عندما تصنع الصحافة الإسبانية من رجل بسيط "رجل المستحيل" بلحاف "رأفت الهجان"

هناك قاعدة غير مكتوبة في أوساط بعض الصحافيين الإسبان وعلى راسهم الصحافي المغمور اگناسيو سمبريرو هي أن كل خبر سيء عن المغرب فهو ذو مصداقية
لذلك كثرت عادة نشر الأخبار السيئة ومعها ارتفع صبيب الأكاذيب وانتشرت قصص الخيال التي تضاف إليها توابل الغموض و "الأكشن"، سرد إعلامي بات أقرب إلى روايات الجيب الموجهة للمراهقين للأديب المصري الراحل نبيل فاروق الذي كان بطله جاسوسا غامضا مغوارا وقادرا على صنع كل شيء في جزء من الثانية.
الاستخبارات الإسبانية تدرك هذه الخصلة لدى وسائل إعلامها، لذلك فهي تزودها بين الفينة والأخرى بقصص من وحي الخيال لتنشر البهجة والسعادة وتصور المهاجرين المغاربة كجيش من الغزاة والجواسيس الذين لهم خلف كل جدار أذن، هذه الأكاذيب وقصص الخيال تحولت مع الوقت إلى "حقائق" يصدقها مسؤول الاستخبارات والإعلامي والقاضي، فما بالك بالمواطن البسيط الذي بات يرى في اسبانيا وكرا للجواسيس.
بطل الفيلم الجديد ل"هوليود" الإعلام الإسباني، مهاجر مغربي بسيط، فضل أن يعمل عونا محليا مع القنصلية المغربية بمدريد، ليضمن لقمة عيش كريمة في وقت تهان فيه كرامة المهاجرين المغاربة في العديد من أماكن العمل تحت سماء اسبانيا الديموقراطية
وعندما استوفى هذا المهاجر السنوات المطلوبة للتقدم بطلب الحصول على الجنسية لتحسين ظروف اقامته بإسبانيا، خاصة وأن زوجته وأبنائه يحملون كلهم الجنسية الإسبانية، وجد نفسه يتحول في رمشة عين إلى واحد من أكبر الجواسيس المهددين للأمن القومي الإسباني
لقد تحول الرجل البسيط إلى "جيمس بوند"، ودارت ماكينة الإعلام لتحكي عن علاقاته التاريخية الطويلة مع الاستخبارات المغربية وما سربه من أسرار اسبانية خطيرة إليها، وكأن الرجل البيط كان ينام في قصر الثارثويلا ويتناول وجبة الغذاء بقصر المونكلوا ويقضي إجازة نهاية الأسبوع مع رئيسة الاستخبارات الإسبانية، والحال أنه كان يقضي شمس يومه يركض في رداهات القنصلية المغربية لضمان خدمة أفضل لأبناء جلدته من المهاجرين المغاربة.
الفيلم الجاسوسي الجديد، وإن كان ضعيف الحبكة والإخراج بيد أنه يحمل في طياته رسائل ملغمة تكشف أن الطريق إلى علاقات طيبة بين المغرب واسبانيا ليس دائما مفروشا بالنوايا الحسنة، فمؤلفو الفيلم الجاسوسي الجديد يوجهون رسائل تحذير إلى أبناء الجالية المغربية بإسبانيا بعدم الاقتراب من المؤسسات الرسمية المغربية بإسبانيا أو العمل به
والتهديد التقليدي هو عدم تجديد بطائق الإقامة أو منح الجنسية التي يرغب فيها المهاجرون المغاربة فقط لأنها تريحهم من الطوابير الطويلة لتجديد أوراق الإقامة، هذا الترهيب الممنهج
فكل من يعمل في المؤسسات الرسمية المغربية، هو في عرفهم جاسوس، والحال أنه من الغباء الاستخبارات أن يوظف المغاربة أشخاصا كجواسيس داخل مؤسساتهم الوطنية، فحتى مسلسلات الجواسيس بالأبيض والأسود علمتنا أن الجواسيس يخترقون الأوساط الأجنبية لا الوطنية، وهو ما يكشف فقرا إبداعيا غريبا لدى مفبركي هذه القصة البوليسية الفاشلة.
محركو خيوط القضية يدوسون بأقدامهم اتفاقيات العمل الدبلوماسي الدولية، ويعضهم يعمل ضد مصلحة اسبانيا وأمنها القومي بخلق قصص للتشويش على التعاون الأمني المغربي- الإسباني
ويوحون أن السلطات الإسبانية لا تمنح جنسيتها إلا "للمتعاونين" معها و "المعارضين" للمغرب وتمنعها على المحايدين، وتتهم هؤلاء بالعمالة للجهة الأخرى، رسائل خطيرة تضعها هذه الجهات في صندوق بريد المغرب، تقتضي من جهة ما في اسبانيا أن تتدخل لوقف هذا العبث والصبياني الذي يضر بسمعة اسبانيا ويكشف عجزا لديها حتى عن تلفيق التهم.