هدف "ماسك" من الاستحواذ على تويتر ليس المال.. بل السلطة!

الكاتب : وكالات

27 أبريل 2022 - 10:00
الخط :

استحوذ الملياردير الأمريكي الشهير "إيلون ماسك"، بداية الاسبوع الجاري، على شركة تويتر مقابل 44 مليار دولار، وبذلك تصبح الشركة المطروحة للتداول العام شركة خاصة مملوكة لـ "ماسك" الذي تفاوض على سعر شراء قدره 54,20 دولاراً للسهم الواحد، وهو أعلى بـ 10 دولار من قيمته السوقية.

جاء ذلك بعدما لوّح مجلس إدارة تويتر بتفعيل إجراء “الحبة السامة” الذي من شأنه أن يصعّب على "ماسك" الاستحواذ على أكثر من 15 في المئة من الشركة عبر السوق، لمنعه من الاستحواذ على أسهم الشركة.

ولو أن تويتر تجرأت على تنفيذ هذه الاستراتيجية فعلًا، لكان من شأن أي استحواذ يفوق الـ 15 في المائة من أسهم الشركة أن يتيح للمساهمين جميعهم باستثناء "ماسك" شراء الأسهم بنصف السعر، ما سيؤدي إلى إغراق السوق بالأسهم المتداولة ويقلل بالتالي نسبة أسهم "ماسك"، مما يجعل استحواذه على تويتر بالتالي أكثر صعوبة.

وسيصبح من شبه المستحيل عندها أن يسيطر الملياردير على الشركة، مع أنه سينفق مبلغاً أكبر بكثير من الذي كان يُفترَض أن يدفعه.

لكن تويتر ومجلس إدارتها رضخت لمليارات "إيلون ماسك"، وتراجعت عن تهديداتها خلال يومين فقط، بعدما عرض عليهم مبلغًا أكبر بـ 2.6 مليار دولار من العرض المبدئي.

ويرى البعض أن تويتر اتخذت في ذلك "أهون الشرين وأخف الضررين" بدلًا من الصدام مع أغنى رجل بالعالم الذي عُرف عنه تمرده وعناده وحبه للفت النظر، فبعد أن أعلن اعتزامه شراء الشركة الضخمة لن يسمح لنفسه بالظهور بمظهر الفاشل أمام الملايين من متابعيه ومحبيه.

على الجانب الآخر تلفت استحواذات الكيانات العظمى بالعالم على الشركات الناجحة، ومحاولة سحق من يرفض الخضوع وتهميشه، إلى توسع وتجذر النظام الرأسمالي الذي يسعّر ويسلّع كل شيء، فحتى النجاح في هذا النظام يمكن أن يشترى بحفنة من الدولارات؛ ولأن الرأسمالية لا تعترف بأي غاية أو هدف سامي سوى المال فلا معنى للمسيرة الطويلة التي تخضوها أي شركة للنجاح سوى قيمتها السوقية.

لو امتلك أحدنا منزلًا جميلًا أو سيارةً فارهة وعرض عليه أحد الأثرياء أن يشتريهما بمبلغ يساوي ضعف أو ضعفي القيمة الحقيقية، فسيسعد بذلك ولن يفكر بالأمر مرتين بغض النظر عن مدى تعلقه بهما. لكن هذا الأمر لا يصح إسقاطه على عالم الشركات العملاقة، لأن عمليات الشراء هنا ليست لممتلكات مادية جامدة.

في الواقع إن الشركات الرأسمالية العملاقة، والكيانات المهيمنة على عالم الإنترنت ومواقع التواصل تحديدًا، وصلت إلى مرحلة بحيث أصبحت عملية تحقيق الأرباح عندها عبارة عن "تحصيل حاصل"، وما تتاجر به هذه الشركات بالتحديد هو الجماهير الغفيرة التي يمكن توجيهها عبر خوارزميات معقدة ومعايير مجتمع تسمح للشركة أن تحاكم مستخدميها كما يفعل رئيس دولة ديكتاتورية مع شعبه المقموع.

لذلك فإن شراء أحد المليارديرات لمنصة تواصل اجتماعي ضخمة، لا ينبغي أن يُنظر إليه كعملية استحواذ فحسب، بل إنه عبارة عن استعمار حيز من الفضاء الإلكتروني يحتوي على مئات ملايين الناس.

ولما كان الاستعمار في الماضي يتم عن طريق الحروب الطويلة والجيوش الجرارة، فإن الاستعمار الحديث يجري عبر المليارات، ويحصل على أسماء تبان على أنها حضارية (صفقات الاستحواذ).

من هذا المنطلق فإن النظام الرأسمالي قد حوّل المبادئ والمعايير الأخلاقية التي تفرضها مواقع التواصل الاجتماعي على الناس بقوة الخوارزميات والذكاء الاصطناعي، قد حوّلها إلى سلعة يمكن بيعها وشراؤها في سابقة لم تحدث على مر التاريخ.

وتأكيدًا على هذا الكلام فإن الخبراء يجمعون على أن هدف "ماسك" من الاستحواذ على تويتر ليس المال، بل السلطة، وتحديدًا سلطة الحكم على فضاء اجتماعي مدار بخوارزميات قوية يمكنها توجيه مئات ملايين البشر من مختلف الأعراق والديانات لصالح مبدأ أو توجه أو قناعة معينة، وهذا أمرٌ لم يكن متاحًا حتى لأعتى الطغاة على وجه الأرض.

وأشار "ماسك" إلى ذلك بشكل غير مباشر في بيان نشرته تويتر حين قال إن "حرية التعبير هي الحجر الأساس لديموقراطية فاعلة، وتويتر هو الساحة الرقمية العامة حيث تناقَش موضوعات حيوية بالنسبة إلى مستقبل الإنسانية".

وحين يتم استخدام مفهوم مطاط مثل "حرية التعبير" فلا بد أن القصد هنا هو رأي "ماسك" الشخصي لمفهوم حرية التعبير. فدائمًا ما يكون أولئك الذين يتغنون بحرية التعبير، هم الأكثر تعنتًا تجاه كل ما يخالف نموذجهم الخاص الذي يُعرّف قوانين ومبادئ هذا المفهوم.

آخر الأخبار