الذئاب المنفردة.. الكابوس الجديد للمجتمعات الآمنة

الكاتب : الجريدة24

13 فبراير 2019 - 11:00
الخط :

الإرهاب خيار دموي متشدد تستعمله التنظيمات التي تتبناه كوسيلة للابتزاز. فالعملية الإرهابية تهدف إلى إحداث أكبر قدر من الأضرار، خاصة في الأرواح، وبالتالي فهي تسعى من خلال ذلك إلى أن يكون لها وقع إعلامي كبير وتأثير في الرأي العام قصد توجيهه كوسيلة للضغط على السياسات والقرارات في اتجاه معين.

والإرهاب ليست له أخلاق، فهدفه الأساسي هو المدنيين والأبرياء المطمئنين، إما كقتلى أو رهائن. كما أن الوسائل التي تستعملها التنظيمات الإرهابية دائما تكون خارجة عن القانون وغير أخلاقية. فتمويل أنشطتها غالبا ما يتم عبر السرقة والنهب وتهريب المخدرات، كما يتضح من تاريخ وحوليات كل التنظيمات الإرهابية التي عرفها العالم مند منتصف القرن العشرين، مهما كانت أيديولوجياتها وأفكارها. بل إن العديد من هذه التنظيمات يصل بها الأمر إلى التحول إلى عصابات إجرامية صرفة عندما تتحول الوسيلة إلى هذف بالنسبة لقادتها، ويصبح جني الأموال عبر اختطاف الرهائن أو السرقة أو تهريب المخدرات غاية في حد ذاته، وتتلاشى الايديولوجيات والأفكار التي كانت مبررا لتبني الإرهاب لتصبح مجرد ستار للأهداف الحقيقية للقادة المستفيدين.

وتواجه المجتمعات اليوم نوعا جديدا/قديما من العمليات الإرهابية، يعرف تحت إسم الإرهاب الفردي أو الذئاب المنفردة، الذئب المنفرد هو شخص تبنى فكرة التنظيم المتطرف بشكل فردي، وبدون أي ارتباط عضوي يقرر التصرف من تلقاء نفسه والتخطيط لعمليات إرهابية وتنفيذها دون انتظار أوامر أو توجيهات من أحد.

وبيد أن مصطلح الذئب المنفرد ارتبط في السنوات الأخيرة بالقاعدة ثم بالدولة الإسلامية، إلا أن التنظير له يعود إلى عقود خلت وسط العنصريين البيض في أمريكا.

ومن أبرز مروجي هذا المفهوم في الأوساط العنصرية الأميركية خلال التسعينات طوم ميتزغر وأليكس كورتيس (Tom Metzger and Alex Curtis)، اللذان كانا يحرضان العنصريين على اقتراف جرائم عنصرية بشكل فردي كلما سنحت الفرصة من دون ترك أثر. فلا حاجة للرجوع إلى التنظيم أو انتظار التعليمات لممارسة العنف العصري. واكتسب مصطلح الذئب المنفرد شهرة ليس فقط في الأوساط العنصرية، بل أيضا في أوساط المتعصبين من ديانات مختلفة وامتد إلى بعض التيارات المتعصبة في مجالات الدفاع عن البيئة وحقو الحيوان، وأخيرا إلى معتنقي الأيديولوجيات الجهادية.

بدأت القاعدة في التنظير لما أسمته "الجهاد الفردي" في سنة 2003، عبر نشر مذكرة توجيهية في هذا المجال في منتدى صدى الجهاد. ومند ذلك الحين ظهرت أسماء حركية في السحابة الإليكترونية للقاعدة تنظر وتخطط للجهاد الفردي، غير أن التنظيم لم يتبنى رسميا استرتيجية الذئاب المنفردة إلا بعد مقتل ابن لادن وتولي الظواهري.

أما بالنسبة لتنظيم الدولة الاسلامية (داعش) فمند إعلان الخلافة جعلت من ظاهرة الذئاب المنفردة محورا أساسيا لدبلوماسيتها. فمند خطابه الأول كان البغدادي واضحا، الاستقطاب والتهجير إلى سوريا يجب أن يركز على الأطر العليا والكفاءات، أما البسطاء فيجب تفجيرهم في عين المكان.

وتستقطب التنظيمات الإرهابية الذئاب المنفردة في الغالب عبر الانترنيت، ويتم التركيز على أشخاص بسطاء لا يتوفرون على رصيد معرفي خاصة في المجال الديني. وتلعب التنظيمات الإرهابية على الخصوص في هذا المجال على وتر اضطرار الهوية الذي يعاني منه أبناء الجاليات المسلمة في أوروبا. فالإسلام يختزل في مسألة الهوية، وليس كفكر ودين وثقافة. وبقدرما يعاني الشخص المستهدف من قلق في الهوية أو أزمة في هذا المجال بقدرما يسهل استدراجه واستطابه وتجنيده. لذلك فجل الذئاب المنفردة ليس لها ماض في التدين أو نشاط حركي كعروف قبل مرورها للفعل، وليست معروفة أو مصنفة لدى المخابرات والأجهزة الأمنية، كما هو الحال بالنسبة لمنفذ هجوم نيس. فانطلاقا من قلق الهوية يسهل إقناع الشخص بأن هناك من يتربص به وبهويته وانتمائه، وبالتالي إقناعه بضرورة الدفاع عن النفس والمرور إلى العمل الإرهابي.

وتبقى الذئاب المنفردة كابوسا أمنيا يقض مضاجع المجتمعات الآمنة، ويشكل أكبر تحدي للأجهزة الأمنية بمختلف أنواعها وأدواتها. فالذئب المنفرد شخص مجهول، ليست له أية علامات مميزة، قد تصادفه في الحافلة، أو تصطدم معه وجها لوجه في الزحام، أو تجلس قربه في شرفة مقهى، دون أن تعرفه. إنه نوع جديد من التهديدات والكوابيس التي تتطلب علاجا خاصا.

آخر الأخبار