المشجعون الجزائريون و"متلازمة ستوكهولم"

الكاتب : الجريدة24

05 يوليو 2022 - 10:00
الخط :

المشجعون الجزائريون و"متلازمة ستوكهولم"

هشام رماح

يبدو أن الـ"كابرانات" في جارة السوء، لعبوا لعبتهم في عقول الكثير من الجزائريين، وجعلوهم يؤمنون بأن انتصار بلادهم لا يتجسد إلا في خسارة المغرب، وإلا فما مبرر الفرحة الهستيرية التي تملكت مشجعين حجوا إلى الملعب، اليوم الاثنين، لمتابعة مباراة أشبال الأطلس ونظرائهم الأتراك، كلما سجل هؤلاء في شباك الأوائل؟

وإذ كدر أشبال الأطلس على المشجعين حالهم وحولوا فرحتهم إلى غبن، بعدما هزموا الأتراك بأربعة أهداف لاثنين، فقد برهنوا أنهم كانوا لمباراة الترتيب وحضروا لها جيدا ما جعلهم يحسمونها على أرض الميدان، على أن ما جرى على المدرجات ليؤكد أن المغرب سيظل المغرد الوحيد بشعار "خاوة خاوة" بعدما لُحِست عقول المشجعين الجزائريين وجعلوا مبلغ همهم سقوط الأشقاء والجيران أمام الأتراك الذين استحوذوا على الجزائر طويلا قبل أن تسقط في براثن فرنسا لـ132 سنة.

ومثل عسكر بلادهم، أبدى المشجعون الجزائريون في الملعب، ولاء كبيرا للأتراك وبذلوا من أجلهم الهتافات لعلهم يستخلصون من المغاربة ثأرهم، فهم لا يستطيعون لذلك سبيلا سواء في الملعب حيث أهلك أسود الغد منتخبهم وجعلوه يستريح قبل الأوان، أو على أرض الوغى حيث لا ينفك عساكرهم عن حشد المقاتلين ليخوضوا الحرب بالوكالة عنهم، ويلقوا بهم إلى التهلكة على أيادي أشاوس المملكة.

ورغم أن مباراة لكرة القدم برسم ألعاب البحر المتوسط في وهران، لا تحتمل أكثر من كونها نزال رياضي، فإن الجزائريين حملوا مباراتهم السابقة ضد أشبال الأطلس ما لا تطيق فجُعِل كيدهم في نحرهم بهدفين نظيفين، لينقلبوا إلى تشجيع الأتراك ضد المغاربة، كما لم يضيرهم في شيء أنهم شجعوا أيضا فرنسا ضد المغاربة، لأن في ذلك حنين لأزمنة غابرة حيث تناوب الأتراك والفرنسيون على هتك بلادهم وتركوها في عهدة الـ"كابرانات" الذين من يهتكونها تحت أنظار الجميع.

ويستحق المشجعون الجزائريون أن يصنفوا ضمن المصابين بـ"متلازمة ستوكهولم" التي تجعل الضحية يتعاطف مع جلاده، وإلا فما الداعي لقتل الحاضر مع المغرب عبر نسيان الماضي الأليم الذي عاناه الجزائريون قاطبة على أيادي الأتراك حينما كانوا مجرد إيالة تأتمر بأوامر السلطان في القسطنطينية قبل أن يسلموها إلى فرنسا التي جعلتها مقاطعة خاضعة تابعة لأزيد من أربعة أجيال متعاقبة.

وحسنا فعل المشجعون الجزائريون حينما انحازوا للأتراك ضد أشبال الأطلس، فقد زادوهم حبا في الفوز وشغفا بالاحتفاء به هناك في أرض الجزائر التي دكتها أقدامهم، بينما لاعبوهم علقوا أحذيتهم وذهبوا لحال سبيلهم إلى منازلهم ليتابعوا الأبطال وهم يصعدون على الـ"بوديوم"، أما من ضاقت به الحياة وخبا الأمل في نفسه فليتذكر أن جزائريين يدعون أنهم "أصحاب النِّيف" تركوا كل مشاغلهم وحلوا بالملعب ليشجعوا من احتلوهم ذات يوم ومرغوا كرامة أجدادهم في التراب الذي كان يدوسه الدايات والبايات الأتراك نكاية في المغرب الذي لقن هؤلاء درسا موشوما في ذاكرتهم الجماعية أثناء "معركة اللبن".

وبعيدا عن التاريخ وبين الحاضر نجد أن المغرب قرر المشاركة في ألعاب البحر الأبيض المتوسط في وهران، رغم الأصوات التي ارتفعت داعية لمقاطعة بلد لا يقيم وزنا لأي شيء تحت حكم نظام مارق، لكن كان في قرار المملكة حكمة تكتب بمداد من ذهب، لأنه وعبر ما تابعه المغاربة تأكد جليا أن الحابل اختلط بالنابل في بلاد الـ"كابرانات" وأن الهوة مع المغرب أكبر من أن يجمعها أي راتق.

فعلا، ولكل هذا على المغاربة أن يحمدوا الله كثيرا بعيدا عن الجزائر.

آخر الأخبار