ظاهرة الترحال السياسي مع قرب الانتخابات !

فاس: رضا حمد الله
لم يكن الأديب السوداني المبدع الطيب صالح، مؤلف رواية "موسم الهجرة إلى الشمال"، يظن لما خط وألف صفحاته، أن للهجرة مواسم أو أن تكون أنواع وألوان، وما خطر بباله ذلك أبدا وأن تصبغ بلون السياسة التي أصبح بها أيضا، موسم للهجرة كلما دنت الانتخابات أيا كانت طبيعتها.
رواية الطيب صالح أحد أشهر الأدباء العرب، فيها حبكة وجمالية وإبداع يغري بقراءة صفحاتها بتأن وشوق، أما الهجرة السياسية وموسمها فما فيها تشويق وما بينها والإبداع والجمال، إلا الخير والإحسان، بل هي حلقات مبتذلة لواقع سياسي ممسوخ أصبح فيه للانتماء مواسم وكائنات.
موسم الهجرة من الأحزاب وإليها، انطلق مبكرا كما عند دنو كل استحقاق انتخابي أيا كانت طبيعته. وتحركه مصالح وأطماع كائنات انتخابية تقتات من فراغ قانوني مبيح للهجرة السياسية دون تحفظ ولا عقاب، ليبقى تغيير الانتماء أشبه بتغيير الملابس وربطات العنق.
لم يعد غريبا كلما اقتربت الانتخابات، أن يصبح الاشتراكي ليبراليا والعكس، وأن يميل اليسار يمينا واليمين يسارا وأن يركب الفساد فوق ظهر القانون ويحتضن الرجعي حداثيا ويتعانقا إن لم يكن زواجهما كاثوليكيا كما زواج المصالح الذي قد ينتهي بالطلاق بعد ليلة الزفة الانتخابية.
الترحال السياسي ليس جديدا، بل أصبح عادة مألوفة يذوب فيها اليميني باليساري ليرقصا على إيقاع وسط و"هزني جدع" لفوق حيث النفوذ والحصانة، ولا يهم المبادئ والقناعات والاصطفافات طالما أن "أولاد عبد الواحد، كلهم واحد" مقولة كذبناها قبل حين، وترسخت باستمرار.
الهجرة يومية مستمرة وتنشط مع دنو الانتخاب كما ينشط الفيروس وينخر الجسد لما يجد الأرض خصبة. وما يعاين ويتداول من أخبار عن هجرات جماعية وفردية من هذا الحزب إلى ذاك، دليل لا يحتاج قرائن أكثر للقول بهزالة مشهد سياسي مشوه بهجرة إلى حيث الحصول على المقعد ممكن.
قد يقول قائل: الترحال السياسي حقيقة وواقع في كل دول العالم. ونقول أنه حتى ولو كان، فهو ليس بهذا المسخ الذي هو عليه ببلادنا. لأنه يقتات من الفراغ القانوني في غياب قوانين انتخابية زاجرة للظاهرة وقاطعة لخيوط استشرائها ومع كائنات انتخابية لا يهمها إلا مصالحها وتثبيتها.