جرائم مؤنثة.. خنقت جنين العشق بين القبور

الكاتب : الجريدة24

13 أغسطس 2022 - 01:00
الخط :

 رضا حمد الله

لا حركة في الدوار في تلك الليلة الصيفية المقمرة. الرؤية متاحة من بعيد وبدقة حتى لأبعد نقطة بها حركة. كل الناس نيام. لقد ألفوا الخلود باكرا للراحة بعد كل يوم شاق وعمل متعب في الحقول. السكون مغر، ولا يسمع فوق هذا الجبل شديد الانحدار، إلا نباح الكلاب وضباح الثعالب وعواء ما تبقى من الذئاب الموشكة على الاندثار بالغابة المجاورة.

في المقبرة الأمر مختلف. حركة غير عادية بجانب قبور الموتى. أتراه حيوان تائه يبحث عما يقتات به، أو أن الأشباح انبعثت لتعكر على الموتى خلوتهم. هذا ما حير عون سلطة كان عائدا فجرا إلى منزله من دوار مجاور بعد زيارته لقريب مريض. بعيدا في قلب المقبرة، رأى ظلين خلف شجرة وارفة. خاف أن يقترب واستحضر حكايات الجن والأشباح والعفاريت التي كانت جدته تقصها على مسامعه كل ليلة.

وقف يتقصى الأمر متخفيا وراء شجرة قصيرة بشكل تصعب رؤيته. كان يسترق السمع لعله يهتدي لمن الظلين، ومكث على هذا الحال مدة صمد طيلتها رغم أن الخوف سكنه. لقد وجد نفسه في موقف لم يتوقعه، فما هو بقادر على التقدم ولا التراجع، إن أي حركة قد تكلفه غاليا من صحته وتكون لها عواقب خاصة إن كان هذان مكسرا سكون الليل، من غير الإنس.

مع مرور الوقت تناهت لمسمعه همسات وحركات حفر، فتساءل مع نفسه: أيكونا باحثين عن الكنوز؟. لكنه استبعد ذلك لأنه لم يشم رائحة بخور. ولقطع الشك باليقين زاد من منسوب صبره وتطلعه عله يظفر بنبأ وهو الحارس على حس النبض مليا وإحصاء الصغيرة والكبيرة. فلا شك أن وراء هذين معكرا هدوء المقبرة وليل الدوار، حكاية ورواية مفروض أن يكون أول من يكتشفها ويخبر بها رؤساءه.

لم يطل انتظاره أكثر مما مضى. لقد سمع صوتا ذكوريا ينادي باسم أنثى فتذكر بنات الدوار حاملاته، وخالها خلوة عاطفية حميمية يستغلان الليل ليعيشاها بعيدا عن الأعين. "لكن لماذا الحفر" هكذا تساءل مع نفسه منتظرا فرصة مواتية ليأتيه الجواب. ولم تمر إلا فترة وجيزة حتى تفرقا في اتجاهين مختلفة. الذكر اختار طريقا لقرية مجاورة، والأنثى عادت للدوار ومرا قريبا منه بشكل تعرف عليها لأنها من بنات الدوار الحاملات الاسم الذي تناهى لسمعه، قبل أن يتريث قليلا لحين ابتعادهما ويقصد المكان الذي كانا فيه يحفران.

كان عون السلطة يعلم بعلاقتها مع شاب من دوار مجاور، لكن دافع وجودهما بالمقبرة في تلك الليلة، لغز حيره. لكن الحيرة ذابت بعد انصرافهما ووصوله لذاك المكان. تراب حديث الحفر وشكل أشبه بقبر صغير. ماذا دفنا، ولماذا لم يدفناها ليلا ويخبرا الناس بذلك؟. لم يكن بمقدوره التثبت من تساؤلات حيرته، طالما أن الحفر ليلا ودون إخبار السلطات، قد يؤذيه أو يتسبب له في مشاكل.

بدون تردد أجل عون السلطة التثبت من سبب وجودهما في المقبرة وسر القبر الصغير وواصل الطريق إلى منزله ونام ولم يخبر حتى زوجته بالأمر. وفي الصباح اتصل بالقائد والدرك وحضرت عناصره ورافقها للمقبرة وأزيحت الأتربة بعد استشارة النيابة العامة، فكانت المفاجئة صادمة للجميع لم يتوقعها العون العين التي لا تنام إلا بعد أن ينام الجميع في ذاك الدوار، ولا أحد من سكانه. جنين حديث الولادة مدفون، حقيقة صادمة.

انتشلت الجثة وانطلق البحث وأوقفت الفتاة واقتيدت لمركز الدرك وسوئلت حول سر وجودها بالمقبرة ليلا ومن كان رفقتها، ولمن الجنين الذكر، فاعترفت تلقائيا وبالتفاصيل المملة. أدلت باسم مرافقها والجنين نتاج علاقة جنسية بينهما شهد موقع قريب من المقبرة عليها وعلى لقاءات كانا يخططان لها بدقة متناهية في فترات متباعدة وكلما تحركت غريزتهما منقبة عن فرصة مواتية للارتواء.

قبل ساعات من ذلك ونهارا وضعت الجنين وخنقته بعلم والدتها وفي غياب والدها، ودفنته بحفرة بالإسطبل تحت تبن وعلف البهائم إلى أن أسدل الليل خيوطه. اتفقت مع العشيق على موعد محدد يحل فيه بالدوار ليخرجا ليلا للتخلص من الجثة، دون أن يدريا أن الصدفة ستقود عون السلطة لاكتشاف حقيقة جريمة جرت عليها ويلات الاعتقال والمحاكمة في حالة اعتقال رفقة والدتها المسرحة، بعدما فر العشيق إلى وجهة مجهولة دون أن يصل إليه المحققون رغم محاولاتهم المتكررة.

المحكمة كانت رحيمة بها وراعت ظروفها ومتعتها بظروف التخفيف. سنتين قضتهما في السجن عقابا على إزهاق روح بريئة لا يد لها في خطأ ارتكبه الكبار. انجرفا وراء لذة جنسية عابرة تحولت حلاوة حميميتها لمرارة ذاقتها الفتاة دون عشيق هارب لم يظهر له أثر بالدوار منذ شيوع خبر اعتقالها وانفضاح أمرهم

آخر الأخبار