قتلة الأصول.. قتل والده ودفنه في حديقة الفيلا

الكاتب : الجريدة24

23 مارس 2023 - 09:45
الخط :

فاس: رضا حمد الله

استوى ضابط الشرطة على كرسيه بعد عمل متعب طوال الصباح، قضاه وزملاء له خارج دائرة الأمن بحي هامشي بحثا عن مطلوب للعدالة. غفا دقائقا، لكنه استفاق على دقات خفيفة على باب مكتبه. فتح عيناه على صورتي سيدة ستينية وشاب. كانا واقفين بالباب، فأذن لهما بالدخول، لمعرفة دافع زيارتهما في ذاك التوقيت المتأخر.

مكنهما من كرسيين خشبيين ليستريحا وعاد لحيث كان، سائلا إياهما عم جاء بهما، فقالت السيدة:

- زوجي سيدي. لم يعد منذ أسبوعين وهاتفه غير مشغل، ولا ندري ما حل به.

لم تكن الزوجة ولا ابنيه وابنته، يتجرؤون على الاتصال بالمختفي. صرامته ورد فعله العنيف ولو لفظيا، جعلهم يتحاشون الاتصال به والسؤال عنه. سؤالهم عادة ما كان يواجهه بغضب بداعي التدخل في أموره الشخصية وما لا يعنيهم في حياته. بالنسبة إليه لا حق لهم في استفساره، طالما أنه يوفر لهم حاجياتهم، أما ما دونها فيخصه لوحده ولا يهمهم

هذه المرة، الأمور تختلف. غيابه طال أكثر مما اعتادوا عليه.

حاول ضابط الشرطة طمأنة السيدة للتخفيف من قلقها ومرافقها ابنها الأصغر. لكنه أخذ البلاغ مأخذ جد، وشرع في تدوين كل المعلومات عن الزوج والأشخاص الذين لهم بهم علاقة، وكذا الأمكنة التي قد يكون فيها.

إضافة لمنزل العائلة، كان للزوج فيلا في حي راق بمدينة صغيرة مجاورة. قليلا ما كانوا يزورونها، وإن حدث فبرفقته. ومنها انطلق بحث الشرطة عنه.

تنقل فريق أمني لتلك المدينة وقصد مكان الفيلا. وضرب أفراده حراسة عليها. كانت سيارته البيضاء الفاخرة، مركونة ببابها الخارجي. استعمل الضابط، زر الباب، فسمع رنينه داخلا دون مجيب. كرر المحاولات مرات متعددة، دون جدوى.

كان لا بد من استشارة النيابة العامة، التي أذنت باقتحامها وتكسير الباب طالما أن مفاتيحها ليست بحوزة باقي أفراد العائلة المبلغين عن الاختفاء.

الطابق السفلي شبه فارغ، إلا من أرائك متقابلة، كما في الطابق الأعلى حيث بدا الفراش والأثاث مرتبا بشكل طبيعي.

بحث عناصر الأمن عن أشياء غريبة يمكن أن شيئا من الغامض في هذا الاختفاء. وعثروا بغرفة النوم على حقيبة نسائية، بها أغراضها وملابسها الداخلية. مؤشر على مرور أنثى من هناك. لكن من هي، وما جاء بها لهناك؟.

لا أحد اهتدى لأجوبة مقنعة، ولا لهوية صاحبة الحقيبة. عناصر الأمن لم تعثر على أي بطاقة هوية قد تفضحها.

السير في اتجاه هذا المسار من البحث، لن يجدي نفعا في كشف ظروف الاختفاء، اللهم من اكتشاف زوجة مكلومة، خيانة زوجها الذي كانت ترى فيه صورة الملاك المعصوم من الخطأ، ولو فاقت عصبيته الحدود. كان الزوج مواظبا على الصلاة ومهابا ولا تظهر على سلوكه ما قد يثير الشك.

دون جدوى بحث المحققون عن خيط ولو رفيع، موصل لهذه الأنثى الباقية حقيبتها هناك، لأنها حلقة مهمة قد تقود لحيث يوجد الزوج المختفي في ظروف غامضة منذ أسبوعين. إذن لا بد من البحث عن طريق آخر للبحث والتقصي.

كان المختفي غنيا، يملك عقارات ومشاريع كثيرة تذر عليه مدخولا مهما، لكن لم يكن له غير حساب بنكي واحد في وكالة بالمدينة زارها المحققون وجالسوا مسؤولها. وبمراجعة حركية الحساب تبين أن عمليات سحب متكررة تمت لمبالغ مالية مهمة. ومديرها أفاد بقيام الابن الأكبر بذلك باستعمال شيكات تحمل توقيع الأب. لم يكن موظفوها يشكون في الأمر رغم تكرر العمليات، فهم يعرفون الساحب حق المعرفة واعتادوا أن يرافق أباه إلى البنك من حين لآخر. حينها انتابهم شك.

جدد الضابط الاتصال بالزوجة وسألها عن النها الأكبر، فأكدت أنه خرج ولا يعود إلا في ساعة متأخرة من الليل، بل اختفى من يومين أعقبا تبليغ العائلة عن اختفاء أبيه. وبفشل جهود العثور عليه، نسق الضابط مع مدير البنك أملا في عودته إليه لسحب شيك جديد.

مر يومان على ذلك، وذات زوال فوجئ موظف الاستقبال، بشيك جديد. لكن مقدمه شخص غريب وليس الابن كما اعتادوا. طلب منه الانتظار، وقصد مكتب المدير ليخبره بالزائر وحكاية الشيك، ليتصل بالضابط ويحضر فريق أمني بزي مدني أوقفوا المشتبه فيه واقتادوه لمقر الأمن للبحث معه.

حاول في البداية الهروب للأمام، متمسحا بتحوزه بالشيك من صاحبه بداعي وجود معاملة تجارية بينهما لم يكشف عن طبيعتها. لكنه سرعان ما تراجع عن روايته واعترف تلقائيا بتفاصيل حصوله على الشيك.

في ذاك اليوم رافق الابن الغائب على متن سيارة اكتراه من وكالة مختصة، إلى باب البنك، وناوله الشيك طالبا منه سحبه دون أن يعتقد أنه سيسقط في الفخ. الابن كان أحس بأن شيئا ما وقع في غير صالحه، لذلك فر من أمام الوكالة ولم يجب على الاتصالات المتكررة على هاتفه بعد نصب كمين له.

لقد اختفى من جديد ولم يعد للغرفة التي كان يشغلها مع الموقوف المعروف بالاتجار في المخدرات الصلبة. ضربت حراسة أمنية عليها دون جدوى. وقدم صديقه للعدالة وحوكم وحكم بعقوبة. ومرت سنة على ذلك واصل فيها الابن التواري عن الأنظار. لكن الصدفة ستقود إليه.

كان للزوج المختفي صديق، التقى صدفة ذات مرة بابنه الصغير. عاتبه على طرد أبيه لشقيقه وتركه عرضة للتشرد في الشوارع. حكى له كيف وجده ليلا في ركن منزو، والحالة التي كان عليه ولا يرضاها لابن صديقه. أواه في منزله وأكرمه أياما قبل أن يلتقي أخاه الأصغر الذي جاراه في روايته وأبدى استعداده لإبرام صلح بين الأب وابنه. واقترح على الصديق مرافقته لإقناع الأب، وفي الطريق جلسا في مقهى، حيلة ليجد الوقت الكافي للاتصال بضابط الشرطة. وما هي إلا دقائق حتى حضر فريق أمني أطلع صديق المختفي على حقيقة الأمر، ليرافقه لمنزله ويوقف الابن الأكبر الفار.

أنكر الابن علمه بمكان وجود والده، لكن لم يقنع في تبريره سبب حيازته شيكات وسحب مبالغ مالية مهمة من رصيده وفي زمن قياسي أعقب اختفاء الأب. ادعى تسليمها له طواعية لتحاشي ابتزازه له في كل مرة يحتاج فيها مالا لشراء حاجياته من المخدرات القوية المدمن عليها. لكن الحيلة لم تنفع بعد مواجهته بأدلة ومساءلته حول سر اختفائه بعد علمه بتقديم أمه بلاغا باختفاء والده. حينها وبعد محاصرة بالأسئلة وظهور تناقضات في أقواله، لم يجد بدا غير الاعتراف بالمنسوب له.

في ذاك اليوم المشؤوم، كان يعلم أن والده مع عشيقته الشقراء، فقصد الفيلا وتحين الفرصة لتخرج لشراء حاجياتهما لسمر مبرمج، ليتسلل لداخل الفيلا ويباغث والده، محاولا ابتزازه من جديده. أقنعه بالخروج لحديقة الفيلا لمواصلة التفاوض تحت ذريعة فضحه. وما أن خرج حتى باغثته بضربه في رأسه، بعصا قصيرة أخفاها بين ملابسه. كانت الضربة كافية ليتهاوى الأب أرضا فاقدا القدرة على الدفاع عن نفسه، ما استغله ليعالجه بضربات بسكين في أنحاء مختلفة من جسمه، إلى أن تيقن من وفاته.

خرج الابن لباب الفيلا ووقف منتظرا عودة العشيقة التي كان يعرفها جيدا ويعرف علاقتها بأبيه. وما هي إلا لحظة حتى عادت ليوقفها ويختلق رواية حضور أمه وأخيه وأخته، وأقنعها بمغادرة المغادرة لتحاشي الفضيحة. لم يكن بوسع الفتاة غير القبول، فهي لن تقبل بغير النجاة بنفسها دون إثارة قلاقل.

أدبرت الفتاة عائدة لسكناها، وأغلق الابن باب الفيلا، لينهمك في حفر حفرة عميقة دفن فيها أباها وغرس شجرة فوقها ورش ماء كثيرا بشكل يوحي للناظر أنها مغروسة قديما. فعل ذلك ونظف الفضاء من كل قطرات دم الأب وبحث في الفيلا عن أي شيء ثمين، واستولى على دفتر الشيكات وقصد صديقه تاجر الكوكايين الذي كان يزوده بحاجياته من المادة. عاش معه أياما أنفق خلالها ملايين السنتيمات في الإدمان والخمر والسهرات، دون أن يدري أن هذا البدخ لن يطول ليجد نفسه مشردا بعد اعتقال صديقه.

اعتقل الابن وانتشلت الجثة وأعيد تمثيل الجريمة، واكتوت العائلة بفقدان معيلها. وبقيت العشيقة في انتظار مكالمة من العشيق، دون جدوى. ومرت الأيام وفقدت أمل تجدد اللقاء، معتقدة أنه استبدلها بأخرى أجمل. وفشلت كل محاولاتها البحث عنه، ولم تجد له أثر إلى أن أوقفت وعلمت بقتله من طرف ابن أنفق عليه الكثير ودلله أكثر منا يجب.

آخر الأخبار