موسم "للاتعلات"...قبلة للفقهاء والأئمة للاعتكاف والتطهر الروحي

الكاتب : الجريدة24

15 مارس 2023 - 10:10
الخط :
أمينة المستاري

 

ودع أكثر من 15 ألف إمام وفقيه موسم للا تعلات، ليفسحوا المجال للنساء اللواتي يحضرن من مناطق مختلفة لقضاء أسبوع كامل في قراءة القرآن والاعتكاف والتطهر الروحي.

ضريح الولية الصالحة "للا تعلات" البعيد عن مدينة أكادير ب60 كلم، يقع بجماعة تسكدلت باشتوكة آيت باها، يعتبر فرصة لتبادل الثقافات المحلية وفهم المشترك، فهو موسم للتسوق والرواج الاقتصادي وأيضا انعكاس لمجتمع سوسي احتضن أزيد من 100 مدرسة عتيقة من أرجاء الجهة، ومناطق أخرى من المغرب بل ومن بلدان جنوب إفريقيا.

ويحرص الفقهاء والطلبة على ارتداء الجلباب المغربي، يقضون يومهم في قراءة القرآن وتجويده وتنظيم مسابقات، ويجتمع طلاب كل مدرسة ببناية طيلة الأسبوع، يعدون طعامهم ويحضون بأطباق محلية، وكل وافد على المدارس يجد وجبة وطبقا له، فهي صورة للكرم المغربي والسوسي على الخصوص.

موسم " للا تعلات" موسم روحي ليس كغيره من المواسم، كما أنه موسم رجالي في الأسبوع الأول من مارس، يحرص خلاله الفقهاء، بالإضافة لقراءة القرآن، على القيام بدورهم الإرشادي ينصحون ويصلحون ذات البين والمشاكل الزوجية وتربية الأبناء...

موعد لا يتخلف عنه المئات من الفقهاء، يسلكون قمة تسكدلت على امتداد  5 كيلومترات نحو الجماعة تسكدلت التابعة لاتحادية قبائل إيلالن، بدائرة آيت باها، وبالضبط على قمتها التي اكتست بأشجار الأركان حيث يتربع ضريح الوالية الصالحة التي تجذب إليها آلاف الزوار وأيضا العشرات من المدارس العتيقة.

هو مناسبة للتواصل والتطهر الروحي مع "ولية صالحة"، ملهمة الثقاة والفقهاء، التي أكرمتهم في حياتها فأكرموها بعد مماتها، يقصدون ضريحها، ويصطف فيه الزوار في طوابير، يقتنون حاجياتهم وإنعاش الاقتصاد المحلي والإقليمي ، حيث يعتبر الموسم دعامة للسياحة الروحية والترويج لقيم العطاء والتسامح والزهد التي جسدتها "للا تعلات في حياتها".

يقضي الفقهاء والأئمة والطلبة الساعات في أجواء روحانية، ويسارعون في أيامه الأخيرة لمحاولة ختم "تحزابت"، والتنافس الشريف في حفظ واستعراض القرآن بين طلبة المدارس المختلفة، بعيدا عن الضغوطات النفسية والمادية ويتحقق الارتقاء الروحي في ظل المتصوفة الزاهدة ملهمة الفقهاء "للاتعلات".

 لكن من هي "للا تعلات" هذه المتصوفة التي أثرت في الذاكرة التاريخية للمنطقة لاسيما بين الفقهاء والطلبة، التي اندمجت في مجتمع ذكوري في حياتها، واستقطبت الآلاف لزيارة قبرها بعد مماتها؟

هي فاطمة بنت محمد تاعلات أو توعلات نسبة إلى انتمائها ل" أيت علا" بقبيلة تاسكدلت بإيلالن، توفيت عن سن يناهز 110 سنة…امرأة أمازيغية، عابدة متعبدة زاهدة متصوفة، تتحدر من قرية إيمي نتاكاض ، وصفت بالمرأة الصبورة، العصامية، المتصوفة الزاهدة، العابدة…وهبت حياتها لطلبة المدارس العتيقةن كما وهبت أيضا كل مالها لحفظة القرآن، حتى تحول ضريحها بجماعة “تاسكدلت”، باشتوكة آيت باها، إلى قبلة لهم وحج يقصده الفقهاء وطلبة المدارس العتيقة كل سنة بالآلاف، ويعتبر موسمها “الروحي” الرجالي فاتحة المواسم الروحية بجهة سوس .

تزوجت يوم 12 من الشهر 12  خلال القرن 12 الهجري…تاريخ غير عادي، بزوج تروي قصص عديدة عن قسوته، عرفت بكونها عقيم التي لا تنجب، وكان شريك حياتها مزواجا، تعرضت للعنف الزوجي، وحسب بعض الروايات، قيل إنه كان يخالفها الرأي في مسائل فقهية لاسيما جواز التوسل بالأولياء ساعة الشدة والكرب.

واعتبرت "لالة تاعلات" زعيمة روحية بمنطقة هيلالة، جاورت رجال العلم في مجتمع محافظ ذكوري يعتبر التصوف حكرا على الرجال، وكسرت القيود التي كانت تحكم وسطها الاجتماعي. أحبت العلم والفقه والدين بشغف، وزهدت في متع الدنيا، صبرت على عنف زوجي، بكثرة العبادة والصلاة، وتمكنت من حفظ القرآن وتلاوة الأدعية والمتون الفقهية، كما وجهت اهتمامها للمدارس العتيقة، وكان يقصدها الناس لتتقدمهم بالدعاء في سنوات الجفاف، عاصرت السلطان مولاي اليزيد العلوي الذي توفى قبلها بسنة، وبعد موتها سنة 1207 هـ، قام القائد الحاج احمد إكني الحاحي، قائد تارودانت سنة 1255 هـ، ببناء ضريح على قبرها.

قامت "رابعة زمانها" بأعمال خيرة وشهد لها بعض رجال الفقه والعلم، من قبيل العلامة سيدي امحمد بن صالح المعطي البوجعدي، الذي راسلها يطلب منها الدعاء له، كما ذكرها الفقيه البوقدوري في كتابه قبائل هلالة. “لالة تاعلات” بلغ بها احترام رجال الفقه والدين وطلبة المدارس العتيقة إلى درجة تخصيصها محاصيلها الزراعية بأراضيها خلال حياتها، وفي مماتها تم تخصيص مداخيل الضريح لفائدة المدرسة العتيقة “لالة تاعلات” المتواجدة على مقربة منه، حتى سميت ب”ملهمة” الرجال  الفقهاء والقيميين الدينيين، يقدرونها بعد مماتها كما قدروهم خلال حياتها، يحترمون ذكراهان ويواظبون على زيارة قبرها كل سنة، فيتنافس الطلاب بكل مدرسة عتيقة على امتداد  أسبوع لقراءة القرآن “تحزابت”، البردة والهمزية ..موسمها يأتيه الحجيج من كل فج بجبال سو، ويعد فرصة للتواصل بين طلبة العلم والفقهاء وتعارفهم وتبادل معارفهم، والتداول في القضايا الشرعية… حتى أصبح موسمها قبلة للعديد من العلماء والباحثين في الأمور الدينية.

وذكر الفقيه البوقدوري أن "تاعلات" كانت تنظم قصائد شعرية أمازيغية سوسية، في التوسل والإرشاد ومدح الرسول صلى الله عليه وسلم، منها قصيدة تضم 50 بيتا شعريا.

احترمها الفقهاء ورجال الدين، وأصبحوا يقصدون موسمها للاعتكاف بمقصورة الضريح، في الخميس الأول من مارس الفلاحي، يتنافسون للتبرك بقبرها، ليس عن جهل، ولكن تعبيرا عن احترامهم لها وتقديرهم لسيرتها، يفدون عليه من كل مكان بالمغرب وخارجه، فيما تختم النساء الموسم، الذي يعتبر علامة فارقة من التصوف النسائي، في وقت كان التصوف لصيقا بالرجال.

آخر الأخبار