عادات تقاوم التغيير: الصقير ...حب تباركه الأسرة والأعراف ويتوج بالزواج

الكاتب : الجريدة24

25 مارس 2023 - 12:00
الخط :

أمينة المستاري

تأصلت بتافراوت الساحرة...تلك الرقعة الجميلة بين الجبال والصخور الملونة التي اشتهرت بقبعتها الشهيرة " قبعة نابليون" و "رأس الأسد"، عادات وأعراف لعقود من الزمن، من قبيل "الصقير" الذي يمارس بعلم من الأسر وبمباركتهم لينتهي بالزواج...
الصقير ... حب تباركه الأعراف والأسرة

الصقير ...من العادات القديمة التي تميزت بها تافراوت، فهي إرث أمازيغي ورثه الأبناء عن الأجداد وتزوجت عن طريقه أجيال

بمباركة الأسرة والقبيلة، طقس لاتجرمه الأعراف المحلية والعادات الأمازيغية القديمة بجبال الأطلس الصغير، وفي مجتمع تقليدي محافظ وفي وسط جبلي بعيد عن المدينة، لذلك لم يكن هناك أي مجال للتحرش بالفتاة التافراوتية، وفي منطقة تسود فيها كلمة " الحشومة" و"الغزل العذري"، ويهدف الطرفان من لقائهما التعارف والتوادد كمرحلة أولية قبل الإنتقال إلى مرحلة الزواج.

بملاحفهن السوداء التي تغطي أجسادهن وتعكس الهوية الأمازيغية، لا يظهر منهن سوى الأيدي والوجه، كانت الفتيات تتوجهن إلى فضاء مفتوح تنتشر به أشجار مورقة ، أو على ضفاف نهر وفوق الصخور التي اشتهرت بها تافراوت الساحرة، وينعكس سحرها على فتياتها لجمالهن الطبيعي دون مساحيق، للقاء الشاب، وتحرص التافراوتيات على ارتداء اللباس الخاص بالمنطقة ولو كن من المهاجرات بدول أوربية، فهن يلتزمن بمجرد دخولهن المدينة بلباس المنطقة الأصيل المكون من أملحاف والحذاء "تاكنيضيف" أو " تانشبالت"...وغالبا ما كان الصقير يعقد خلال جمع الأركان أو الحصاد أو خلال المواسم والمهرجانات...ولقاء الشاب والشابة في مكان عمومي كان من الضوابط التي تؤطر "الصقير"، بالإضافة إلى عدم السماح لأي شخص أجنبي عن البلدة من ولوج مكان

الصقير إلا في حالة تزكيته من طرف أحد سكان البلدة كما هو متعارف عليه داخل المناطق الأكثر محافظة.

الجميل في "الصقير" أن المحاورة بين الشاب والشابة لا تتم بالشكل العادي، بل على شكل محادثة شعرية تبدأ بإثارة النقاش حول موضوع ما، يعتبرها البعض فرصة لصقل الموهبة الشعرية و" تنظامت"، بمقاطع وأبيات من شعر الحاج بلعيد، ملهم العشاق والمحبين بسوس ، ليس في حفل تحييه أحواش بل في لقاء بين شخصين هدفهما بلوغ مرحلة الزواج لكن طبعا بعد تفاهمهما عن طريق الصقير.

ولا ينسى المحب أن يحمل لمحبوبته بعد وصولهما مرحلة التوافق والإنسجام باقة من ورد الحبق " لحباقت"، هي عربون الرضا، ويمارس الطقس المتجدر في المنطقة بعد العصر، حيث تنتهي الفتيات من أشغالهن أو في الفترة الصباحية خلال موسم الحصاد أو جني بعض الثمار كاللوز والأركان ...

التقارب الفكري والإنجداب والتفاهم بين الطرفين خلال المحادثات شرط مهم للوصول إلى اتفاق بين المحبين وتتويجه بالزواج، ويتم في جو من الاحترام، لا تتخلى الفتاة عن حيائها ولا الشاب عن احترامه لها.

فقبل مدة كانت هضاب ووديان المنطقة تعج في وقت معين بالفتيات والفتيان، ليرتفع شعر بلعيد عاليا بكلمات : «أيا ايْت لمكان إربّي دوعايْت» (يا سكان القرية ادعوا لي)، «أيورّي أوْضار. إيمّا هان لحوب مْيارْن» (لكي أعود من حيث أتيت فقد أصبحت عاشقا ولهانا)، «أوفيغد لحوب إكا لْجديد أوراكْ سولْ إيرا أوْضارْ تاوادا د لْعاقل» (وجدتُ لديكم حبا عذريا، فلم تعد رجلاي قادرتين على السير، بل فقدتُ عقلي».

الصقير ...حب يقاوم التغيير

كانت الفتيات يقصدن المكان المعروف بالمدينة الصغيرة، فيما يحضر الشبان ليجلسوا غير بعيد عنهن، ويكون على الفتاة إيجاد موضوع لمناقشته مع الشاب الذي من المفترض أنه يبحث بين واحدة منهن عن زوجة، وتدوم المحادثة ساعات ، في ذلك الوقت يجول بعينيه باحثا عن زوجة المستقبل حتى يجد مبتغاه، فيلمح لها ببيت شعري ، وفي الأيام التي تلي أول جلسة يحاول الشاب أن يبين لمن اختارها قلبه رغبته في لقائها ويقنعها بحبه لها من أول نظرة، ثم بعد التعارف يعقدان لقاءات في المكان نفسه، فيجلسان جنبا إلى جنب ويتبادلان الحديث حتى تتوطد علاقتهما، ويتوج حبهما باتفاق رسمي تباركه الأسر التي على علم بتفاصيل أول لقاء إلى مرحلة الخطبة، في تعبير عن تمتع الفتاة بالحرية في أسمى معانيها.

كل أبناء المنطقة تعرفوا على زوجاتهم إلا بعض ممن غادر المنطقة نحو مدن أخرى أو نحو أوربا. ويؤكد بعض أبناء المنطقة أن المرأة تحضى باحترام كبير في المجتمع الأمازيغي، فتحترم احترام إرادتها ولا تخضع للوصاية على اختياراتها، فالتعبير عن الحب يكون في أسمى صوره مصحوبا بالإيحاءات الشعرية الجميلة. لهذا تجد أن غالبية ساكنة هذه المناطق تزوجوا عن طريق عادة "أصقر" التي تتيح لهم إمكانية التعرف على شريك أو شريكة الحياة بكل سلاسة...ويتوج الصقير بالزواج في حفل كبير غالبا " الزواج الجماعي".

رغم ذلك يؤكد بعض أبناء المنطقة أن عادة "الصقير" تقاوم الاندثار، بعد أن عوضها "الواتساب" والفيس" وتأثير وسائل الاتصال على الحياة الاجتماعية وفي تطور وتغير العديد من السلوكات، ولم يعد تعارف الطرفين يتم كما كان في عهد الأجداد، لكن ورغم ذلك لا يكون تعارف الطرفين بالشكل الذي يتم به "الصقير" الذي لا يعتبره أهل المنطقة "انحرافا" بل هو لقاءات تمهيدية بغاية الزواج.

آخر الأخبار