروح و الدروس.

وهو لهذا اعلن في تدوينته انه سيفتتح مسجد محمد السادس ببوركينافاسو. من اجل استغلال الرأسمال الكبير من الثقة التي بناه المغرب في العمق الافريقي وأيضا استغلال تراكمات الديبلوماسية الدينية المغربية في العمق الافريقي. لانه لو لم يكن مغربي و بطربوش مغربي. لما أعاره الحاضرون ذلك اليوم أي اهتمام. لكنه مغربي و يتمتع بنفوذ وهابي.

التساؤل حول حقيقة بحر الدين هل هو وهابي  الفكر والهوى. يقترب من اليقين، سواء بايطاليا حيث يُحارب النموذج المغربي من خلال محاربة مؤسساته أي الكونفدرالية. والتي نعيد التأكيد على ضرورة إعادة النظر في طريقة أدائها. او بافريقيا حيث يخدم أجندة الفكر الوهابي بالعمق الإفريقي.

نعتقد ان السيد بحر الدين هو حر في اختياراته المذهبية وفي طريقة تفكيره الشخصية. لكنه ليس حر في المساس بالنموذج المغربي في تدين مغاربة ايطاليا. و ليس حرا ان يعبث بمنجزات المغرب في العمق الافريقي من أجل حفنة دولارات. وانها لحقارة وخسة ان يختفي وراء مصطلحات رنانة يستغلها بكل مكر كالمصلحة العامة ومحاربة الفساد والمفسدين. سيدي الفاضل من كان بيته من زجاج فلا يرمي الناس بالحجر.

آخر الأخبار