ابو الغالي:البام خلخل المشهد السياسي وحداثي على سنة الله ورسوله وهناك اجتهادا مع النص

الكاتب : الجريدة24

11 مارس 2024 - 01:07
الخط :

صلاح الدين ابو الغالي

أنا سعيد جدا لتواجدي معكم اليوم في اول لقاء لكم بعد المؤتمر الوطني الخامس و مسرور جدا لرؤية هذه الوجوه في منطقة الرحامنة تحت خيرات الشتاء و لله الحمد

و اود قبل كل شيء التقدم بالشكر الجزيل باسمي و باسم القيادة الجماعية للأمانة العامة لحزب الأصالة و المعاصرة لمساهمتكم في إنجاح المؤتمر الوطني الخامس.

إن برنامج العمل الذي ستعرضه القيادة الجماعية للأمانة العامة خلال الأيام المقبلة يوضح استراتيجيتنا في تعزيز مكانة المناضلين واستقطاب المناضلين الجدد، من خلال إقناعهم بتبني الأفكار والمبادئ الأصيلة والمعاصرة لحزبنا، حزب الأصالة والمعاصرة.

هذه الاستراتيجية ليست عبارة عن تفكير عابر، بل هي نتاج خارطة الطريق السياسية التي أعددناها بعناية ومن تحليلنا العميق للأطراف الرئيسية في تشكيلتنا السياسية.

إن الهدف الذي نتطلع إليه ليس هدفا عاديا، بل هو هدف طموح يتمثل في تأسيس نهج جديد يعزز الروابط والرؤية حول علاقة الحزب بالهيئات المنتخبة، والأمانات الإقليمية، والمجلس الوطني، والهيئات الموازية، والهياكل الداخلية، والأعضاء الجدد.

لن يكون هذا الهدف ممكنا دون السعي الحثيث لإعادة توجيه مشروع الحزب السياسي، جذب الموارد، ضمان التنسيق والتماسك الداخلي، واستقطاب أعضاء جدد، فضلاً عن توعية الشباب والابتكار في المجال السياسي.

وفي هذا السياق، إننا نعيد النظر في الرؤية السياسية والفلسفية لحزب الأصالة والمعاصرة وتحديثها، بما يتناسب مع روح حركة لكل الديموقراطيين وتطلعات المغرب المستقبلية. لا يتعلق الأمر هنا بمجرد تغيير سطحي، بل بتحول جذري يتوافق مع الزمن ويستجيب لتطلعات شعبنا.

كما سيسعى برنامج عملنا إلى تعزيز المشاركة الشعبية في الحزب، فلا يمكننا أن نتقدم ونتطور من دون مشاركة فاعلة من جميع المناضلات والمناضلين والأعضاء الجدد الذين يطمحون في الولوج إلى مراكز القرار داخل الحزب.

ومن هذا المنطلق، نعتزم تطوير وتقديم الدعم الفني والمالي والقانوني والسياسي للمنتخبين ورؤساء الجماعات المحلية، من أجل تعزيز مساهمتهم في التنمية المحلية. فإن رفاهية مجتمعنا المحلي هي الهدف الأساسي لكل جهودنا.

وسنعمل على إشراك الأكاديميين والخبراء والمفكرين في المناقشات السياسية والفلسفية الكبرى، فالعلم والمعرفة هما الأساس الذي نبني عليه مستقبلنا، وذلك للمساهمة في تحديد السياسات العامة ومواجهة التحديات والفرص المستقبلية للمغرب.

إن تحليلاتنا للقوى والضعف والفرص والتحديات تقودنا إلى اختيار الجبهات التي نعتزم توجيه مواردنا إليها، والأهداف المحددة التي سنركز عليها في تنفيذ خطة العمل.

الطريق لن يكون محفوفا بالورود، لكننا مصممون على مواجهة تحدياته بكل قوة وعزيمة بتحسين السلوك السياسي والعام من خلال وضع ميثاق أخلاقي متفق عليه، موثوق به، ومتناسق، يشمل أكبر قدر ممكن من المشاورات.

فالأخلاق والنزاهة هما الأساس الذي يقوم عليه كل عمل سياسي، ونجاح المؤتمر الخامس لحزب الأصالة و المعاصرة لن يكتمل إلا إذا تجسدت في صفوفنا قيم النزاهة و توقير المال العام و عدم التلاعب في الصفقات العمومية و محاربة الإثراء غير المشروع و خدمة الصالح العام .

إن المقاربة الجديدة للقيادة الجماعية من شأنها ان تعيد بناء الحزب بصفة كلية و انفتاحه على الأطر والكفاءات الشابة لكي تكون مؤثرة في القرار الحزبي والفلسفة السياسية،

وكذا تجديد نخبه على مستوى الهيئات المنتخبة قناعة منا أنها الطريقة المثلى لكسب ثقة وانخراط الشباب في مغرب الغد و استجابة لخطابات قائد البلاد جلالة الملك محمد السادس حفظه الله

تلك الخطابات التي ظلت تلح في كل مناسبة على الأحزاب السياسية ان تتحمل مسؤولياتها في هذا الباب بالخصوص

وها أنا اليوم أمامكم الشخص المتواضع إلى جانب الأخت فاطمة الزهراء المنصوري و الأخ المهدي بنسعيد أبناء هذا الحزب ترعرعنا في حضنكم و تسلمنا المشعل من عندكم  وعاهدنا أنفسنا على ألا نخذلكم و اليوم أيتها المناضلات و أيها المناضلون لحزب الأصالة و المعاصرة

يمكنكم القول ان حزبكم خلخل من جديد المشهد السياسي المغربي كما فعل اول مرة، فاليوم لن يبقى للأحزاب السياسية سوى خيار تجديد نخبها والقطع مع مفهوم الزعيم الوريث و تشبيب منتخبيها و تكسير ذلك السقف الزجاجي الذي يتصدى لكل شابة و شاب ذوي كفاءات وطاقات من خارج الاسلاك الحزبية  المعهودة.

لقد أثار النقاش الواسع حول تعديل مدونة الأسرة في بلدنا الحبيب، تفاعلا إيجابيا في غاية الأهمية بين مختلف شرائح المجتمع المغربي و احتل حزب الأصالة والمعاصرة مركز الصدارة في الحوار والنقاش بما يشهد له الجميع من جرأة سياسية و قوة اقتراحية تتشكل في الحقوق و المساواة والأمن الروحي للمغاربة،

ذلك بما يتماشى مع مشروعنا السياسي و المجتمعي و كذلك الحقوق الأساسية المنصوص عليها في دستور 2011  فضلا عن الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف المغرب في 18/يناير/2001 و 17/غشت/2015 بما في ذلك رفع بعض التحفظات في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة،  والتوصيات الصادرة عن كل من لجنة سيداو في يونيو 2022 و تقرير الاستعراض الدوري الشامل الصادر في فبراير 2023.

وإن كنا في حزب الاصالة و المعاصرة حداثيين ديمقراطيين، فنحن حداثيون على سنة الله ورسوله، فخورون بما حققته المرأة المغربية في العلم والمعرفة والطب والمقاولة،

وفي القضاء و السياسة، و في النضال و في الصحافة، و في الفن و الإبداع وفي الثقافة، معتزون بحرصها على التربية و التضحية في سبيل إنشاء الأجيال الصاعدة،

و استقرار الأسرة المغربية لكونها النواة الأساسية للمجتمع ، وجب على الدولة حمايتها في الجانب الحقوقي و الاجتماعي و الاقتصادي، بما يضمن وحدتها و استقرارها و المحافظة عليها كما عبر عن ذلك الفصل 32 من دستور 2011.

ان النقاش حول تعديل مدونة الاسرة، وإن كان صحيا و إيجابياً على وجه العموم، فإنه لم ولن يخلو من الاصطياد في المياه العكرة من طرف بعض الخصوم السياسين الذين عمدوا بعد ان تبين لهم ان حجتنا هي الأحق و لله الحجة البالغة،

إلى تأجيج النقاش والتحريض على العنف الرمزي والتهديد بالاحتجاجات، وهذا لا يستقيم مع أدبيات الحوار العمومي و مبدأ النقد البناء و الاحتكام إلى آلية المؤسسة التشريعية كتعبير للإرادة الشعبية

ذلك لأنهم فشلوا في إقناع المغاربة بمشروعهم الماضاوي الذي يكمن في قياس مجتمعنا على مجتمع القرن العباسي، و هذا ضرب من ضروب العبث و لا يزيدنا إلا ايماناً و تشبتا بأخلاق ديننا السمح و بالغايات القرانية و التي تتجلى معضمها في العدل و التقوى بمفهوم الكف عن الاعتداء ورفع الإكراه على الناس و الحرية و ترك الحساب إلى الله.

إن المواجهة اليوم بين الحداثة والماضاوية تكمن في المواجهة بين العقل و النقل و بين الاصالة والأصولية و بين الاتباع و التقليد

فالحداثة عكس الماضاوية والحداثة ترجح العقل على النقل كما أنها تنتصر للأصالة ضد الأصولية و للاتباع ضد التقليد

ونحن في حزب الأصالة و المعاصرة ننتصر للعدل والمساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات

كما نسعى لتحقيق تكافؤ الفرص وحس المواطنة لكل طفل يترعرع على أرض الوطن مهما كانت ظروف نشأته و لو تعلق الأمر بطفل تم إنجابه خارج إطار الزواج فنطالب بوجوب نسبه لأبيه كما هو الشأن اليوم حيث ينسب لأمه

و لدينا اليوم من العلم ما يمكن إثبات بنوته باليقين، و قد تجرأ الحزب الماضاوي اليوم بالقول ان ابن الزنى لا حق له و نحن في حزب الاصالة و المعاصرة نقول ليس هنالك أصلا ابن زنى لا في المغرب و لا في زحل

والأطفال ليسوا مسؤولين على اخطاء أباءهم "ولا تزر وازرة وزر أخرى"و لن يزدهر مغرب الغد بأطفال مأزومين نفسانيا و مهزومين اجتماعياً و ملعونين بكل النعوت بغية ارضاء بعض الذكور الذين يريدون التهرب من أفعالهم

و إلقاء المسؤولية على المرأة و الطفل بحرمانهم من حقوقهم الأساسية و الإنسانية و الكونية و التي يقول فيها الله عز وجل "وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا و صهرا و كان ربك قديرا"صدق الله العظيم.

ان ما يميزنا عن الأحزاب و الحركات الماضاوية في شأن تعديل مدونة الاسرة يكمن في مفهوم الاجتهاد و ينبغي لمتتبعي الشأن العام ان يعلموا أننا جميعنا

مهما كان انتماؤنا السياسي ، مجتهدون مسلمون و لكن نسلك طرقا مختلفة في الاجتهاد، فنحن الحداثيون نعتبر أن هناك اجتهادا مع النص و نطالب علمائنا المغاربة الأجلاء و المشهود لهم عبر العالم عن كفاءاتهم و حنكتهم و أنا أجالس البعض منهم وأكن لهم الاحترام و التقدير

أن يستحدثوا آراء جديدة بناءا على ثبات النص و حركية المحتوى وأن النص يفهم وفق أدوات و مفاهيم  الأرض المعرفية التي نعيش فيها و القراءة المعاصرة في حين أن الماضاويون يعتبرون أنه لا اجتهاد مع النص وأن النص لا يفهم إلا وفق فهمه للسلف الصالح

و ان المجتهد لا يأتي بأحكام جديدة بل يكشف عن الحكم الشرعي بالقياس على الماضي و الأدلة الشرعية،

و هذا لا يغنينا اليوم في شيء بل يحجر على العقول حتى ذهب احدهم في الحزب الماضاوي و قال انه يستغرب كيف لبنت قاصر ذو 17 سنة ان تكون غير مؤهلة للزواج

وهو يستحضر بالرمز طاقتها الجسدية أمام الناس و لم يخطر عليه أن المغرب عرف تحولات اجتماعية و ثقافيه و اقتصادية منذ الاستقلال، حيث أصبحت المرأة فاعلاً اساسياً في التنمية و الاقتصاد و أن ضمير المجتمع المغربي يسعى إلى القطع مع زواج القاصرات و إلغاء الاستثناءات كون البنت القاصر مكانها المدرسة

و ينقصها الرشد لكي تكون أما و مربية و كونها في قرية أو بادية لا يغير شيء و المفاسد لا تدرأ بالظلم و الاعتداء، فنحن في الاصالة و المعاصرة نسعى إلى تجريم زواج القاصر الذي يقل عمره أو عمرها عن 18 سنة بدون أي استثناء و لا تبرير اليوم لزواج القاصرات.

لقد أكد صاحب الجلالة الملك محمد السادس أمير المؤمنين حفظه الله في رسالته الموجهة لرئيس الحكومة انه حريص "على ان يتم ذلك في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية و خصوصيات المجتمع المغربي و ان يتم الاعتماد على فضائل الاعتدال و الاجتهاد المنفتح و التشاور و الحوار و إشراك جميع المؤسسات و الفعاليات المعنية"،

والحال أن النقاش حول تعديل مدونة الأسرة ينبغي ان يكون بناءً و فرصة للنهوض بالأسرة و بالرجل و المرأة و الطفل

وبدون مزايدات من شأنها إقصاء و لو مغربية واحدة أو مغربي واحد و بدون تخوين أي شخص أو اتهامه بالعمالة و المناورات لصالح أهداف خارجية تسعى إلى تخريب الأسرة المغربية

فكل هاته التراهات أكل عليها الدهر وشرب و لن تصبح وازنة في طمس العدوان الذي تعاني منه المرأة المغربية و أطفال المجتمع المغربي و نسأل الله العافية. و السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته.

آخر الأخبار