كورونا ليست وحدها من عطلت صلاة الجماعة والجمعة والتراويح

الكاتب : وكالات

25 أبريل 2020 - 11:00
الخط :

كورونا ليست وحدها من عطلت صلاة الجماعة والجمعة والتراويح، فكتب التاريخ الإسلامي مليئة بالاخبار التي تحدثت عن تعطيل هذه الشعائر.

فصلاة التراويح تعطلت بسبب الخلاف الطائفي، ولكن المنع السياسي لإقامتها المؤيد بقوة السلطان كان أقوى تأثيرا من تلك الآراء الفِـرَقية التي ‏ظلت محدودة الانتشار زمانا ومكانا؛ فقد عُرف الفاطميون –وهم مؤسسو دولة الشيعة ‏الإسماعيلية- بمنع صلاة التراويح في حقب من تاريخ حكمهم الذي شمل الغرب الإسلامي ‏ومصر والشام والحجاز.‏

فقد خاطبوا أتباعهم -وهم ما زالوا في طور الدعوة قبل تأسيس الدولة- قائلين: "مذهبنا ألا تُصلَّى التراويح لأنها ليست من سنة النبي (ص) وإنما ‏سنها عمر".

ويخبرنا سبط ابن الجوزي (ت 654هـ) أن الخليفة الفاطمي المنصور إسماعيل بن القائم بأمر ‏الله (ت 334هـ) خالف سيرة أبيه وجدِّه في الحكم فـ"أقام التراويح والسُّنن" في تونس قبل ‏خروجهم منها إلى مصر. وأفاد المؤرخ ابن سعيد الأنطاكي (ت 458هـ) بأنه في سنة 370هـ‍ ‏منع الخليفة الفاطمي العزيز بالله (ت 386هـ) صلاة التراويح بمصر فـ"عظُم ذلك على كافة ‏أهل السُّنة من المسلمين".‏

لكن خلَفـَه الحاكم بأمر الله (ت 411هـ) سمح بإقامتها مؤقتا ثم منعها عشر سنوات حتى كانت عقوبة من يصليها الإعدام؛ فقد قال المقريزي ‏إنه في سنة 399هـ أمر الحاكم بـ"قتل رجاء بن أبي الحسين من أجل أنه صلى صلاة التراويح ‏في شهر رمضان". وفي المسجد الأقصى بالقدس ضُرب الشيخ الصالح أبو القاسم الواسطي (ت القرن 4-5هـ) حتى أوشك على الهلاك لأنه اعترض على "أمر السلطان ]الفاطمي[ بقطع صلاة التراويح".

ثم سمح الحاكم بصلاتها مرة أخرى سنة 408هـ وأصدر بذلك قرارا رسميا قرئ في مساجد مصر وغيرها، فاستمرت إقامتها حتى وفاته؛ ‏وكانت دوامة المنع والإذن تلك للتراويح من أمثلة قرارات الحاكم المزاجية التي عُرف بها عهده المتقلب ‏المواقف والقرارات.‏

وفي الجناح الشرقي من الخلافة العباسية؛ منع "الحشاشون" -وهم فصيل إسماعيلي منشق عن ‏الدولة الفاطمية الأمّ بمصر- صلاة التراويح بالمناطق التي سيطروا عليها في فارس وخراسان، ‏ثم سمحوا بإقامتها في نهاية عمر كيانهم. فقد ذكر المؤرخ ابن تغري بردي (ت 874هـ) أنه ‏في سنة 608هـ "قدم بغدادَ رسولُ جلال الدين حسن (ت 618هـ) صاحب [قلعة] ألَمُوتْ يخبر ‏الخليفة [الناصر العباسي (ت 622هـ)] بأنهم تبرؤوا من الباطنية، وبنوا الجوامع والمساجد...، ‏وصلّوا التراويح في شهر رمضان؛ فسُرَّ الخليفة والناس بذلك".‏

ولم تكن القرارات السياسية المدفوعة بالتحيزات المذهبية هي الوحيدة التي تعطلت بسببها التراويح؛ إذ ترصد كتب التاريخ بعض الأزمات العامة أو الحروب التي تزامن وقوعها ببعض البلدان الإسلامية مع حلول رمضان، فتوقفت جراءها صلوات الجماعة -بما فيها التراويح- كليا أو جزئيا. فقد أورد ابن الجوزي -في أحداث سنة 439هـ- أنه "في رمضان غلا السعر ببغداد، وورد كتاب من الموصل أن الغلاء اشتد بها حتى أكلوا الميتة، وكثر الموت حتى إنه أحصِي جميع من صلى الجمعة فكانوا أربعمئة". وإذا تعطلت الجمعة في رمضان -وهي شعيرة واجبة الأداء- فمن باب أولى أن يتوقف المصلون عن إقامة التراويح وهي نافلة.

وفي الغرب الإسلامي يقدم لنا المؤرخ المغربي أبو العباس الناصري (ت 1315هـ) -في كتابه ‘الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى‘- نصا صريحا في تعطل التراويح بسبب الاضطراب الأمني؛ فيقول إنه "لما قُـتل السلطان عبد الملك بن زيدان (السّعدي سلطان المغرب المتوفى 1040هـ)... بويع أخوه الوليد بن زيدان (ت 1045هـ)...، وعظمت الفتن بفاس حتى عُطلت الجمعة والتراويح من جامع القرويين مدة، ولم يصلِّ به ليلة القدر إلا رجل واحد من شدة الهول والحروب"!!

ويلخص لنا العلامة ابن المِـبْرد الحنبلي (ت 909هـ) أصل نشأة صلاة التراويح في الإسلام ‏بقوله: "لا يتوهم متوهم أن التراويح من وضع عمر (ض) ولا أنه أول من وضعها، بل كانت ‏موضوعة من زمن النبي (ص)، ولكن عمر (ض) أول من جمع الناس على قارئ واحد فيها، ‏فإنهم كانوا يصلون لأنفسهم فجمعهم على قارئ واحد...، وسميت ‘التراويح‘لأنهم ‏يستريحون فيها بعد كلّ أربع".

وقبل ابن المبرد بستة قرون؛ حدد لنا "شيخ المؤرخين" الطبري تاريخ صدور أمْر عمر بجمع ‏الناس لصلاة التراويح فقال إنه كان في سنة 14هـ "وكتب بذلك إلى البلدان وأمرهم به".

وقد ‏خصص عمر قارئا للصلاة بالرجال وآخر للصلاة بالنساء؛ ولعلّ أمهات المؤمنين لم يكنّ –نظرا لمكانتهن الخاصة- يشهدن تراويح النساء العامة، كما يُفهم ذلك من الأثر الذي يقول إن "ذكوان مولى عائشة (ض) كان يؤمُّها في... صلاة التراويح وهو يقرأ في المصحف".

آخر الأخبار