جريمة مؤنثة.. قتلت زوجها الإمام

جريمة مؤنثة... قتلت زوجها الإمام بمساعدة ابنتهما

الكاتب : الجريدة24

09 ديسمبر 2023 - 01:00
الخط :

جريمة مؤنثة... قتلت زوجها الإمام 

رضا حمدالله

علا صراخهما واشرأبت الرؤوس من نوافد منازل مجاورة للمسجد بذاك الحي الشعبي الغارق في عشوائيته وفوضاه. حيرة جيرانهما زادت كما استفهاماتهم حول سبب إطلاقهما عنان حلقيهما لزعزعة هدوء ليل سكان الحي الذين كان بعضهم خلد للنوم واستفاق مذعورا. كانتا في باب منزلهما الملحق بالجامع تبكيان وتستنجدان بالناس أملا في تدخلهم. كل الجيران هرعوا إليهما.

الأم وابنتها كانتا تبكيان بحرقة، لكن لا أحد اهتدى لسبب بكائهما قبل تجمع عشرات الناس أمام المسجد. إمامه الذي يؤم سكان الحي في صلواتهم، كان وسط بركة دم بفناء المنزل اللاصق في سور المسجد. عليه جروح ورضوض سيما في الصدر والرأس. حرك بعض الحاضرين أطرافه، فتيقنوا أنه مات. من قتل الإمام؟. سؤال تردد على ألسنة من حضروا. هو إنسان محبوب يحترم الناس فيحترمونه منذ عين إماما بالمسجد قبل عقد، فمن له مصلحة في قتله ولماذا وكيف ومتى؟.

- 3 أشخاص ملثمين هاجموه وبعثروا تجهيزات وفراش الغرفة ربما بدافع السرقة. أنا وابنتي كنا خارج البيت نتبضع من السوق، وبعودتنا صادفنا فرارهم. لم نستطع التعرف على أي منهم. لقد أخفوا وجوههم ورؤوسهم.

هذا ما حكته زوجة الإمام الفقيه الستيني الذي لم تكن له عداوة مع أحد من السكان. كان حريصا على عدم الاختلاط بالناس إلا ما يجمعه به في الصلاة ودروس الوعظ والإرشاد. حتى لما يخرج للتفسح أو التبضع، يكتفي بإلقاء التحية متحاشيا الأحاديث الطويلة.

أعادت الزوجة سرد نفس الرواية لعناصر الأمن بعد حضورهم للقيام بالمتعين، وزكتها ابنتها العشرينية بنفس التفاصيل ولو اختلفا في جزئيات دقيقة. ضابط الشرطة دون ما قالتا في محضر، موازاة مع رفع عناصر الشرطة العلمية والتقنية، البصمات وجمعها للأدلة والقرائن المادية، بعد تصوير الجثة وإنجاز محضر بذلك، قبل نقلها لمستودع الأموات للتشريح بعد انتهاء الإجراءات القانونية.

لم تدقق الزوجة وابنتها خلال الاستماع لهما تمهيديا، في أوصاف مهاجمي الإمام وشكلهم وطول كل واحد منهم ونوعية لباسهم.  تحججا بفرارهم بسرعة وخوفهما من رد فعلهم. أكدا أنهم كانوا مسلحين بعصي وأسلحة بيضاء، وفروا في اتجاه موقع خلاء غير بعيد عن المسجد، إلى أن تواروا عن الأنظار. تبريرهما تأخر طلبهما النجدة، لم يقنع أحدا من المحققين.

أثناء استنطاقها بمكتبه بالدائرة الأمنية، لاحظ ضابط الشرطة دما باليد اليمنى للزوجة التي كانت مرتبكة تحرك أصابع يديها بشكل يفضح توترها. وبكشف يدها لاحظ جرحا بحجم صغير، بررته بإصابتها أثناء تقشير البطاطس بالمطبخ قبل ساعات من ذلك. عبثا حاولت إقناعه بذلك، فالجرح ما زال طريا. تظاهر بعدم الاهتمام بالجواب وواصل البحث معها مدققا في كل التفاصيل التي ساءل بشأنها ابنتها، مركزا على متناقضات.

مرت ساعات البحث دون نتيجة. الزوجة متشبثة بأقوالها كما ابنتها ولا دليل آخر قد يقود لفك لغز الجريمة. سرحا دون أن يطوى البحث الذي بقي مفتوحا لحين ظهور جديد ونتائج التشريح الطبي والخبرة على بقع الدم  البصمات. الرهان على هذه النتائج بعدما لم تفك الأبحاث والتحريات الميدانية، لغز جريمة غامضة ومحيرة.

لم تكن أي من البصمات المرفوعة، لشخص غريب. كلها لأفراد الأسرة. معطى زاد الأمور غموضا، فقد يكون مهاجمو الإمام، استعملوا قفازات. الحيرة ستذوبها نتيجة الخبرة على بقع دم رفعت من فناء المنزل وجسم الهالك، عينة منها للزوجة. حقيقة صادمة ووجهت بها دون جدوى، فالزوجة مصرة على الإنكار. لكن يقظة المحققين ستنتصر.

لجأ ضابط الشرطة لعله يظفر بمعلومة أو خيط ولو رفيع، موصل لفك لغز الجريمة. جالس ابنتها وأفصح لها عن اعتراف إمها بقتلهما الإمام. قال ذلك وطلب منها تفاصيل حول كيفية إجهازهما عليه.

- لا أنا لم أقتله، أمي ضربته بسكين في صدره، فخارت قواه وسقط وارتطم رأسه بالأرض. ساعدتها في محاولة حمله، لكني لم أضربه.. لا، لا لم أقتله.

صاحت الفتاة بهستيريا، قبل أن يهدئ الضابط من روعها ويناولها كوب ماء ويدعوها للاسترخاء على كرسي.

حيلة الضابط انتزع بها اعتراف الابنة الذي ووجهت به الأم، فلم تجد بدا من الاعتراف بما اقترفته يداها. حكت ما وقع في ذاك الأحد، بعدما بلغ إلى علمها ربط زوجها الإمام علاقة عاطفية بفتاة ثلاثينية وعزمه الزواج منها.

في تلك الليلة عاد الإمام متأخرا. فتجدد نزاعهما. عاتبته على علاقته بفتاة في عمر ابنته ودون احترام وفائها ومركزه إماما وفقيها محترما يؤم الناس للصلاة ومفروض أن يحافظ على وقاره وتقواه. عتابها وكلماتها الجارحة، لم ترقه فمد يده ليضربها وما فعل ذلك طيلة 4 عقود من زواجهما. صفعها وحاول مواصلة الاعتداء عليها، إلا أنها فرت منه وتوجهت للمطبخ وغابت مدة قصيرة قبل أن تعود.

تظاهرت الزوجة بأنها سامحت زوجها ووقفت قبالته وهو واقف مطئطأ الرأس شاردا الله أعلم بما يفكر فيه. وفي لحظة رفعه رأسه ليحدثها، غرزت السكين في صدره وبقوة، محدثة جرحا غائرا جهة القلب. خارت قواه وسقط فارتطم رأسه بالأرض. حينئذ أحست بالذنب والندم فتحسست جسده. كان ينزف دما كثيرا وهو يطلب عفوها. صوته كان يخفت مع كل كلمة ينطقها إلى أن وافته المنية، قبل أن تحاول وابنتها حمله دون جدوى ليقررا تركه ومغادرة المنزل متظاهرتين بالتبضع. غابا نحو نصف ساعة وعادا للمنزل محملين بالفواكه، وبفتحهما الباب شرعا في الصراخ. حيلة لجآ إليها لتضليل العدالة.

وضعت الأم وابنتها رهن الحراسة النظرية وحوكما وحكم عليهما. الأم ب10 سنوات سجنا نافذا والتهمة الضرب والجرح بالسلاح المفضي إلى الموت، وابنتها أدينت ب6 أشهر حبسا لعدم تبليغها عن الجريمة. عقوبة أنهياها بعدما هدما متانة جدران أسرة تفككت.

آخر الأخبار