مأساة أم تنحث في الصخر: "قهرني الكرا...بغيت نخدم وبغيت نخلص واخا غير جزء من الكرا "

الكاتب : الجريدة24

19 يونيو 2021 - 03:30
الخط :

أمينة المستاري

بوجه شاحب تعلوه تجاعيد خفيفة، وابتسامة تحجب معاناة أومأساة أم تنحث في الصخر، فتحت زهرة أفيلال باب بيتها الصغير المتواجد بحي تراست، أحد الأحياء الشعبية بمدينة إنزكان، والمكون من غرفة ومطبخ ومرحاض خلعت بابه، حيث تعيش وأبنائها الثلاثة، بعد أن تخلي الزوج عن أسرته وعاش حياته بعيدا، لتضطر إلى النحث في الصخر من أجل جلب لقمة عيش، فهي منظفة قوتها اليومي يتحدد بعملها في المنازل، لكن ما كل مرة تجده، فغالبا ما تعود منهكة من جولة يومية بأحياء أكادير دون أن تجد عملا.

جلست زهرة بغرفة بيع فراشها تدريجيا ولم يتبقى منه سوى "بونجة" مجزءة لقسمين، وحصير وبضع أغطية صوفية، وتلفاز صغير لم يتبقى سواه من مجموعة من الأثاث الذي كانت تتوفر عليه قبل أزمتها، بعد أن اضطرت زهرة إلى بيعه قطعة قطعة لتأمين قطعة خبز لأبنائها، وتضطر الأم إلى النوم في غرفة واحدة مع ابنيها وابنتها ذات 12 سنة، ويحضون بحب وحنان أم تحولت إلى أب رغما عنها، فهم يبيتون على الأرض وتضطر كل ليلة إلى إغلاق باب بيتها ببعض الأشياء الثقيلة فالباب الحديدي لا يقفل لكنها تسلم أمرها لله وتنام.

تتنهد زهرة التي هاجرت أسنانها فمها مبكرا، وتقول: " كنشوف حتى نعيا وكنقول الحمد لله، واخا كنعذب ولادي وما كنجبر ما نحط لهم في الطبلة ولكن كنقول كنحمد يا ربي وشكرتك اللي عطيتيني هاد النعمة ولادي بجوج واختهم الصغيرة، ونتمنى يكونو شي حاجة في المستقبل، الهم اللي كيقهرني ويطير النعاس من عيني هو الكرا، دابا عليا بزاف وبغيت نخلص واخا غير نصف السومة باش نقدر ننعاس في الليل، والله ما كنعاس بكثرة التفكير".

قصة زهرة ليست ككل القصص، ومعاناتها طويلة لكن ورغم ذلك تجدها حامدة شاكرة لما كتبه الله لها. فقد هجرها الزوج تاركا وراءه أفواه جائعة، وزوجة شابة لم تجد أمامها سوى الخروج للعمل عملت في الضيعات وفي تنظيف البيوت، لتعود منهكة وبيدها لقمة عيش لأطفال يدرسون بمستويات مختلفة، تحارب من أجل أن يحضى أبناؤها بتعليم ومستوى دراسي قد يكون باب فرج لها ولهم، ومن أجل ذلك لا تمل من البحث عن عمل وتجاهد نفسها حتى لا تظهر يأسها وألمها أمامهم.

عاشت زهرة مرحلة فاصلة في حياتها، فقد اكتشفت قبل سنوات إصابتها بورما في القولون، فقد كانت تعاني من نزيف وأعراض أخرى، لكن بعض التشخيصات الطبية لم تظهر أول الأمر حقيقة ما تعاني منه، وبعد تشخصي حالتها بدقة وجدت نفسها مطالبة بتكاليف العملية والتحاليل التي تجاوزت المليوني سنتيم، ولم تكن تتوفر سوى على بعض المدخرات التي كانت تدخرها لدفع تسبيق لشراء شقى صغيرة في السكن الاقتصادي، لكن في تلك الفترة حصلت على فرصة للعمل بالسعودية، وفعلا سافرت إلى هناك سنة 2018، لكنها صدمت بعدما لم تحصل على ما اتفقت عليه مع الأسرة المضيفة، فقد قبلت العمل هناك مقابل 4 آلاف درهم، لكنها بعد وصولها هناك حصلت على 3آلاف درهم فقط، كما أن العمل لم يكن فقط القيام بالتنظيف بل أضيفت لمهامها إعداد الطعام، والاعتناء بطفلة وأطفال ذكور....وشيئا فشيئا تغيرت معاملة ربة الأسرة لها، لكن زهرة كانت مطالبة بدفع تكلفة العملية، وصبرت على ظروف العمل خاصة وأن المسكن حيث عملت كان كبيرا ويتطلب جهدا كبيرا، وبعد 6 أشهر اضطرت إلى التخلي عن باقي أجرتها وتدفع ثمن تذكرة العودة، لتعود إلى أبنائها، وتمكنت من إجراء عملية استئصال الورم التي تكللت بالنجاح.

ترسم زهرة أفيلال ابتسامة على وجهها، لتضيف قائلة: "هذا ما كان، بغيت شي حد يعاوني نخلص واخا غير جزء من كريدي الكرا، وبغيت نخدم على ولادي حتى يساليو قرايتهم ...كنبات كنفكر أحيانا وماكيدينش النعاس كنقول كيفاش غادي نخلص كرايا؟ وكنفيق كل مرة بالليل ونبقا نفكر ومن بعد كنرد أمري لله وكنصلي ركعات وننعاس...هنا غاديين اللهم يسر، الخدمة مداومة ماكايناش".

مرات عديدة، اضطرت زهرة للعودة من أكادير إلى منزلها بتراست دون أن تدفع ثمن سيارة الأجرة: " أصحاب طاكسيات تراست يعرفونني، أحيانا أعود من أكادير وحتى درهم ما في جيبي، وأقول لصاحب الطاكسي ما عنديش والحمد لله ما كيردونيش ولكن غير كنخدم كنحاول نخلص... ما كنقدرش نمشي في الطوبيس لأن السائق غادي يقولي شي حاجة ويجرحني..."

تفاصيل كثيرة حكتها زهرة عن معاناتها مع المرض وما بعد العملية، حيث اضطرت إلى النوم على غطاء صوفي على الأرض لمدة 8 أشهر، ونتج عن عطالتها تراكم السومة الكرائية) 700 درهم شهريا( وتزايدت ديون دكان المواد الغذائية، حتى قام صاحب المنزل برفع دعوى وحصل على أمر بالإفراغ، لكن زهرة قامت من فراشها مرغمة للعمل في البيوت، وتمكنت من أداء ثمن الكراء ل6 أشهر، وبصبر وقوة عزيمة تواصل يوميا رحلة البحث عل وعسى تجد عملا في منزل أو في عمارة: "كنمشي لأحياء أكادير نقلب على الخدمة كالشرف، الهدى، الداخلة، المسيرة... لكن شحال من مرة كنرجع خاوية الوفاض إلى بيتي، وأحاول إقناع أبنائي بتناول الخبز البايت بحال هذا)تشير إلى خبز كومير على المائدة الصغيرة( مع الشاي...قبل كورونا كنت كنخدم مرة مرة لكن مع أزمة كورونا وجدت نفسي أمام كريدي ديال الكرا أشهر عديدة.." وتضيف زهرة وهي تغالب الدموع في عينيها : " واحد النهار يجي مول الدار ويرمي ليا حوايجي، فين غادي نمشي؟ والدراري كبروا أش غادي تقولهم واش يمشيو يعملو شي حاجة خايبة؟".

زهرة، ورغم سنها إلا أنها تبدو جد منظمة، فهي تضع ثياب العمل النظيفة قرب الباب، وحين تهم بمغادرة البيت ترتدي ملابسها وجلبابها لتتجه حيث توجد لقمة العيش...هي سيدة يظهر من ملامح وتقاسيم وجهها أنها تعرضت لسقطات عديدة لكنها وكل مرة تستعيد قوتها وتنهض من جديد لتقاوم فهي تردد من حين لآخر: " قد ما باقي فيا عرق ينبض، باقي نخدم على ولادي حتى نوصلهوم فين بغاو". هي معاناة يومية تحكيها زهرة أفيلال ، فيما يعيش الأب حياته بالطول والعرض، تاركا إياها تقاوم ظروف العيش.

آخر الأخبار