"المواكني"...دقت ساعة الانقراض

الكاتب : الجريدة24

28 مارس 2023 - 09:00
الخط :

أمينة المستاري

في ركن منزو أمام محله بسوق الأحد بأكادير، جلس الساعاتي عبد السلام( 67 سنة)، على كرسي يتجاذب أطراف الحديث مع جاره، عن الغلاء والفقر الذي أثر على مجموعة من المهن والحرف. دامت مدة البحث عنه أزيد من ساعة، قبل أن نجد المحل فهو الوحيد الذي ما زال يقاوم ويحاول الاستمرار في زمن "الساعة الإلكترونية" و"الهاتف"...

بتذمر واضح وغصة في الحلق، لخص عبد السلام واقع مهنته "المواكني" بكونها " ماتت بوفاة أهلها وأصحابها القدامى"، كرر الجملة مرات عديدة، فلم يعد الكثيرون يقصدون "المواكني" لإصلاح ساعة وإعادة عقارب الساعة إلى مكانها، كما هو حال المهنة فلا يمكن أن تعود إلى سابق عهدها، وأرجع أزمة المهن التقليدية وأفولها للفقر قبل منافسة الساعات الذكية والهواتف.

بدا "المواكني" الستيني ساخطا على وضعيته "المهنية"، فلم يقبل الحديث بادئ الأمر عن مهنة قل شأنها بعد إعراض الناس عنها، في زمن كان المشاهير فقط من يضعون الساعة ويلجؤون لخدمات الساعاتي للحفاظ عليها لسنوات. لم تعد المهنة تدر دخلا للمواكني، فهو لم يعد قادرا على العمل بسبب السن والمرض، بعد سنوات هي "نقطة ضوء" كان الزبون يلجأ إليه لإصلاح ساعة توقفت عقاربها، أو لغسلها...

يقول عبد السلام وهو أب لابنين وابنة: "أنا تعلمت المهنة ملي كنت صغير ...أيام كان للمهنة ناسها وهيبتها، ، أما دابا مابقات ومابقيتش حامل نخدم فيها، الأبناء مابغاوش حرفة بوهم واختاروا طريقا آخر، أما أنا فلولا الحاجة وضرورة توفير دخل ولو قليل لما وضعت رجلي على عتبة المحل...أنا عييت وحرفتنا مابقاتش ". بانفعال دخل المواكني إلى المحل للحظة وخرج ليجلس على كرسيه.

لم يتوقف عبد السلام عند إصلاح الساعات اليدوية أو ساعات المنبه التي وضعت في مقدمتها ساعة "الفروج"، فداخل المحل علقت ساعات من الطراز القديم التي قد يصل ثمنها 2000 درهم، لا يمكن أن يقتينها إلا من "مسك عليه الله" ، وهو حال بعض المحامين والأطباء ممن يقتنون مثل هذه التحف...كما توجد بالمحل أنواع من الراديو القديم وبعض شاشات التلفاز...وأمام كرسيه علقت على الحائط مجموعة من أدوات إصلاح الساعات من "الكواية، الميزان، ....". يؤكد عبد السلام أن "الساعاتي كانت له قيمة ، متخصص، وكانت للساعات قيمة، فهو يعيد عقاربها إلى العمل والدوران ويعيد الحياة بدوران تلك العقارب".

عبد السلام..."المواكني"الوحيد المعروف في السوق، تعلم الحرفة في صغره وعمل سنوات يصلح الساعات، قبل أن تدق التكنولوجيا الحديثة آخر مسمارها في نعش الحرفة...وصل إلى خلاصة واقع المهنة: "مشات صافي وماتت مع ماليها ومع عشاقها ومن عاشوا عهد الساعة "الفروج"اللي كانت تباع ب250 ريال...وهنا أتذكر أن شخصا قدم إلى محلي يبحث عنها وعندما سألته، قالي لي أريد أن أضعها في البيت ليلعم أبنائي أن الوالد قراني بهاد الساعة ".

"المواكني" وذكريات الزمن الجميل تظل عالقة بذهن ادريس، أحد تجار السوق في بداية عقده الخامس، فقد كانت له قصة قديمة مع الساعة، أيام كانت الخدمات التي يقدمها نوعية، يصلح الساعات الغالية ذات قيمة عند، فقد كان عملا جدريا لم يعد موجودا، وانتقلت "الماكانة" من الضروري إلى التحسيني.

يتذكر سعيد أنه لإصلاح الساعة قبل عقود قديما، كان من اللازم تقديم فاتورة شرائها أو "الريسيبو" : " أتذكر أنه لم يكن الجميع قادرا على اقتناء ساعة يد، باستثناء المشاهير، وعرف المواكني بارتباطه بالفئات المستضعفة والأغلبية الساحقة لم تكن تملك الساعة. المواكني كانت له قيمة، ففي السبعينيات أتذكر أن ثمن الساعة اليدوية كان يناهز 60 درهما، وكنت أحلم بوضع ساعة في يدي، كنت أبيع اللوز والنبق لأستطيع جمع الثمن وفعلا اشتريتها وكان يوم عيد بالنسبة لي، وحصلت على فاتورة الشراء "الريسيبو" .

يبتسم سعيد وهو يضيف :" أتذكر أن الساعات كان يقوم بغسل الساعات، ويستعمل الميزان ....لكن تطورت الساعة حتى أصبحت ساعات إلكترونية ، وفي الثمانينات كان ثمنها 120 درهما، وأصبح الجميع قادرا على شراء الساعة التي وصل ثمنا 30 درهما فقط. لكن ورغم ذلك فالجودة غابت عن الساعات الجديدة، في الوقت الذي كانت تعمل الساعة قديما تستمر لسنوات، وأصبح دور المواكني يقتصر على تغيير الحزام ، الزجاج للساعات التي لها قيمة عند أصحابها "الدواقة"."

في أواخر التسعينيات، أعلن عن نهاية "المواكني" بظهور الهاتف، فلم يعد هناك أثار الساعة على اليد، فقد كنا نضعها نهارا وليلا، لكن هذا لا يمنع من القول أن البعض يبحث عن ساعات حائطية وقد ينفق كثيرا لاقتناء ساعة تحفة وهم قلة قليلة طبعا، فالساعة كانت وستظل بمثابة ذاكرة وهوية .

آخر الأخبار