نساء يروين تفاصيل معاناتهن مع السرطان

الكاتب : الجريدة24

21 أغسطس 2020 - 11:40
الخط :

تنطلق رحلة الموت من رزمة التحليلات والفحوصات والذهاب والإياب عروجا على جميع التخصصات، والانتظار وما أدراك بالانتظار حتى تبدأ الرحلة المحفوفة بالمعاناة بعد تأكد وجود المرض.

رحلة طويلة و تقبل للمرض

خديجة ام لطفلين تبلغ من العمر 45 سنة، تعايشت منذ بلوغها مع المرض الخبيث حتى ألفت وجوده في جسمها الجميل، ظهر اول مرة في ثديها في وقت كان فيه العلاج يقتضي الاستئصال الكلي، وبالفعل خضعت للعملية وقطعت نبع الحنان وابنتها في عقدها العاشر، لتبدأ حصص العلاج الكيماوي للقضاء على آثار الورم، صمودها وعزيمتها كانا سلاحها في مواجهة الداء، ما جعلها تقاوم المرض بكل إصرار وتحدي، الى أن نجحت في التغلب عليه وتخطي المرحلة بمعنوية عالية.

علاقة خديجة مع المرض لم تنته عند هذا الحد بل ستنطلق مرة أخرى بعد مرور سنوات ليظهر من جديد في الجهاز الهضمي وتحديدا بالبنكرياس وخلال رقودها بإحدى المصحات المتواجدة بالعاصمة الاقتصادية، بقسم علاج السرطان، توفي مصابين بنفس مرضها، لكن هذا الأمر لم يوقف من عزيمتها ورغبتها في التشافي، حتى لو اقتضى الحال اجراء عمليات أخرى، وكلها صمود وهي تقول" اقطعوا ما شئتوا واتركوا لي رأسي لكي أرى به زوجي وابنائي، فكل ما أعرفه أن الله ابتلاني بهذا المرض لاختبار مدى تحملي وصبري "، وفي شهر أبريل أجرت خديجة عدة عمليات جراء انتقال المرض لباقي أعضاء الجهاز الهضمي، لتباشر بعد ذلك شرعت في حصص العلاج الكيماوي بجرعات كبيرة من أجل فتك الخلايا السرطانية التي تنتشر بسرعة البرق.

وفي كل مرة كانت فيها خديجة تجري العلاج الكيماوي أو الأشعة كانت ترجع وكأنها جثة هامدة بعدما خارت قواها واستنزفت طاقة جسمها الذي صار نحيفا، ولم تعد معه قادرة لا على المشي أو حتى الكلام، هذا الضعف والوهن الذي يتبع حصص العلاج يروعانها ويجعلانها تمتنع عن الأكل لعدة أيام، تستمر على هذه الحالة لمدة أسبوع تقول خديجة، قريبا، حتى تبدأ في استعادة عافيتها.

ببشرة صفراء تميل تارة للاخضرار وشعر متساقط وأظافر مكسرة وظهر مقوس كل هذا لم يحل دون مقاومتها المرض وتشبتها بالحياة.

معاناة أخرى سترويها إيمان شابة في مقتبل العمر، يتيمة الأب ومن أسرة فقيرة، صدمت بإصابتها بسرطان الدم مع بلوغها سن الرشد، لتدخل بذلك دوامة البحث عن العلاج بمستشفى 20 غشت بالبيضاء، حياة الصغيرة ستتغير رأسا على عقب مع انطلاق رحلة العلاج بعدما اظطرت الأخيرة لقضاء أزيد من ستة أشهر وهي بالعناية المركزة في انتظار إجراء عملية زراعة النخاع الشوكي التي تكللت لحسن الحظ فيما بعد بالنجاح بعد طول انتظار.

إيمان إبنة بائعة الخبر البسيطة كلها أمل اليوم في غد أفضل بعد مرور سنتين من الألم والعذاب الذي توسطته العزلة التي فرضتها مدة العلاج الخاص بطبيعة المرض الذي أصاب جسمها الصغير.

على الرغم من مرارة المرض والرقود بالمستشفى ورحلات الذهاب والإياب، بوجهها الشاحب وجسمها النحيف وشعرها القصير للغاية و عينان جاحضتان، استطاعت إيمان مقاومة ليالي الألم التي كانت تنوء رغم قساوتها بحب فياض وتعاطف كبير من لذن جميع الأطر الطبية نظرا لكونها أصيبت بالمرض وهي في ريعان شبابها وهي من أسرة جد فقيرة لا حيلة لها سوى الدعاء لها والوقوف معها في أصعب مراحل حياتها ودعمها معنويا لتجاوز هذه المحنة التي لم تكن يوما تتصور أنها ستجتازها أو ستنجنو منها.

من إيمان إلى فتيحة، صاحبة الوجه البشوش والشخصية المرحة وروح الدعابة، حملت لها الأيام ما لم يكن بالحسبان، بعد 20 سنة من الحرمان من الأمومة اكتشفت إصابتها بسرطان الثدي في مراحله المتقدمة لتدخل هي الأخرى دوامة المستشفيات والفحوصات وانتظار المواعيد وحصص العلاج، حاولت مقاومة المرض رغم فتكه وسرعة انتشاره في أحشائها لمدة عام، إلا أن الأقدار شاءت عكس ذلك، توفيت فاتحة عن سن 48 سنة بعدما نخر الداء عظامها ولم تعد تقوى على مواصلة العلاج، تاركة ورائها ذكريات امرأة عرفت بين أوساط الجيران بالمرح والنشاط، رحلت بلا رجعة هذه المرة رغم تضحيات الزوج ومساعدات المحسنين.

لا مجال لليأس

فمع أول زيارة للقسم الخاص بعلاج مرضى السرطان بالمستشفى الجامعي ابن رشد وبالضبط في المصلحة التي يطلق عليها " الأربعين 40"، يرى الزائر أو الوافد الجديد طوابير طويلة لأخد مواعيد العلاج، وبالجانب المحادي لمصلحة المواعيد توجد، قاعة الانتظار في الطابق السفلي، تعج بالعشرات من المرضى وكأن كل الناس مرضى بالسرطان، وأنت في هذه القاعة تشعر بين هذه الجدران التي رغم جماليتها بأنها الشاهد الوحيد على معاناة وألام مئات وألاف مرضى السرطان.

وسط هذه القاعة تجلس سيدات من مختلف الأعمار، يتبادلن أطراف الحديث وكأنهن يهربن من ساعات الانتظار، ليشاركن بكل تلقائية وعفوية وكلهن أمل حكاياتهن مع المرض الخبيث، بغرض استفادة الوافدات الجديدات على المشفى، عبر تقديم النصح بالتحلي بالصبر والابتعاد عن القلق والتوتر الذي يمكن أن يقلل من فرص الشفاء،رغم مستواهم الثقافي البسيط والمحدود جدا، تحاول كل منهن ارشاد الأخرى بالاحتياطات اللازمة والنظام الغذائي المناسب خلال فترة العلاج وبالأمور التي يجب تفاديها للحفاظ على صحة جيدة انطلاقا من تجارهن الحية ونصائح أطبائهن، سيناريو معاناتهم وسط مصالح المستشفيات لم يمنعهن من زرع الأمل.

آخر الأخبار